“رُبَّ ضارة نافعة”، فإذا كان الهجوم السيبراني الأخير الذي تعرضت له المواقع الإلكترونية لمؤسسات عمومية قد أفضى إلى تسريب معطيات شخصية لمغاربة، فقد دق في المقابل جرس الإنذار قبل وقوع الأسوء، من قبيل تعرض مؤسسات اقتصادية حساسة لهجوم مشابه قد يشل الاقتصاد الوطني.
ذلك ما نبه إليه الخبير في الأمن السيبراني، يوسف مزوز، مشيراً إلى أن الأمر يتعلق خصوصا بالمؤسسات التي تسير “البنية التحتية الحيوية”، من قبيل السدود وشبكات الإنترنت والمياه والكهرباء، إذ إن “قرصنتها قد تؤدي إلى وقف أو شل الحركة الاقتصادية للبلاد، وأخص بالذكر المؤسسات اللوجستيكية كالموانئ أو شركة المكتب الشريف للفوسفاط، أو إدارة الجمارك أو مكتب القطارات”.
وأضاف رئيس اللجنة الاستشارية لمؤسسة “ذكاء اصطناعي عادل وأخلاقي بإفريقيا”، في معرض حديثه خلال حلوله ضيفا على برنامج “مع يوسف بلهيسي”، الذي يعرض على منصات جريدة “مدار21″، أنه “لحسن الحظ أن الرقمنة بالمغرب تسير بوتيرة بطيئة، ولا نتقدم بالوتيرة المرغوبة، ولك أن تتصور مثلا لو كنا وصلنا لرقمنة الملفات الطبية بنسبة 100 في المئة ثم جرى اختراقها، ستحدث كارثة”.
وتعد الملفات الطبية القلبَ النابض لورش الحماية الاجتماعية، الذي يعد بدوره واحداً من أهم البرامج الحكومية التي عرفها المغرب خلال السنوات الماضية، كما تحتوي هذه الملفات على معلومات حساسة بشأن المغاربة، من قبيل زمرة الدم وأنواع الأمراض المنتشرة في صفوفهم، ولذلك يحذر الخبراء الدوليون خصوصاً من تسريب المعطيات الشخصية ذات الطابع الصحي نظراً لخطورة استخداماتها إذا وقعت في أيدٍ غير أمينة.
ولا أدل على ذلك، وفقا لمزوز، مما حدث منذ بضعة سنوات بالمملكة المتحدة، حين تمت قرصنة الملفات الطبية للمرضى ما اضطر الحكومة البريطانية لأداء الفدية المطلوبة من طرف القراصنة لا لشيء إلا بغية استرجاع الملفات المقرصنة.
وفي سياق متصل، انتقد الخبير التواصل العمومي بشأن ما حدث، في جواب عن سؤال حول مدى تأثير هذا الهجوم السيبراني على ثقة المستثمرين، الذين يعول المغرب كثيراً على جذبهم نحو المملكة للاضطلاع بجزء من الأوراش الوطنية الكبرى، علاوة على المواطنين المدعوين سنة بعد أخرى إلى الإقبال على خدمات مرقمنة بدل الوسائل التقليدية.
وقال إن تواصل المسؤولين ينبغي أن يتسم بالمزيد من الفعالية والشفافية حول ما جرى وبالأخص حول التدابير المزمع اعتمادها من أجل تصحيح الأعطاب ورد الثقة للمستهلكين.
وفي ما يخص الترسانة القانونية، يعد المغرب من الدول السباقة لإرساء قوانين لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي بقانون منذ سنة 2009، وكذا في نظم أمن المعلومات اعتباراً من 2014.
وتم وفقا لمزوز إرساء قانون الأمن السيبراني في الوقت المناسب، أي في سنة 2020 بعد تفشي وباء “كورونا”، وما صاحب ذلك من تنام في أهمية الخدمات الرقمية، والذي تم تحيينه لمواكبة التطور التكنولوجي المتسارع وأعطيت للمؤسسات العمومية مهلة 6 أشهر للالتزام بما جاء به التحيين.