في الوقت الذي ترتفع فيه نسب الاستماع لأغاني “الراب” والموجات الموسيقية الجديدة في صفوف الشباب المغربي، يثير المحتوى المتداول في بعضها نقاشًا واسعًا حول القيم والهوية والحرية، بين من يعتبر هذه الموجة تعبيرًا صريحًا عن فئة اجتماعية شابة، ومن يرى فيها انزلاقًا خطيرًا نحو الانحطاط والانهيار القيمي.
هذا النقاش تفجر أساسا بعد المرور المثير للجدل الذي بصم عليه مغني “الراب” المغربي طه فحصي الملقب بـ”طوطو” خلال النسخة الأخيرة من مهرجان “موازين”، بعدما نجح في استقطاب آلاف الشباب إلى منصة “السويسي”، الأمر الذي أكد على انتشار واسع لهذا النوع الموسيقي ولما يعكسه من ثقافة وتمثلات.
“الرابور” المغربي الشاب، أصبح صوتًا مسموعًا ووجهاً بارزًا في المشهد الفني، حيث لاقت أغانيه رواجًا واسعًا بين الشباب، غير أن مضامينها التي تحتوي أحيانًا على كلمات جريئة ومواضيع مثيرة، إضافة إلى بروفايل الفنان، تثير لغطاً كبيرا حول التأثير على منظومة القيم في المجتمع المغربي، خاصة وسط الفئات الشابة.
في هذا السياق، يقول الباحث السوسيولوجي عبد الجبار شكري، في تصريح لجريدة “مدار 21″، أن المغرب بدأ يخترقه نظام انحطاط اخلاقي، والذي يتجلى أساسا في استعمل أغاني فيها كلمات منحطة ومبتذلة وسوقية تمس بنظام القيم في المجتمع المغربي”، لافتا إلى أن هذه الأغاني تلقى “استماعا كبيرا من طرف الشباب المغاربة، ورواجا عند من يشبهها، أي أنها تلتقي مع نفس الجمهور الذي لديه انحطاط أخلاقي”.
وفي تفسيره لسبب انجذاب فئة واسعة من الشباب لهذا النوع من الأغاني، أبرز المتحدث نفسه أن “الجواب بسيط ومعقد في الآن ذاته، فهؤلاء الشباب يعيشون في مجتمع يشعرهم بالقمع، سياسيًا واجتماعيًا ونفسيًا، فيلجؤون إلى هذه الأغاني كوسيلة للتنفيس، للشعور بالحرية، ولإثبات الذات. الكلمات القوية، اللحن الصاخب، والخطاب المستفز كلها أدوات تجعل الشاب يشعر أنه حاضر، أنه يصرخ بطريقته، حتى لو كانت تلك الصرخة تُهدد الذوق العام”.
غير أن المفارقة الكبرى، حسب شكري، تكمن في أن “هذا الفن يعيش تناقضًا داخليًا واضحًا، فالفن في أصله رسالة تهذيب للذوق والنفس، يُفترض أن يسمو بالوعي، لا أن ينزلق به إلى قاع الابتذال. لكن، ما نراه الآن هو العكس تمامًا. نعيش فنًّا يُروّج لانفلات قيمي، تحت شعار الحرية”.
ويضيف السوسيولوجي عينه “حين يُصاب جزء من المجتمع بخلل قيمي، فإن العدوى سرعان ما تنتقل إلى باقي الأجزاء، فنجد أنفسنا اليوم أمام تصورات وسلوكيات منحرفة في مجالات مثل السياسة، القضاء، والوظيفة العمومية… وهذا الفن لا ينفصل عن هذا الواقع، بل هو مرآته المقلوبة”.
ولفت المتحدث إلى ضرورة “وضع ضوابط أخلاقية ومهنية في التعامل مع المحتوى الفني، خاصة حين يُقدَّم على منصات ذات صدى عالمي مثل مهرجان “موازين”. فهذا الأخير لم يعد مجرد حدث موسيقي عابر، بل تحوّل إلى واجهة ثقافية تعكس صورة المغرب أمام العالم”.
وتابع في السياق ذاته “عندما يُستدعى فنان معروف بأغانٍ تحتوي على كلمات خادشة، أو بمضامين تحرّض على العنف، أو تحطّ من كرامة المرأة، أو تمسّ بالقيم الاجتماعية والدينية، فإن الرسالة التي يتلقاها الجمهور داخليًا وخارجيًا هي أن هذا هو “الوجه الثقافي للمغرب”. وهنا تبرز مسؤولية الدولة في الموازنة بين الانفتاح الفني وضرورة احترام الخصوصية الثقافية والقيمية للمجتمع المغربي”.