أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةفن و ثقافةتجليات الأسطورة في رواية خيط الروح لمبارك ربيع.

تجليات الأسطورة في رواية خيط الروح لمبارك ربيع.

تمثل الأسطورة بإعتبارها واحداً من أهم منابع الموروث، مرجعاً أساسيا من المرجعيات النصية، الرمزية والفنية، التي مكنت الرواية من تحقيق تقدم نوعي على المستويين: المضموني والجمالي، ومن الدخول إلى تلك المرحلة التي تعد مفصلا واضح المعالم بين نسقين متمايزين في مسيرتها: نسق تقليدي يرتهن إلى منجز سابق عليه ومفرط في نقله الآلي عن الواقع، ونسق يحاول التحرُّرَ من الأعراف الجمالية التي أرساها الشكل الروائي الوافد، والتأصيل لأعراف جمالية روائية عربية.
وفي رواية “خيط الروح” يعيد مبارك ربيع اكتشاف الماضي بتأسيس نصه الروائي على علاقات حوارية مع الذاكرة البشرية مستحضراً الديناصور ذلك الكائن الأثري المحسوس، ليحرِّفه ويؤسطره ويجعل منه شخصية أسطورية وبطل عالمه الروائي، مزاوجا في حكيه بين مسارين متوازيين و عالمين متباعدين: الواقعي والأسطوري، إلا أنه تباعد ظاهري فقط، إذ لا ينفك العالمان يلتحمان ويتقاطعان في العمق، حيث تتخذ الرواية شكل مقاطع أو فصول قصيرة – وهو ما يُسَهِّل القراءة على قارئ اليوم عكس ما تطرحه الروايات ذات الفصول الطويلة من عناء فى تتبع أحداثها، إضافة إلى اعتمادها على تقنية التناوب والذي “يعني رواية حدث ثم تعليقه للإنتقال إلى حدث آخر ثم العودة إلى الحدث المعلق” ، فقد حطَّم الكاتب الخط السردي التتابعي ليجعل أسطورته مبعثرة بين ثنايا الرواية، مما يجعلها (الأسطورة) عنصرا متأصِّلا في جسد الرواية فلا إضافة يمكن استئصالها أو الاستغناء عنها، كما يناوب الكاتب بين الحكي عن عالم واقعي اجتماعي وسياسي وبين الحكي عن عالم أسطوري يحرف فيه “الديناصور” ويؤسطره ليجعله بطل حكايته الأسطورية، وإذا كان مبارک ربيع قد خصَّص لكل حكاية فصولا خاصة بها في بداية الرواية فإنه لا يلبث في النهاية يجمع بين الحكايتين في فصل واحد كما هو الحال في الفصول(35 و36 و42)، وكأنه ينبِّه القارئ إلى الالتحام والتقاطع الكائن بين الواقعي والأسطوري.
تقصُّ الرواية تفاصيل حياة الدّيصور باعتباره شخصية رئيسية في الحكاية الأسطورية وبطلها المأساوي، ونلمس مأساويه هذا البطل انطلاقا من غربته وغرابته بين قومه، يقول السارد: “والديصور يا سادتي عندما نزل به قدره، أو نزل بقدره والله أعلم، وذلك عندما تغيرت صورته ظاهرا وباطنا، فأصبح يرى نفسه على شيء والناس على شيء آخر، أو يمثل إليه أنه يرى نفسه على كل شيء، والناس علی غیر شي…. فأصبح يبدولهم في نظرهم صغيراً محدوداً، ويرى نفسه كبيرا ممدوداً؛ ولا هو في الأصل حسب الرواية، قد أتاه الله من بسطة في كل شيء
هيكلا وأطرافا وجذعًا وعقلا…
قال الراوي حدث ذلك كذلك، فإذا هو في نظر الناس قزم الأقزام هيئة، وحلم العصافير فكرا، فلا يُؤبه له عندما يطلب أو يأمر، وإذا هو يثير بكلِّ حركة منه مهما كانت عفوية بسيطة أو قوية مقصودة، عاصفة ضحك لا تنتهي ولا يعرف لها مصدر، وهي عذاب من القدرة الربانية، جعلته مسخًا في أعين أمته وبين أهله والقوم أجمعين
تتقوى مأساوية البطل الأسطوري باتهامه من طرف المتملكين بشتى التهم، منها قولهم أنه متملك مسخّر في خفاء وتستر تهربا من مفروضات وواجبات، فنادوا بطرده من البلدَة، أمام هذا الوضع المأساوي يحاول البطل انتشال قومه العداية خاصة من العسف والظّلم والتسخير متشبثا بقيم صارت شبه منعدمة في مجتمعه، إنّه بطل يتماهى مع النبي، وإن كان السارد ينفي نبوته، فهو يقاوم الظلم وينشر العدل والمساواة بين قومه من العدّاية والمتملكين بما يصلح من حالهم، ويزيل عنهم المذلة والهوان، متشبثا بمبادئه (حب البلدة، الإخلاص للعداية خصوصا…)، مانعا ممارسة التفاوت الطبقي وضروب الاستغلال.
كما يلاحظ قارئ الرواية حضورًا لافتًا للخطيئة واللعنة، وهي مفاهيم مرتبطة بالميثولوجيا في إطار صراع الخير والشر، حيث ينقسم عالم الرواية إلى شقين شق الخير وشق الشر، والديصور باعتباره بطل الحكاية يحاول دائما الانتصار لقيم الخير والتمسك بها، إلا أن شق الشر ينتصر في النهاية وهو ما يعمق أزمة البطل ويمنح النص مأساويته، فرغم محاولات البطل الحثيثة للقيام بمهمته الرسولية في بعث الخير ونشر السعادة والمساواة بين قومه، إلا أن تيار الظلم والرذيلة سيجرفه بعد ما انغمر فى حياته الجديدة بمهام وعلاقات وأسفار وعناية فائقة بالمظهر والسمت… فلم يعد له متسعٌ من الوقت لتفقد أحوال الناس، فصار يوقع على كل ما يقدم له من قوانين منجزة من طرف المجمع الأعظم وهي في مجملها لصالح المتملكين على حساب طائفة العداية مما دفع الناس للسخرية منه، وقد جعلته سابينا – الشخصية للأسطورية كذلك يرى نفسه في المرآة كما يراه الناسُ، بعد أن أمرته بالخروج، فكان الأمر شاقًّا وعسيراً على البطل الذي لم يتحمل ذلك وأقدم على الانتحار لتنتهي الأسطورة بموت الديناصور، وقد اختلفت الروايات حول حقيقة موته.
هذا الوضع المأساوي للبطل انعكس على طريقة كتابة الرواية التي اعتمدت استراتيجية أساسُها القلْبُ وتكسير خطية السرد إضافة إلى تكسير الصفحة وتقسيمها إلى متن وهامش، إذ تقوم الحواشي بإضاءة بعض الأحداث والأسماء الواردة في المتن الحكائي نظرا لغرابتها، لنجد أنفسنا أمام لعبة التعتيم والإضاءة.
زيادة على الشخصيات الأسطورية، اختار مبارک ربيع فضاء واقعيا (تارودانت) ليحرّفه بقدرته الفنّية العالية ويؤَسْطِرهُ فتصير تارودانت المدينة المغربية العتيقة تازودانت “مدينة “ديناصورية فاضلة، مما يقرب الرواية من المحكيات الفلسفية وتصورات الفلاسفة حول المدينة الفاضلة، يقول:” كان في أكوان الله الواسعة أرضٌ تسمى “زوداين”، ويلفظونها في دارج ندائهم “زودانا” ويطلقون عليها “تازودانت” على المعمول به في لسانهم من التعامل مع أسماء المكان و التنسيب… ويمتاز أهلها بالصدق والوفاء، والجدّ في الخير والسَّعي في سبل البر، في بحر من ودٍّ وقناعة، وارتباط محبة ووداعة، لا سيد فيهم ولا مسود، لا غانم بينهم ولا محسود، منزهون عن الغضب والحقد، يتراشقون رقيق البسمات، ولطف الكلام والعبارات” هذا الوصف لمدينة “تازودانت” وأهلها يجعلها أقرب من تصور الفلاسفة للمدن الجميلة التي يسودها العدل والإحسان والمساواة والسعادة.
كانت هذه مجرد وقفة قصيرة على أعتاب رواية “خيط الروح”، التي اتخذت من الأسطورة وسيلة لاقتحام مثلث المحرمات العربية – وأقصد هنا السياسة – لإقامة حكايات متكاملة يتداخل فيها ما هو سياسي بما هو ديني، وما هو اجتماعي وتاريخي بما هو فني صرف، صاغها الكاتب بعين ناقدة مبدعة متوسلا بأسلوبه السلس وخياله الخلاق وحكمته ومهارته في نسج خيوط الرواية.

ظهرت المقالة تجليات الأسطورة في رواية خيط الروح لمبارك ربيع. أولاً على Maroc 24.
سبورتيف1

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة