أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةرآيالتشغيل المؤقت بين الحاجة الاقتصادية وانعدام الاستقرار الاجتماعي

التشغيل المؤقت بين الحاجة الاقتصادية وانعدام الاستقرار الاجتماعي

الأحداث وسيلة جلال باحثة بسلك الدكتوراه في القانون الاجتماعي
شهد سوق الشغل المغربي خلال العقود الأخيرة توسعا كبيرا في ظاهرة التشغيل المؤقت، حيث أصبحت العديد من المقاولات تعتمد بشكل متزايد على العمالة المؤقتة لتلبية احتياجاتها التشغيلية المتغيرة. هذا التحول يعكس إلى حد بعيد التكيف الضروري مع الظروف الاقتصادية المتقلبة، ويتيح للمقاولات المرونة المطلوبة للاستجابة بسرعة لتغيرات السوق. ومع ذلك، يثير هذا النمط من التشغيل تساؤلات جدية حول أثره على الأجراء الذين يجدون أنفسهم في وضعية مهنية هشة تفتقر إلى الاستقرار.
التشغيل المؤقت، في سياق الاقتصاد المغربي، أضحى خيارا استراتيجيا تعتمده الشركات للتخفيف من الأعباء المرتبطة بالتوظيف الدائم، فالشركات تستفيد من تخفيض التكاليف على المدى القصير، وتفادي الالتزامات طويلة الأمد التي قد تعوق مرونتها التشغيلية. إلا أن المكاسب الاقتصادية تأتي في كثير من الأحيان على حساب الأجراء الذين يعيشون حالة من عدم الاستقرار بسبب عقودهم المؤقتة التي لا توفر لهم الحماية الاجتماعية الكاملة أو الضمانات المهنية اللازمة.
إن الأجراء المؤقتون، في الغالب، محرومون من العديد من الحقوق التي يتمتع بها نظرائهم الذين يحملون عقودا دائمة، فهم يعيشون في حالة من الترقب الدائم، حيث تتسم مساراتهم المهنية بعدم اليقين، مما يضعهم في وضعية اجتماعية ونفسية هشة. هذا الوضع لا يقتصر فقط على الأمان الوظيفي، بل يمتد إلى الجوانب الشخصية حيث يصبح التخطيط للمستقبل أمرا بالغ الصعوبة في ظل غياب الاستقرار المهني.
وعلى الرغم من أن مدونة الشغل المغربية تتضمن بنودا تنظم عقود التشغيل المؤقت وتحدد شروطها، إلا أن التطبيق الفعلي لهذه النصوص يواجه تحديات كبيرة، فالكثير من الشركات تجد طرقا للتحايل على القانون، ما يجعل الأجراء المؤقتين عرضة للاستغلال دون الحصول على الحقوق التي يكفلها لهم القانون. كما أن الرقابة على احترام هذه التشريعات تبقى محدودة في كثير من الأحيان، مما يزيد من تعقيد الوضع ويؤدي ذلك إلى تفاقم معاناة هذه الفئة من العمال.
إزاء هذا الواقع، تبرز الحاجة الملحة إلى إعادة النظر في الإطار القانوني بهدف تعزيز حماية الأجراء المؤقتين وضمان حقوقهم الاجتماعية والمهنية، حيث يجب أن تتسم التشريعات الوطنية بتوازن دقيق بين توفير مرونة ضرورية للشركات من جهة، وضمان حقوق الأجراء من جهة أخرى، بشكل لا يتحول معه التشغيل المؤقت إلى أداة لاستغلال العمال، بل يكون وسيلة لخلق فرص عمل متوافقة مع متطلبات الاقتصاد الوطني دون المساس باستقرار الأجراء.
إن تعزيز الحماية الاجتماعية للأجراء المؤقتين أصبح ضرورة لا تحتمل التأخير، كما يتعين العمل على إرساء آليات شاملة تضمن توفير التأمين الصحي، ونظام تقاعدي، بالإضافة إلى تأمين حقوقهم العمالية الأساسية حتى في ظل عقود مؤقتة، وكل هذه التدابير ستمكن دون شك من تحقيق توازن أكثر عدالة بين متطلبات المقاولات وحقوق الأجراء، مما سيعزز استقرار سوق العمل بشكل مستدام.
في الختام، يمثل التشغيل المؤقت في المغرب معضلة مزدوجة، فهو يمنح المقاولات القدرة على التكيف مع تقلبات السوق، وفي نفس الوقت يفاقم من عدم استقرار شريحة كبيرة من الأجراء الذين يعانون من وضع مهني واجتماعي هش. لذلك، بات من الضروري أن تبادر الجهات المعنية إلى مراجعة القوانين المنظمة لهذا النمط من التشغيل، بهدف تعزيز العدالة الاجتماعية وضمان استمرارية النمو الاقتصادي.

Tags :التشغيلهيئة التحرير4 أكتوبر، 2024

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة