أكد بوبكر سبيك، الناطق الرسمي باسم المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، المراقب العام، أن “الأمن والترجمة استفادا من التطور الرقمي ومن تكنولوجيا المعلومات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، سواء من خلال القدرة على المعالجة الكمية والفورية لعدد كبير من النصوص والمعلومات، أو من خلال التطبيقات المرتبطة بتحليل المحتويات الضخمة بشكل سريع وشامل”.
وحذر سبيك، في كلمة ألقاها نيابة عن عبد اللطيف حموشي المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني، خلال مشاركته في الندوة الدولية التي نظمتها منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، اليوم الأربعاء بالرباط، تحت عنوان “الترجمة والأمن: دور الترجمة في تعزيز الأمن الوطني والدولي”، من أن الاستفادة “تختزل في ثناياها تحديات كبيرة، وتطرح صعوبات معقدة”، موضحا أن “دراسة حديثة أجرتها مجلة Forbes أكدت بأن 44 في المائة من الشركات العالمية تخطط لاستخدام الذكاء الاصطناعي لكتابة المحتوى بلغات أخرى”، ما يعني أن “الذكاء الاصطناعي أصبح ينافس الخبرة البشرية في هذا الميدان”.
وتابع قائلا: “هذه المنافسة لا ترتبط نهائيا بعنصر الجودة، وإنما هي ناجمة أساسا عن قيود في الميزانيات، لأن الترجمة الآلية لا تحتاج لاعتمادات مالية كبيرة، كما أنها لا تتطلب وقتا طويلا حتى في النصوص والمحتويات الضخمة”.
وشدد على أنه “بالرغم من كل ميزات الجذب التي قد يوفرها الذكاء الاصطناعي، إلا أن الإشراف البشري على الترجمة يبقى ضروريا وإلزاميا، خصوصا في المجالات الدقيقة مثل المحتويات القانونية والطبية والأمنية وغيرها”.
وزاد منبها: “ترجمة محاضر أمنية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، في طلبات الشكايات الرسمية الموجهة لأجهزة قضائية في دول أجنبية، قد يفضي لتباينات خطيرة في المحتوى”، وهو ما قد يرتب “الإدانة لشخص بريء أو البراءة لشخص مجرم، وذلك بسبب أخطاء قد تتسرب لترجمة محاضر المعاينات أو إفادات الشهود وأقوال المتهمين”.
وأشار إلى أن “الترجمة غير السليمة لبعض المفاهيم القانونية قد تتسبب في ترتيب آثار عكسية، مثلا خلال الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان، أو عند التفاعل مع الآليات الخاصة للأمم المتحدة”، موضحا أن “الخلط العرضي الذي قد يحصل في ترجمة مفهوم ‘سرية الجلسات’ الذي تفرضه حماية الأمن والأخلاق، وعبارة ‘سرية المحاكمات’، قد يفضي إلى إصدار توصيات ومقررات لا تخدم مصالح الدول”.
وخلص سبيك إلى التأكيد على أن “الخبرة البشرية تبقى ضرورية وحتمية للإشراف وتنقيح الترجمات الآلية التي تفرضها الطفرة الرقمية المعاصرة، خصوصا في المجالات الأكثر دقة وخصوصية، بما فيها المجال الأمني والقانوني”.
التراجمة والتعاون الأمني الدولي
الناطق الرسمي باسم المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، المراقب العام ، توقف أيضا ضمن كلمته عند دور التراجمة في تسهيل آليات التعاون الأمني الدولي، مبرزا أن “العالم مفتوح، يتميز بالحركية المضطردة للأشخاص عبر الحدود الوطنية، ويتسم بترابط وامتداد الكيانات الإجرامية”، وهو ما يفرض “خلق جبهات أمنية مشتركة، قادرة على احتواء ومواكبة الامتدادات الدولية للتهديدات الإجرامية، وضمان تبادل المعلومات الأمنية والاستخباراتية الكفيلة بإجهاضها وتحييد مخاطرها بشكل سريع وآمن”.
وأكد أنه “لن يتأتى ذلك بدون الاستعانة بالتراجمة، الذين يعملون جنبا إلى جنب مع الضباط الميدانيين والمحللين الأمنيين، ويسهرون على تأمين ترجمة المعلومات الاستخباراتية والأمنية المطلوبة إلى اللغات المتداولة في الدولة الشريكة ضمن آليات التعاون الأمني الدولي”.
وأوضح أن أهمية دور التراجمة تشمل أيضا “جميع إجراءات وتدابير التعاون القضائي الدولي، بما فيها إجراءات تسليم المجرمين، وتعميم الأوامر الدولية بإلقاء القبض بشأن الأشخاص المبحوث عنهم على الصعيد الدولي، وتنفيذ الإنابات القضائية الدولية، وإرسال ملفات الشكايات الرسمية بشأن المواطنين الذين يتعذر تسليمهم، وكذلك العمليات والتحقيقات المشتركة”، مشيرا إلى أن “جميع هذه التدابير تحتاج إلى تدخل التراجمة لتيسير العمل وتسهيل عمليات التنفيذ”.
وحذر من اعتبار الترجمة “مسألة تقنية عادية”، مشددا على أنها “عملية بالغة الدقة وفي منتهى الأهمية”، موضحا أن “المعلومات المتبادلة في إطار التعاون الأمني والقضائي الدوليين، تنهل من معجم خاص، وتترتب عنها مسؤوليات قانونية مهمة”.
وذكر سبيك أن “مصطلحات من قبيل التسليم والترحيل والطرد والإبعاد والاقتياد إلى الحدود، كلها ترتب آثارا مادية متشابهة، لكنها تختلف من حيث التقعيد القانوني والمدلول الاصطلاحي”، مشددا على أن “الترجمة يجب أن تساير الاختلافات والتباينات المفاهيمية في هذه التدابير القانونية، لئلا يتسبب ذلك في إبطال وبطلان إجراءات التعاون الأمني”.
وبعدما أكد أن “الترجمان ينهض بدور مهم في ترجمة الضمانات التي تقدمها الدول ضمن طلبات تسليم واسترداد المجرمين الهاربين من العدالة”، حذر سبيك من أن “انتفاء الدقة في الترجمة قد يفضي لرفض طلبات تسليم الأشخاص المطلوبين في مساطر تسليم المجرمين”.
الترجمان.. ركيزة أساسية للمحاكمة العادلة
وأكد سبيك أن “العديد من المقتضيات القانونية الإجرائية ترتقي بالترجمان إلى منزلة الركيزة الأساسية للمحاكمة العادلة، وتسدل عليه صفة الضمانة القانونية اللازمة لصحة بعض الإجراءات المسطرية”، مبرزا أن “المواد 47 و66 و73 و74 و112 و120 من قانون المسطرة الجنائية تفرض، بصيغة الإلزام، الاستعانة بالتراجمة في العديد من الإجراءات القانونية، بما فيها استنطاق المشتبه فيهم والمتهمين، أو عند تبليغهم دواعي اعتقالهم بالطريقة واللغة التي يفهمونها، أو لتفريغ ونقل المراسلات والاتصالات الملتقطة عن بعد التي تتم بلغة أجنبية”.
وأضاف أن “المشرع المغربي، وتحديدا في المادة 318 من قانون المسطرة الجنائية، رتب البطلان كجزاء للإخلال بضمانة الترجمان، خصوصا في الحالات التي يكون فيها المتهم يتكلم لغة أو لهجة أو لسانا يصعب فهمه، أو إذا اقتضت الضرورة ترجمة مستند أدلي به للمناقشة أمام المحكمة”.
وسجل أن “في الممارسة العملية، قد يتأثر المركز القانوني للمتهم في الحالات التي يتعذر عليه فيها الفهم الدقيق لأسئلة الباحثين، أو يصعب عليه إيصال وتبليغ أجوبته بشكل دقيق لضباط الشرطة القضائية”، مشيرا إلى أن “الترجمان يوجد في وضعية تماس وتقاطع دقيق بين حريات الأشخاص من جهة، وإملاءات القانون وحفظ الأمن من جهة ثانية”.
وأبرز أن التراجمة “يضطلعون بدور محوري في صون وتدعيم ضمانات الأشخاص الموجودين في وضعية خلاف مع القانون، الذين لا يتقنون اللغة العربية”، كما ينهضون، في المقابل، “بدور محوري في استجلاء حقيقة الجرائم وضمان عدم الإفلات من العقاب، عبر مساعدة منتسبي الأمن في الترجمة الدقيقة للإجراءات المرتبطة بمهامهم الضبطية”.
وأوضح سبيك أن أهمية الترجمة تمتد أيضا إلى “الأشخاص في وضعية صعبة، خصوصا المهاجرين غير الشرعيين من جنسيات أجنبية، الذين يكونون ضحايا جرائم الاتجار بالبشر”، مشيرا إلى أن “الاستعانة بالتراجمة في تحصيل إفادات هؤلاء الضحايا، يساعد في ولوجهم بداية لمسطرة التكفل الطبي والنفسي، ويساعد بالمقابل في تفكيك الشبكات الإجرامية التي تنشط في تهريب الأشخاص والاتجار بالبشر عبر الحدود الوطنية للدول”.
واعتبر أن “هذه المفارقة الدقيقة ليست بالسهولة التي قد يتصورها البعض، لأنها تلقي أعباء وأوزارا أخلاقية ومهنية وقانونية كبيرة على المترجم، بالنظر إلى أن حريات الأشخاص وأمن المجتمع يرتبطان في كثير من الحالات العملية بما ينتجه من مجهود فكري ولغوي”.