الخط :
A-
A+
مرة أخرى، يحاول النظام العسكري الجزائري استعراض عضلاته الدبلوماسية، وهذه المرة عبر تعليق العلاقات القنصلية مع ثلاث محافظات فرنسية—نيس، مرسيليا، ومونبلييه—بحجة الرد على حملات ترحيل المهاجرين الجزائريين غير النظاميين. لكن خلف هذا القرار الذي يبدو تصعيديًا، يختبئ واقع آخر: نظام يطلق التهديدات بلا قدرة على تنفيذها، ويواصل ارتجاليته في إدارة الأزمات الخارجية، فيما يزداد عجزه داخليًا عن تقديم حلول حقيقية لمواطنيه.
وبحسب تقارير إعلامية فرنسية، فإن القنصليات الجزائرية الثلاث أوقفت كل أشكال التعاون القنصلي، مما يعني تعليق جميع الإجراءات المتعلقة بالمساجين والمحتجزين الجزائريين، ورفض إصدار أي تصاريح قنصلية لهم. لكن من المستفيد من هذا القرار؟ بالتأكيد ليس فرنسا، بل المهاجرون الجزائريون الذين أصبحوا عالقين بين بيروقراطية بلادهم وتضييق السلطات الفرنسية، وكأن النظام الجزائري يُعاقبهم بدلًا من الدفاع عنهم.
النظام العسكري وازدواجية الخطاب
لطالما لوّح النظام العسكري الجزائري بالتصعيد ضد فرنسا في ملف المهاجرين، لكنه يثبت في كل مرة أنه لا يملك سوى الشعارات الجوفاء. فمنذ أزمة التأشيرات في 2021، وهو يحاول الظهور بمظهر القادر على فرض كلمته، لكن الواقع يقول العكس، فرنسا تواصل سياساتها، وترحل من تشاء، بينما النظام الجزائري يكتفي بردود فعل شكلية لا تغير شيئًا على الأرض.
الجزائر ترفض استقبال مواطنيها: عجز أم مناورة؟
ووفق محطة “أوروبا 1”، رفضت الجزائر استقبال 23 مهاجرًا جزائريًا صدر بحقهم قرار بالإبعاد منذ حادثة رفض دخول المواطن بوعلام نعمان، المعروف بـ”دوالمن”، في يناير الماضي. هذا الرفض قد يبدو ظاهريًا موقفًا حازمًا، لكنه في جوهره مجرد تكتيك لتأخير الترحيل، وليس منع فرنسا من تنفيذ سياساتها. فماذا فعل النظام العسكري لحماية هؤلاء المهاجرين غير النظاميين؟ لا شيء سوى تركهم في حالة تيه قانوني، بين بلد يرفض استقبالهم وآخر يصر على طردهم.
النظام الجزائري.. عندما يصبح النظام أكبر عائق أمام مواطنيه.. من الفشل الداخلي إلى العجز الخارجي
الواقع أن هذا القرار ليس سوى محاولة فاشلة لصرف الأنظار عن أزمات الداخل، حيث يواجه النظام احتجاجات شعبية صامتة بسبب التدهور الاقتصادي والقمع السياسي. فبدلًا من إيجاد حلول تنموية تمنع شباب الجزائر من الهروب إلى أوروبا، يفضل النظام العسكري الدخول في معارك وهمية مع باريس، كأنه يريد أن يوهم الجزائريين بأنه يدافع عن كرامتهم، بينما الحقيقة أن سياساته هي التي دفعتهم إلى ركوب قوارب الموت بحثًا عن حياة أفضل.
يثبت النظام الجزائري مرة أخرى أن مشكلته ليست مع فرنسا فقط، بل مع نفسه أولًا. فهو نظام يُطلق التهديدات لكنه لا يمتلك النفوذ الكافي لفرض إرادته، يُصعّد دبلوماسيًا لكنه يفتقر إلى الأدوات الحقيقية للضغط، ويدّعي الدفاع عن مواطنيه بينما هو أول من يتخلى عنهم. فإلى متى سيستمر هذا العجز المقنع بالشعارات؟
اعتراف باريس بمغربية الصحراء وصرخات الجزائر الفارغة
ويشار إلى أن شطحات النظام العسكري الجزائري تضاعدت ضد فرنسا، منذ أن وجهت له هذه الأخيرة صفعة قوية بإعلانها الرسمي اعترافها بمغربية الصحراء ودعمها لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدمت به الرباط كحل نهائي للنزاع. هذا الموقف الفرنسي الجديد جاء ليؤكد عزلة الجزائر المتزايدة في هذا الملف، بعدما فقدت آخر أوراقها أمام الإجماع الدولي المتنامي لصالح المغرب.
وكما كان متوقعا، لم يتأخر النظام الجزائري في رد فعله الغاضب، فلجأ إلى تصعيد مفتعل ضد فرنسا، مستخدمًا خطابًا متشنجًا وتهديدات بلا وزن، في محاولة يائسة للظهور بموقف القوي. لكن الحقيقة أن الجزائر لا تملك سوى البيانات الغاضبة والمناورات الفاشلة، بينما تتحرك الدبلوماسية المغربية بثبات نحو تحقيق انتصارات جديدة على الساحة الدولية.
اليوم، لم يعد بإمكان الجزائر إنكار الحقيقة، والتي تؤكد أن مشروعها الانفصالي يتهاوى، وحلفاؤها يتراجعون واحدًا تلو الآخر، بينما يترسخ الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء، مما يجعل رهانات النظام العسكري مجرد أوهام تتلاشى مع مرور الوقت.