أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةدوليهكذا وضع "طوفان الأقصى" الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في مهب الريح

هكذا وضع “طوفان الأقصى” الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في مهب الريح


هسبريس من الرباط

كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال أن المخطط الأمريكي بعد هدوء القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف بـ”داعش”، كان يهدف إلى تقليص الوجود العسكري في الشرق الأوسط مع تحويل التركيز إلى التهديدات الكبرى التي اعتبرها البنتاغون قادمة من الصين وروسيا. وفقًا لهذه الخطة التي استعرضتها الصحيفة الأمريكية، كان من المفترض أن يقتصر الحضور العسكري الأمريكي في المنطقة على عدد محدود من السفن وبعض أسراب الطائرات، بالإضافة إلى بضعة آلاف من الجنود في العراق وسوريا.

لم تكن هناك نية لتمركز حاملات الطائرات القتالية بشكل دائم، بل كانت الولايات المتحدة تخطط للاعتماد على الطائرات البحرية والجوية المسيرة لجمع المعلومات الاستخباراتية. علاوة على ذلك، كان الهدف تعزيز التعاون الأمني بين إسرائيل والدول العربية لمواجهة التهديدات الإيرانية، مع الاعتقاد بأنه يمكن دائمًا زيادة القوات بشكل مؤقت إذا خرجت الأمور عن السيطرة.

تحولات مفاجئة

تعكس هذه الخطة التحول الذي تبنته إدارتي ترامب وبايدن، حيث وضعتا في الأولوية ردع الصين وروسيا. ومع ذلك، جاءت هجمات “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر 2023 لتعيد صياغة هذه الافتراضات بالكامل، وتزيد من حدة التوترات مع إيران في البحر الأحمر.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;}

هذا التصعيد المفاجئ أجبر الولايات المتحدة على إعادة تقييم استراتيجيتها وتقليص خطط تقليل الوجود العسكري في الشرق الأوسط. في ظل هذا التحول الاستراتيجي، أصبحت إسرائيل، التي طالما اعتمدت على نفسها عسكريًا، تعتمد بشكل متزايد على الدعم العسكري الأمريكي. خلال العام الماضي، استندت إسرائيل إلى إمدادات الذخائر الأمريكية، إلى جانب الدعم التقني لإسقاط الصواريخ والطائرات المسيرة المعادية.

بالإضافة إلى ذلك، استفادت إسرائيل من الانتشار السريع للقوات البحرية والجوية الأمريكية في المنطقة لردع الهجمات الإيرانية الأكثر خطورة. هذا الواقع الجديد دفع الإدارة الأمريكية إلى إعادة ترتيب أولوياتها، بعد أن كانت تتطلع إلى التركيز على منطقة المحيط الهادئ.

مع تصاعد التوترات، اضطرت الولايات المتحدة إلى نشر مجموعتين من حاملات الطائرات القتالية في الشرق الأوسط في محاولة لدرء حرب شاملة محتملة. هذا التحرك أدى إلى نقل حاملة طائرات من المحيط الهادئ مرتين، مما ترك آسيا بدون حاملة طائرات لعدة أسابيع. ويشير هذا إلى حجم التحولات التي فرضتها الأحداث على الاستراتيجية الأمريكية.

قبل هجوم حماس في أكتوبر 2023، لم تكن الولايات المتحدة تخطط للاحتفاظ بحاملة طائرات بانتظام في المنطقة. ورغم أن البنتاغون يأمل في تجنب مزيد من التصعيد، إلا أن بعض الخبراء العسكريين يرون أن الولايات المتحدة قد تضطر إلى الحفاظ على وجود عسكري طويل الأمد في الشرق الأوسط.

الجنرال المتقاعد فرانك ماكنزي، الرئيس السابق للقيادة المركزية الأمريكية، أكد أن الولايات المتحدة كانت تحاول حصر الأحداث في الشرق الأوسط ضمن إطار ذهني معين، لكنه أضاف: “إذا كنا نرغب في التأثير الفعلي على الأحداث هنا وردع إيران، فسنضطر إلى نشر قوات في المنطقة”. يعكس هذا التصريح الإدراك المتزايد بأن الديناميكيات في الشرق الأوسط قد تجبر واشنطن على إعادة النظر في خططها الاستراتيجية.

لطالما قدمت الولايات المتحدة المساعدة لإسرائيل، لكن الصراع الحالي مع إيران والميليشيات المدعومة من طهران في لبنان والعراق وغزة واليمن خلق تحديات جديدة. اليوم، أصبحت الأسلحة التي تُستخدم أكثر تطورًا، بما في ذلك الصواريخ الباليستية السريعة والطائرات المسيرة المتفادية، مما يجعل الرد عليها أكثر تعقيدًا ويقلل من الوقت المتاح للاستجابة.

هذه التكنولوجيا المتطورة أدت إلى إطالة أمد الحروب واستنزاف الموارد. فعلى سبيل المثال، استمرت حرب 2006 ضد حزب الله لمدة 34 يومًا، بينما استغرقت حرب 2014 ضد حماس في غزة 51 يومًا. إلا أن القتال الحالي في غزة قد دخل عامه الثاني.

إدارة التوترات

لم يكن هذا هو الشرق الأوسط الذي توقعته وزارة الدفاع الأمريكية عند تولي إدارة بايدن السلطة. في الأشهر الأولى من الحرب، كانت الولايات المتحدة ملتزمة بخطة لتعزيز قواتها الجوية والبحرية بهدف منع تصعيد أوسع. ولكن مع مرور الوقت، تحولت هذه الخطة من أزمة مؤقتة إلى حضور عسكري ممتد في المنطقة، حيث استمرت التوترات في التصاعد مع إيران وحلفائها.

في أبريل الماضي، اضطرت الولايات المتحدة وشركاؤها إلى تقديم مساعدة دفاعية كبيرة لإسرائيل، بعد هجوم إيراني شامل تضمن أكثر من 300 صاروخ وطائرة مسيرة. خلال هذه الأزمة، قامت الطائرات الأمريكية بإسقاط عشرات الطائرات الإيرانية المسيرة التي كانت في طريقها إلى إسرائيل، بينما أطلقت مدمرة أمريكية صاروخًا لإسقاط صاروخ باليستي.

في غشت الماضي، زادت التوترات بعد أن قتلت إسرائيل قائدًا بارزًا في حزب الله في بيروت وزعيمًا سياسيًا لحماس في طهران. هذا التصعيد دفع وزارة الدفاع الأمريكية إلى الإعلان عن وجود الغواصة الصاروخية “يو إس إس جورجيا” في المنطقة، وهي خطوة غير معتادة.

لتسريع الاستجابة، أمر القادة الأمريكيون بإطلاق طائرات مقاتلة من حاملات الطائرات للعمل من قاعدة في الشرق الأوسط. على مدار العام الماضي، ضاعفت الولايات المتحدة تقريبًا عدد الطائرات المقاتلة في المنطقة، كما أعادت نشر أنظمة الدفاع الصاروخي “باتريوت” في العراق وسوريا والسعودية لحماية قواتها من الهجمات المتزايدة من الميليشيات المدعومة من إيران.

في ضوء استمرار تهديدات إيران وحلفائها، أصبح من الواضح أن إسرائيل تعتمد بشكل متزايد على الدعم الأمريكي. بحسب بعض المسؤولين الإسرائيليين السابقين، فإن الصراع مع إيران يتطلب تحملًا ماديًا كبيرًا، بالإضافة إلى قدرات عسكرية تتجاوز إمكانيات إسرائيل. الجنرال الإسرائيلي المتقاعد عساف أوريون أوضح أن “الحاجة إلى دور أمريكي أقوى باتت ضرورة لا مفر منها”.

لكن إدارة هذا التواجد العسكري الأمريكي ليست بالأمر السهل. في بعض الأحيان، تبلغ إسرائيل الولايات المتحدة عن هجماتها ضد إيران في اللحظات الأخيرة، مما يجبر البنتاغون على نقل قواته بسرعة لحماية المصالح الأمريكية أو الإسرائيلية. هذا النوع من التنسيق المتأخر أدى إلى توترات بين وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ونظرائه الإسرائيليين.

تحديات متصاعدة

منذ الربيع الماضي، ارتبط اسم إسرائيل بعدة هجمات جوية استهدفت قادة إيرانيين في دمشق، كما شنت غارة قتلت زعيم حماس إسماعيل هنية في طهران، وأخرى قتلت قائد حزب الله فؤاد شكر في بيروت. في إحدى تلك العمليات، تسببت إسرائيل في انفجار آلاف من أجهزة النداء اللاسلكية وأجهزة الاتصال المحمولة التي كان يحملها عناصر حزب الله.

بالإضافة إلى ذلك، شنّت إسرائيل غارة جوية مكثفة على جنوب بيروت أدت إلى مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله. هذه العمليات أدت إلى تصاعد التوترات الإقليمية، والآن تفكر إسرائيل في شن هجوم على إيران ردًا على إطلاق حوالي 180 صاروخًا باتجاهها.

في المقابل، تحث إدارة بايدن إسرائيل على تجنب استهداف المواقع النووية الإيرانية أو البنية التحتية النفطية لتجنب تصعيد أكبر. ورغم الانتشار الكبير للقوات الأمريكية في المنطقة، فإن بعض المسؤولين الأمريكيين يحذرون من مخاطر التورط في صراع أوسع.

دينيس روس، الذي شغل منصب مستشار رفيع لشؤون الشرق الأوسط في عدة إدارات أمريكية، أشار إلى أن الإدارة المقبلة بحاجة إلى تفاهم استراتيجي مع إسرائيل حول كيفية رؤية التهديدات، وما هي حدود العمل التي يمكن الاتفاق عليها لتجنب المفاجآت.

ورغم تركيز وزارة الدفاع الأمريكية المكثف على الشرق الأوسط، إلا أنها لا تزال مصرة على التزامها بردع الصين، خاصة فيما يتعلق بتايوان. مع ذلك، لم توضح الوزارة حتى الآن كيف ستتعامل مع التحديات المتزايدة في الشرق الأوسط دون زيادة حجم القوات الأمريكية في المنطقة أو توسيع حجم الجيش.

التوازن بين التعامل مع النزاعات الحالية في الشرق الأوسط والاستعداد للتهديدات المستقبلية يشكل تحديًا دائمًا للبنتاغون. كل إدارة أمريكية منذ عهد أوباما سعت إلى تقليص الوجود العسكري في الشرق الأوسط، لكنها تجد نفسها في النهاية مضطرة لزيادة الانتشار العسكري بسبب الظروف المتغيرة على الأرض.

أما بالنسبة لإسرائيل، فإن الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس في أكتوبر الماضي دفع المحللين العسكريين إلى إعادة النظر في قدرة الجيش الإسرائيلي على الاستجابة السريعة للتهديدات المفاجئة. اليوم، يبدو أن إسرائيل بحاجة إلى زيادة عدد القوات على حدودها لتأمين نفسها ضد التهديدات المتزايدة، وهو ما يتطلب دعمًا أمريكيًا إضافيًا.

على الرغم من أن القوات الأمريكية أظهرت مرونة كبيرة في الاستجابة للأزمات المتزايدة في الشرق الأوسط، إلا أن الخبراء يحذرون من أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر إلى الأبد. الولايات المتحدة بحاجة إلى وضع خطة واضحة لكيفية التوفيق بين احتياجات الدفاع في الشرق الأوسط وأولوياتها الاستراتيجية الأخرى، خاصة في آسيا.

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة