وجّه حزب الأصالة والمعاصرة انتقادات ضمنية للحكومة التي يشارك فيها، داعياً إلى تشديد إجراءات مراقبة الأسعار وإلغاء بعض الإعفاءات الجمركية والضريبية التي أقرتها الحكومة ذاتها لخفض أسعار اللحوم.
هذه المواقف التي جاءت في بيان صادر عن مكتبه السياسي، الأربعاء 12 مارس 2025، تعكس ديناميكية سياسية داخل الأغلبية، حيث يبدو “البام” أقرب إلى خطاب المعارضة منه إلى شريك في السلطة.
بين الأزمة الاقتصادية وضغوط رمضان
تأتي هذه الدعوة في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، خاصة مع حلول شهر رمضان، حيث يزداد الطلب على المواد الاستهلاكية، مما يؤدي إلى تفاقم أزمة الأسعار. وبينما حمّل الحزب الوسطاء مسؤولية المضاربات، فإنه لم يتردد في تحميل الحكومة جزءًا من المسؤولية، مطالبًا بمراجعة السياسات الضريبية والجمركية الخاصة باستيراد اللحوم، بعدما ثبت – وفق رؤيته – أن هذه الإجراءات لم تحقق النتائج المرجوة. هذا الطرح يطرح تساؤلات حول موقف “البام” داخل الحكومة: هل يسعى إلى تصحيح المسار من الداخل، أم أنه تموضع سياسي محسوب استعدادًا للاستحقاقات الانتخابية المقبلة؟
انفراج دبلوماسي وتحركات على الساحة الدولية
لم يقتصر بيان الحزب على القضايا الاقتصادية، بل تطرق إلى العلاقات المغربية-الفرنسية، معبرًا عن ارتياحه لموقف باريس المتجدد بشأن قضية الصحراء المغربية. وأشاد الحزب بزيارة رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي للأقاليم الجنوبية، معتبرًا أنها “تتويج لمسار التقارب السياسي بين البلدين”، خاصة بعد فترة من التوتر الصامت.
كما أشار الحزب إلى الدور الذي لعبه وزير الثقافة، محمد المهدي بنسعيد، أحد قياديي “البام”، في تعزيز العلاقات الثنائية، من خلال استضافة نظيرته الفرنسية في زيارة للصحراء. هذه الإشارة تعكس رغبة الحزب في التأكيد على حضوره في الدبلوماسية الموازية، مستثمرًا موقعه الحكومي لتعزيز نفوذه السياسي.
حقوق الإنسان والحريات: خطاب حذر في سياق متوتر
على صعيد الديمقراطية وحقوق الإنسان، شدد الحزب على ضرورة الحفاظ على المكتسبات الديمقراطية وصون حرية التعبير، لكنه لم يقدّم مواقف واضحة بشأن القضايا الحقوقية التي تثير الجدل حاليًا. وبينما حمّل الأغلبية الحكومية مسؤولية حماية الحريات، فإنه تجنب الدخول في تفاصيل القضايا المثيرة للجدل، مكتفيًا بدعوة المؤسسات إلى احترام مبادئ الديمقراطية.
التشغيل: بين الحلول المؤقتة والرؤية الشاملة
ناقش الحزب أيضًا خطة الحكومة لضخ 15 مليار درهم لمواجهة البطالة، مشيدًا بالمبادرة، لكنه أكد أن حل الأزمة لا يكمن فقط في ضخ الأموال، بل يتطلب “مقاربة وطنية شاملة” تشرك مختلف الفاعلين المحليين. هذا الموقف يعكس وعيًا بأهمية معالجة جذور البطالة بدل الاكتفاء بالحلول المؤقتة، لكنه يضع الحكومة أمام تحدٍ جديد: كيفية تحويل هذه الخطط إلى سياسات فعلية على أرض الواقع.
جيل 2030: محاولة لكسب الشباب؟
داخليًا، ثمّن الحزب مبادرة “جيل 2030″، التي تهدف إلى تعزيز الحوار مع الشباب وإشراكهم في صياغة رؤى الحزب المستقبلية. هذه الخطوة قد تكون محاولة لتجاوز الصورة النمطية عن الأحزاب التقليدية، التي غالبًا ما تُتهم بعدم القدرة على جذب الشباب والاستجابة لتطلعاتهم السياسية.
القضية الفلسطينية: موقف ثابت ودعم إنساني
على المستوى الدولي، أكد الحزب دعمه لاستمرار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، داعيًا إلى وقف الهجمات الإسرائيلية على المدنيين في الضفة الغربية، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية. كما أشاد بجهود الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، مشيرًا إلى أهمية المشاريع الإنسانية المغربية لدعم المقدسيين.
في المجمل، يعكس موقف الأصالة والمعاصرة توازناً دقيقًا بين الالتزام الحكومي والمساءلة الداخلية، حيث يسعى الحزب إلى تقديم نفسه كفاعل مسؤول داخل الأغلبية، لكنه في الوقت نفسه يحاول كسب قاعدة شعبية أوسع عبر تبني مواقف نقدية تجاه بعض السياسات الحكومية. فهل هي استراتيجية لمراجعة المسار من الداخل، أم تمهيد لإعادة تموقع سياسي استعدادًا للمستقبل؟