أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةرآيأمن الدولة أم أمن الفرد!

أمن الدولة أم أمن الفرد!

الأمن من زاوية ما يريده الوطن :
منذ ظهور مفهوم الدولة الحديثة،  بل منذ وجود سلطة ما على تراب معين وتنازل الأفراد عن جزء من حريتهم لصالح العيش المشترك،  كان الأمن بمفهومه في ردع السلوكات المنحرفة و المرفوضة داخل الجماعة أول المفكر فيه بل أحيانا كل المفكر فيه،  لوجود غريزة وشعور فطري لدى الأفراد أن نجاح من بيده سلطة الأمر والنهي في بسط الأمن و الشعور به ولو كان على حساب العدالة .
إلا أنه مع تطور المجتمعات و إبداع العقل البشري لأشكال تنظيمية حديثة و متقدمة كالدولة بمفهوم خدماتي أو المؤسسة أو الجهاز أو الديوان أو الوزارة،  أصبح التفكير ينصب أكثر حول الطرق والوسائل التي يشتغل بها الأمن أكثر من وجوده كمركز ثقل السلطة في حماية المشترك و ضمان استمراريته،  أي التفكير حول التنظيم و الفعالية و العقلنة و الجاهزية …
فتطور الوعي الناتج عن تطور التقنية،  جعل الأفراد يلحون في السؤال عن إشكالية الجدوى من الضرورة في تطبيق سياسة المطرقة الغليظة للأمن،  ما دام أن هنالك جوانب أخرى من شأن تطويرها تحقيق نفس النتيجة و الحفاظ على كينونة و وجودية و استمرارية العيش المشترك من دون الحاجة إلى هدر كمية كبيرة من منسوب الحرية .
وهو المفهوم الذي دافعت عنه النظرية السوسيولوجية في دراسة السلوك الإجرامي،  إذ اعتبرت أن الجريمة ظاهرة اجتماعية،  بفعل ما يُعتمل داخل المجتمع من تناقض للمصالح و القيم،  منتقدة نظريات سابقة ربطت بين السلوك الإجرامي و الفطرة،  فكانت النظرية السوسيولوجية مثل البعبع الفاضح لسطوة كهنوت جماعة الأمن في بعده السلطوي و ليس الخدماتي،  خصوصا وأن هاته الجماعة راكمت ثروات مادية بفعل مصالح اقتصادية تسعى إلى الحفاظ عليها بزرع إيديولوجية الضرورة الأمنية دونها عن باقي البراديغمات المساعدة في تحليل بنية المجتمع ومن تم التفكير في الحلول الملائمة .
بعده ظهور الفكر السوسيولوجي،  بدأ الأفراد ينادون بضرورة التخفيف من سياسة المطرقة الغليظة في الأمن، لأن نشر الخوف و الرعب لم ينتج إلا الأعطاب النفسية الكابحة للإبداع و التقدم،  الذي يحتاج إلى تحرير الفرد من قيود أيديولوجية التسلط .
فإنسان بتعليم راق وصحة جيدة،  يساهم في تنمية ذاته الفردية و الجمعية،  كما أن التوزيع العادل للثروة و المساواة وتكافؤ الفرص للجميع من دون تمييز،  يعزز و يقوي من الشعور بالانتماء،  لذلك فإن بعض النظريات الحديثة انتقدت مفهوم الأمن كشعور غريزي،  رابطة إياه بما هو خدماتي مثله مثل قطاعات أخرى كالإقتصاد،  رامية هاته النظريات إلى ما يريده الوطن كمفهوم للذات الجمعية وليس الفردية،  مسندة أطروحتها بإعطاء أمثلة حول أفكار يروجها الفرد الذي يعتبر نفسه ضحية داخل المجتمع،  من قبيل أن وطن الفرد حيث يوجد رزقه،  أو من يضمن كرامته،  فبات من السهل التخلي عن رابطة التراب أو الدم أو التاريخ أو المصير المشترك للإلتصاق بهوية الوطن،  مما جعل من عوامل أخرى بفعل التطور الإعلامي معيارا ومحددا للشعور بالإنتماء،  هذا الشعور هو الضامن الوحيد للأمن في مفهومه الوجودي وليس فقط المسطري و الإداري .
لذلك حسب تلك النظرية فإن الماسكين بزمام الثروة و حفاظا على مصالحهم،  يستغلون رياضة أفيون الشعوب لإيقاظ الشعور بالانتماء،  عوض البحث عن الأسباب الحقيقية،  التي تربطها النظرية بالاقتصاد و الكرامة و المساواة في التمتع بثروات الوطن،  لأن الاستحواذ التاريخي لمجموعة الأمن في أي مجتمع على الثروة و السيطرة على وسائل الإنتاج و القمع الإيديولوجي عبر المدرسة،  يجعل من حبات العقد المشكلة للعقد الإجتماعي تنفلت حبة تلو الأخرى،  مما يسرع و يؤدي إلى تفكك الجماعة،  ما دامت الأغلبية غير مهتمة لعدم امتلاكها ما تخاف عليه،  وعدم انتباه الأقلية لتطور المجتمع .
وبلادنا شأنها في ذلك شأن باقي البلدان،  فإن مجموعة الأمن التي أصبحت مجموعات وكارتيلات اقتصادية مرتبطة المصالح مع بعضها البعض،  وحفاظا على مصالحها فإنها عند أية هبة تغيير تلجأ إلى الإستعمال المفرط لرمزية المؤسسة الضامنة لأسس و وجودية العيش المشترك و استمراريته،  غير آبهة بخطورة قتل مؤسسات المجتمع الوسيطية،  محاولة زعزعة أسس الهوية المغربية الممتدة في التاريخ و الجغرافيا المشكلة و المبنية على تحالف رأس الهرم بقاعدته،  وهو ما يجعل الأب يبعث برسائل الطمانة بين الفينة و الأخرى إلى كافة أبنائه ، كلما شعر بالحاجة التذكير من أن لوبي الأمن و ارتباطاته الإقتصادية،  لم يتمكن من تلطيخ رابطة الحب المؤسسة للأسرة المغربية كأمة،  فنجد دائما الخطابات الملكية السامية تبدأ بشعبي العزيز،  فأكدت المؤسسة في خطاب سامي من خير خلف < إن المغرب ملك لجميع المغاربة وهو بيتنا المشترك،  يتسع لكل أبنائه ويتمتع فيه الجميع دون استثناء أو تمييز بنفس الحقوق ونفس الواجبات،  في ظل الحرية و الكرامة الإنسانية > انتهى كلام جلالة الملك،  هي رسالة طمأنة واضحة و مؤكدة على متانة رابطة البيعة أو العقد الاجتماعي،  ما بين العرش كمؤسسة متجددة و مواطِنة و ما بين الشعب السند الوحيد و الدائم للمؤسسة،  كهوية ضامنة و جامعة و محققة للعيش المشترك و ضمان استمراريته في فهم عميق لما يريده الوطن . 

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة