أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةفن و ثقافةالثقافة في قلب رؤية الملك خلال ربع قرن.. “دسترة” للتعددية وثورة في...

الثقافة في قلب رؤية الملك خلال ربع قرن.. “دسترة” للتعددية وثورة في البنية التحتية ورعاية للفنانين

زينب شكري

يعيش المغرب منذ اعتلاء الملك محمد السادس لمقاليد الحكم عام 1999 تطورا كبيرا في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية أشادت به مؤسسات وطنية ودولية كبرى. ولم يكن المجال الثقافي الفني بعيدا عن هذه التغييرات الإيجابية التي ميزت المملكة في ربع القرن الأخير.

وعرف المشهد الثقافي في المغرب ثورة حقيقية خلال الخمس والعشرين سنة من حكم الملك محمد السادس، وذلك على عدة مستويات أبرزها البنية التحتية وتنظيم المهرجانات الدولية وصون الهوية المغربية بمختلف تعددياتها وحماية التراث.

وقد أولى الملك عناية خاصة بالمجال الثقافي فجعل منه أحد عجلات التنمية التي قادها للنهوض والرقي بالمملكة بسبب اعتباره أن “تقدم المجتمعات لن يتم من غير نهضة فكرية وثقافية متجددة، ولن يتحقق إلا بتوفير بيئة ملائمة لإنتاج المعرفة، وأن تطور تلك البيئة رهين بمدى إسهامها في تنمية العطاء الحضاري”، وذلك حسب ما جاء في رسالة وجهها إلى أعضاء أكاديمية المملكة المغربية عام 2023.

وأظهرت الخطط المرسومة للمجال الثقافي في المغرب أن الملك جعل الثقافة في قلب رؤيته الاستراتيجية للبلاد، حيث أكد في عدة مناسبات على أن “الثقافة ليست فقط تعبيراً عن الإبداع، وإنما هي كذلك مرآة للحضارات، وضرورة أساسية في حياتنا اليومية، فهي غذاء للروح والفكر، وربط الماضي بالحاضر، كما تشكل صلة وصل بين الفرد ومجتمعه”، وفق رسالة وجهها إلى المشاركين في أشغال الدورة الـ17 للجنة الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونيسكو”.

دسترة التعدد الثقافي

من المحطات الثقافية البارزة في عهد الملك محمد السادس، دستور 2011 الذي أعطى اهتماما كبيرا بالثقافة وخصص لها حيزا هاما حيث نص على دسترة التعدد الثقافي المغربي في إطار هويته الوطنية الموحدة وإدراج مكوناتها المتمثلة في الأمازيغية والحسانية والعربية “فالمملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية- الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية”، وفق نص الدستور.

فجاءت بعد ذلك خطوة اعتماد الأمازيغية كلغة رسمية للبلاد وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وما رافقها من إجراءات من أجل تكريس التعددية الثقافية على أرض الواقع.

ومن مظاهر احتلال الثقافة لمكانة مهمة في سياسات الدولة عمل الدستور على تحقيق المساوة بينها وبين الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية لدى المواطنينن إذ جاء في الفصل 19 أن “يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحياة المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية”.

محمد السادس.. رفيق الأزمات 

يُجمع الفنانون المغاربة في التظاهرات التي يشاركون فيها داخل الوطن وخارجه على أن الملك محمد السادس هو الراعي الأول لهم وللفن، وعلى ملامستهم لتغيرات جذرية في المشهد الفني منذ اعتلائه للعرش بسبب نهجه لسياسة القرب منهم والاستماع إلى همومه، إذ يجدونه في أزماتهم الشخصية وفي أوقاتهم الصعبة متفاعلا معهم من خلال تقديم دعمه لهم على كافة الأصعدة منها ما يتعلق بالجانب الاجتماعي والصحي أو المادي لتحسين ظروف العيش.

يحرص “الملك الإنسان” كما أجمعت على تسميته العائلة الفنية على مشاركتهم في أوقات النجاح والأفراح من خلال تقديمه للتهاني، كما في الأحزان عندما ينعي القامات التي خدمت الساحة، أو حينما يسارع لتوجيه تعليماته بالتكفل بعلاج من يعانون من مشاكل صحية في أهم المراكز الصحية بالمغرب أو الخارج على نفقته الخاصة، كما هو حال العشرات منهم أبرزهم، عبد الله فركوس، أحمد عوينتي، المحجوب الراجي، عبد الرؤوف، نادية أيوب وآخرين.

وفي هذا الصدد قال الفنان مصطفى الزعري، في تصريح لـ “العمق” إن الملك محمد السادس علم بإصابته بمرض السرطان من خلال خبر نشر على إحدى الجرائد الورقية قبل سنوات، فأرسل له طبيبه الخاص الذي أجرى له فحوصات طبية وخيره بين العلاج في المغرب أو أوروبا تحت نفقته الخاصة، مشيرا إلى أنه تابع حالته الصحية طيلة رحلة علاجه المكلف من المرض الخبيث.

من جهته كشف مؤسس فرقة “ناس الغيوان” عمر السيد، أن الملك محمد السادس قرر التكفل بمصاريف علاج ابنته بعد علمه بمعانتها من مرض السرطان وصعوبة علاجها بسبب مصاريفه الضخمة.

وقال عمر السيد في تصريح لـ “العمق”، إن الملك محمد السادس إنسان استثنائي يتميز بتواضعه وشعوره بمعاناة البسطاء، مشيرا إلى أنه كلف مستشاره الراحل محمد معتصم بالتواصل معه والتكفل بكافة مراحل علاج ابنته بما فيها تحمل مصاريف الأدوية طيلة فترة استشفائها الطويلة حيث كانت تقدر بحوالي أربع ملايين سنتيم شهريا.

وأكدت الفنانة حياة الإدريسي، في تصريح لـ”العمق”، تصريحات زميلها عمر السيد، لافتة إلى أن الملك محمد السادس تكفل بعلاجها على نفقته الخاصة أيضا بعد إصابتها بالسرطان وكان حريصا على الاطمئنان عليها، إذ وجدت فيه وهو قائد البلاد والرجل الأول فيها تواضعا وإنسانية لم تجدها لدى بعض المسؤولين، وفق تعبيرها.

ومن الجهود التي طبعت فترة حكم الملك محمد السادس نجد حرصه على منح أوسمة ملكية لتكريم المبدعين والمثقفين في الأعياد الوطنية من أجل تجشيعهم على العطاء والإبداع والنهوض بالقطاع، تماشيا مع رؤيته التي تعتبر أن تطور المجتمع على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي لا يمكن أن يتم بعيدا عن تطور المجال الثقافي.

متاحف ومسارح.. ثورة في البنية التحتية

شهدت البنية التحتية في عهد الملك محمد السادس تطورا كبيرا حيث جرى إطلاق العديد من المشاريع الضخمة التي انتهت أشغال بعضها فيما لازال الآخر قيد الإنجاز، وذلك من أجل النهوض بالشأن الثقافي الذي لم يعد معزولا عن المجال التنموي، وإنما أحد روافد التنمية وضمن مخططاتها الكبرى.

ومن بين هذه المشاريع وأحد أهمها المسرح الكبير بالرباط الذي أشرفت على تصميمه المصممة العراقية زها حديد، وجرى تشيده على مساحة 7 هكتار في قلب ضفة نهر أبي رقراق، بمحاذاة معلمتي صومعة حسان وضريح محمد الخامس، ويشتمل على مسرح يتسع لـ 7000 مقعد، وقاعة للعروض تتسع لـ 1900 مقعد.

ويعتبر هذا المسرح كجزء من البرنامج المندمج للتنمية الحضرية لمدينة الرباط 2014 – 2018 “الرباط مدينة الأنوار.. عاصمة المغرب الثقافية”، الذي أعطى انطلاقته الملك محمد السادس في 12 ماي 2014. وهو فضاء متعدد الاستعمالات مخصص لجميع فنون الخشبة: المسرح والرقص والموسيقى والمسرحيات الموسيقية. ويمكن لهذا المركز الثقافي “استقبال تظاهرات وعروض ثقافية وفنية من الحجم الدولي على طول السنة”، حسب المشرفين عليه.

ولم تقتصر  الجهود الملكية حول العاصمة فقط وإنما جرى تشييد مسارح بمعاير دولية في الدار البيضاء، طنجة، أكادير وغيرها إضافة إلى إنشاء قاعات سينمائية جديدة في مختلف مدن المملكة.

وتميزت فترة حكم الملك محمد السادس بإنشاء مجموعة من المتاحف من أجل صون التراث، إذ أصبحت متواجدة في جل المدن أبرزها متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر الذي أشرف الملك على تدشينيه يوم 7 أكتوبر 2014 باعتباره معلمة ثقافية كبرى ستساهم في صيانة وإشعاع الإرث الفني والحضاري للمملكة.

إضافة إلى متحف مراكش الأثري، متحف دار الجامعي بمكناس، متحف البطحاء بفاس، متحف الثقافات التموسطية بطنجة، المتحف البلدي للتراث الأمازيغي بأكادير وغيرها، وذلك بهدف تقريب المغاربة من تراثهم الغني وترسيخه في ذاكرة الأجيال.

وكان لهذه المتاحف التي تبرز الهوية المغربية وتستضيف إبداعات كبار الفنانين العالمين دور كبير في إشعاع المغرب على المستوى العالمي وفوائد اقتصادية، حيث كشفت الاحصائيات بأن المتحف الدولي للسيرة النبوية والحضارة الإسلامية الذي يحتضنه مقر “إيسيسكو” بالرباط زاره أكثر من ثلاثة ملايين شخص منذ افتتاحه في نونبر 2022، كان ضمنهم وزراء ودبلوماسيون من إفريقيا والعالم الإسلامي.

مهرجانات وجوائز عالمية

شرعت المملكة في عهد الملك محمد السادس في تنظيم تظاهرات ثقافية كبرى حولتها إلى قبلة لعشاق الفن والإبداع والثقافة. ومن هذه التظاهرات المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، ومهرجان “موازين إيقاعات العالم” اللذان ينظمان تحت الرعاية الملكية وينافسان أكبر المهرجانات العالمية.

وقد تمكنت هذه المهرجانات بفضل الدعم الممنوح لها من استقطاب فنانين عالميين من القارات السبع جعلوا من المملكة محط اهتمام الصحافة الدولية ومركزا للباحثين عن الترفيه والاستماع بالفن ما أدى إلى تسويق صورة المغرب وتاريخه وقيمه لكافة دول العالم وتحقيق إشعاع دولي.

وتمكن المغرب بفضل العناية التي يوليها الملك محمد السادس لمجال الثقافة من جعل الأخيرة فاعلا مساهما في تطور قطاعات أخرى، حيث اعتبرت منظمة “إيسيسكو” على هامش تظاهرة “الرباط عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي” التي نظمت تحت الرعاية السامية بأن الرباط “مركز إشعاع ثقافي دولي، ووجهة ثقافية وسياحية، تستقطب شرائح واسعة من داخل المملكة وخارجها”.

كما شهد المشهد السينمائي والدرامي تطورا أشاد به أبناؤه، حيث اعتبر الناقد عبد الكريم واكريم أنه “لا يمكن إنكار أن فترة ما سمي بـ”العهد الجديد” الموازية مع بداية حكم الملك محمد السادس قد شهدت بداية نهضة فنية وثقافية في العديد من الميادين”.

وأضاف عبد الكريم واكريم في تصريح لـ”العمق”، أن ” السينما المغربية  على سبيل المثال عرفت في بداية الألفية الثالثة، بفضل دعم الدولة لها نقلة لم تشهدها من قبل من ناحية الكم الذي ارتفع بشكل ملحوظ بداية أواسط العقد الأول من هذه الألفية ليستمر على ذلك المنوال، ولا من حيث الكيف بحيث استطاعت فرض نفسها في أهم المواعيد العالمية ونالت جوائز بها”.

وتابع الناقد الفني، أن عصر الملك محمد السادس شهد ظهور “أجيال من السينمائيات الشابات الموهوبات على الساحة وتحقيقهن أفلاما مهمة، بعد أن كانت السينما المغربية قبل بداية الألفية ذكورية بشكل شبه كلي”، معتبرا أن “دعم الدولة في هذا العهد للثقافة والفن قد عرف قفزة مهمة، في ميادين النشر والكتاب والمسرح والسينما وغيرها من الفنون”، وفق تعبيره.

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة