أخر المستجدات

الأكثر قراءة

توكال عقلي

نتذكر جميعا دروس التربية الوطنية التي لقنت أجيالا من المغاربة أن بلادنا تتمتع بموقع جغرافي مميز، ومناخ بارد شتاء حار صيفا وتركيبة سكانية عرقية متجانسة تجمع بكل إخاء وحب بين الروافد الأمازيغية والأندلسية والإفريقية والعربية. لكن يبدو أن الزمن تغير وتغيرت معه الثوابت والأسس والقيم التي تربينا عليها، حيث اخترقت الشريحة السكانية لبلادنا جحافل من الكائنات الغرائبية المخيفة، والتي تحمل ألقابا وأسماء أجنبية، مثل الشينوي، الشينوية، ولد الشينوية وغيرهم الكثير من مخلوقات عشوائية تصيبنا يوميا بتلوث سمعي بصري مزمن.. بل وتسيء لسمعة وصورة المغرب كبلد أصبحت محتوياته الإلكترونية في الدرك الأسفل من الويب العالمي. غير أن هذه الطفرات الجينية لم تعد تكتفي بالترويج لأكثر أنواع التفاهة رداءة، بل تجاوزت ذلك إلى الترويج للخرافة والشعوذة، والتداوي بالأعشاب والأدوية مجهولة المصدر.

لاحظنا كيف أثار أحد المهرجين جدلا حادا على مواقع التواصل الاجتماعي، حين ادعى أن صحته الجسدية والعقلية تدهورت بعد أن تناول ما يسمى بالتوكال. ادعاء جر سيلا جارفا من التعليقات والتفاعلات التي أثارت الرعب في قلبي وجعلتني أتساءل للمرة الألف؛ «واش هادو هما المغاربة لي معولين عليهم يزيدو بالبلاد القدام». عشرات الآلاف من التعليقات تطالب ذلك المهرج بتناول اللبن المعتق وابتلاع مسحوق الحرمل مع العسل، ودهن سرة البطن بزيت الزيتون المقروء عليها أو تناول خليط اللبان الذكر مع حب الرشاد. غير أن «سطاج الوحش» كان نصيحة من طرف إحدى المعلقات قالت إن فك السحر والتوكال يكون عن طريق تبول الأم مباشرة على رأس الابن المسحور.

أمام هذا الوضع الفكري الكارثي، لا نملك إلا أن نتساءل عن المخاطر والمآسي الصحية والاجتماعية الناجمة عن الاعتقاد بالخرافة.. فهل المغاربة شعب لا يؤمن بالعلم؟

كان الاعتقاد بالسحر وغيره من أشكال التفسيرات الماورائية للأمراض منتشرا في العديد من الثقافات والمجتمعات لقرون. ومع ذلك، في سياق الرعاية الصحية الحديثة، فإن الاعتماد على السحر لتشخيص أو علاج المشكلات الصحية يمثل مجموعة من المخاطر الكبيرة. وتشمل هذه الأخطار التأخير في التدخل الطبي وانتشار المعلومات والمعتقدات المضللة، وتفاقم مشاكل الصحة العقلية ووصمات العار الاجتماعي، واستمرار الممارسات الضارة. إن فهم المخاطر المرتبطة بهذه المعتقدات أمر بالغ الأهمية لتعزيز الأمن الصحي في المجتمعات التي تستمر فيها مثل هذه المعتقدات المؤذية.

إن أحد مخاطر الاعتقاد بالسحر في ما يتعلق بالصحة هو التأخير في طلب الرعاية الطبية المناسبة. تتطلب العديد من الأمراض والحالات التشخيص والعلاج في الوقت المناسب. على سبيل المثال، يمكن أن تتفاقم أمراض مثل السل والسرطان والسكري بشكل كبير إذا تم تأجيل الرعاية الطبية. عندما يعزو الأفراد أعراضهم إلى اللعنات أو التعويذات أو تصرفات السحرة والمشعوذين، فقد يسعون إلى خدمات المعالجين التقليديين أو الممارسين الروحيين، بدلا من المتخصصين الصحيين المؤهلين. وقد يؤدي هذا إلى تفاقم الحالات التي يمكن علاجها، أو المضاعفات التي تمكن الوقاية منها، أو حتى الموت.

في المناطق التي يكون فيها الوصول إلى الرعاية الصحية محدودا أو مكلفا، قد يكون الإغراء بالبحث عن تفسيرات بديلة للمرض قويا. ومع ذلك، عندما يعطي الناس الأولوية للعلاجات الروحية أو السحرية على العلاجات الطبية المثبتة علميا، يمكن أن تكون العواقب وخيمة. حتى بالنسبة للأمراض البسيطة، فإن تجاهل التدخل الطبي المناسب لصالح السحر يمكن أن يؤدي إلى مآسِ صحية مجانية.

غالبا ما تتقاطع معتقدات السحر والشعوذة والإيمان المطلق بالماورئيات مع الصحة العقلية بطرق إشكالية معقدة. قد يُساء وصف المرضى الذين يعانون من حالات الصحة العقلية، مثل الاكتئاب أو الفصام أو الاضطراب ثنائي القطب، بأنهم تحت تأثير السحر أو مسكونون بالأرواح الشريرة أو ضحايا اللعنات. وقد تمنعهم هذه الوصمة من تلقي الرعاية الصحية العقلية التي يحتاجون إليها.

بالإضافة إلى ذلك، فإن إسناد أعراض الصحة العقلية إلى السحر يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الحالة عن طريق عزل الفرد أو إخضاعه لممارسات ضارة. وبدلا من الاستشارة أو الأدوية أو التدخلات العلاجية، قد يخضعون لطقوس دموية عنيفة أو طرد الأرواح الشيطانية، مما قد يزيد من التوتر والخوف والصدمة. وفي بعض الحالات، أدى الاعتقاد بأن المرض العقلي هو نتيجة للسحر إلى الإيذاء الجسدي أو النبذ، ​​أو حتى الموت على أيدي أولئك الذين يسعون إلى «علاج» الشخص المصاب.

وفي هذا السياق، سيظل المارستان سيئ الذكر «بويا عمر» وصمة عار في تاريخ الصحة النفسية والعقلية بالمغرب. فكم من روح عُذبت وفقدت كرامتها وإنسانيتها في غياهب تلك البؤرة السوداوية. غير أن الأمر الذي يبعث على القلق هو استمرار المعتقدات المؤذية بين صفوف المغاربة، بالرغم من تقدم الطب وسهولة الولوج إلى الخدمات الصحية. ولتفادي انتقادات محترفي رياضة المزايدة الحرة، عدد المسلمين في العالم يفوق الملياري شخص. ونجزم قطعا أن كل بيت مسلم يتوفر على مصحف شريف نتبين آياته في كل صلاة. فهل من المنطق أن نهجر سنة تلاوة القرآن لنشتري قنينة ماء يفوق ثمنها 300 درهم، يدعي أحد المشعوذين أنه تلا عليها بعض الآيات؟.. رحم الله ابن رشد حين نبهنا إلى أن الله لا يمكنه أن يعطينا عقولا، ثم يعطينا شرائع مخالفة لها.

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة