أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةحواراتمحمد شيكر: التشغيل ليس اختصاص المقاولة والقطاع الخاص بالمغرب يجهل أدواره

محمد شيكر: التشغيل ليس اختصاص المقاولة والقطاع الخاص بالمغرب يجهل أدواره

بعد إصدار مشروع قانون المالية لسنة 2025 يعود النقاش الاقتصادي لتصدر المشهد، مع ملفات اقتصادية حارقة على طاولة السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وأكد الخبير الاقتصادي، محمد شيكر، في “حوار الأسبوع”، الذي يبث على منصات جريدة “مدار21″، أن أزمة البطالة في المغرب راجعة لكون التشغيل ليس من اختصاصات المقاولة، بل من واجب الدولة أن تضطلع بدورها الأساسي في هذا الصدد.

وأفاد، في قراءته لاستمرار غلاء الأسعار رغم تباطؤ التضخم وطنيا ودوليا، بأن من بين القوانين المعروفة عن الأسعار أنها سهلة الارتفاع وعصية على الانخفاض، خاصة وأن وقوع “توافقات” بين الفاعلين في بعض القطاعات، المفروض أنها تنافسية، يحول دون انخفاضها.

كما اعتبر الخبير أن تنظيم المغرب لتظاهرات رياضية كبرى من شأنه توفير مكاسب اقتصادية هامة للمملكة، شريطة اضطلاع القطاع الخاص بأدواره.

في ما يلي نص الحوار كاملا:

تستمر البطالة في تكدير الحياة الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب، لماذا يعجز الاقتصاد المغربي عن خلق ما يكفي من فرص الشغل، وما هي التدابير اللازمة لتحسين أدائه في هذا الصدد؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال يجدر بنا طرح هذه الإشكالية الأساسية: من الذي يخلق فرص الشغل؟ في الحالة المغربية، وفي انتظار نتائج الإحصاء الأخير سنأخذ إحصاء سنة 2014 مرجعاً؛ تبلغ الساكنة النشيطة حوالي 12 مليون نسمة، تتوزع بين 3,5 مليون أجير مصرح به لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فقط، أي أن حوالي 3 أرباع فرص الشغل في المغرب يتم إحداثها بعيداً عن المقاولات الخاصة؛ وذلك علما أن السياسة التي تتبعها الحكومة هي سياسة تركز على المقاولة، أي أنها سياسة لا تهم سوى 25 في المئة من الساكنة النشيطة.

إذا أضفنا الإدارات والمقاولات العمومية، التي تشغل حوالي 700 ألف شخص، فضلا عن المهن الحرة، قد يصل العدد إلى حوالي 4 ملايين. البقية تتوزع بين مليون ونصف المليون عاطل عن العمل، بينما يشتغل الباقي في ما يسمى بالقطاعات غير المرئية، أي القطاع غير المهيكل. وهنا يتضح أن إحداث فرص الشغل ليست من اختصاص المقاولة. وخير دليل على ما أقول هو مفهوم “الإنتاجية”؛ الذي يقصد به خفض عدد الأجراء مع الرفع من مردود الأجير الواحد، وإذا سرنا في هذا المنطق إلى أبعد حد يمكننا نظريا الوصول لمقاولات بصفر أجير. إذن فدور المقاولة ليس أهم من دور الدولة في التشغيل لأن الأخيرة بدورها مسؤولة عن خلق فرص الشغل.

وبناء على ما أسلفت، فإن خلق فرص الشغل يتم من خلال “التوزيع الاجتماعي للعمل”، ولمزيد من التوضيح: دعنا نفرض أن المغرب دولة تأسست اليوم؛ ستحتاج الدولة الناشئة لرجال الأمن من شرطة ودرك ووظائف في التعليم والعدالة… أليست هذه فرص شغل؟ وهي وظائف تخلقها الدولة، مع احترام المعايير الدولية، مثل أن يتم تخصيص أستاذ لكل 25 تلميذ. ثم يأتي بعدها دور المقاولة الرئيسي وهو تلبية الحاجيات الأساسية للمستهلكين.

كما أن الدولة بحاجة أيضا للمؤرخ والفنان والكاتب والفيلسوف… وكل هذه وظائف تدخل في إطار التوزيع الاجتماعي للعمل، ومن واجبات الدولة خلق الشروط والمناخ الضروري لإحداثها، لكن المؤسف أن الدستور المغربي الأخير شهد تراجعا في هذا الصدد، ففي الدساتير الماضية كانت الدولة مسؤولة عن إحداث فرص الشغل بكل أنواعها، ليس الاقتصادية منها فحسب، أما الآن فاكتفت بالالتزام “بتسهيل خلق فرص الشغل”. إذن، أؤكد أن إحداث فرص الشغل ليس من اختصاص المقاولة، لأن المقاولة لا تشغل إلا إذا كانت إنتاجية الأجير أكبر من الحد الأدنى للأجور.

نرجع الآن للتناقض الذي وقعت فيه سياسة الشغل بالمغرب، فهي تختص بـ25 في المئة فقط من النشيطين، بينما القطاع الأكثر تشغيلا هو القطاع غير المهيكل، الذي يشغل حوالي مليونين ونصف المليون، وهو غائب عن السياسات العمومية في مجال الشغل، بل الأسوء أن الخطاب الرسمي في هذا الصدد يقول بضرورة “محاربة القطاع غير المهيكل”، وهذا خطأ فادح، بل بالعكس ينبغي فهم عمق وجوهر هذا القطاع ومسايرته، ومن خلاله تطوير قدرة اقتصادنا التشغيلية، ويمكنني القول إن الاقتصاد المهيكل، بكل بساطة، اقتصاد مستورد من الخارج، بينما غير المهيكل نابع من تطور المجتمع المغربي.

أخيراً، ترتبط إشكالية البطالة بالتنمية، والتنمية في المغرب مرتهنة باقتصاد “غيبي”، أي بأمور يصعب التكهن بها كالمناخ والأمطار، بما أن حوالي 40 في المئة من فرص الشغل يتم خلقها على مستوى القطاع الفلاحي. السياحة بدورها اقتصاد غيبي لأنه لا يمكن التحكم بأعداد الوافدين. القطاع الوحيد الذي يمنح تنمية مستقرة هو القطاع الصناعي، وهذا القطاع في المغرب لا يشغل سوى 3 في المئة من النشيطين.

نلاحظ أن الأسعار ما تزال مرتفعة على مستوى العديد من المواد الأساسية، رغم تراجع التضخم وطنيا ودوليا، ما السبب في ذلك؟

معروف عن الأسعار أنها سهلة الارتفاع وعصية الانخفاض. إذا ارتفعت أسعار مادة ما يصبح من الصعب أن تتراجع، لأسباب من بينها التعوّد، وبالتالي فتراجع التضخم لا يؤدي بالضرورة لخفض الأسعار، عكس ما يحدث لدى ارتفاعه، فإذا لم يتم التعامل معه بإجراءات معينة يمكن ألا تتوقف الأسعار عن الصعود.

الأصل أن يلاحظ الانخفاض على مستوى بعض القطاعات المتسمة بتنافسية كبيرة، مثلا أسعار بعض الخضروات التي تتأرجح بين صعود وهبوط، في المقابل، فإن القطاعات المقننة كالمحروقات والأبناك تخضع لتوافقات بين الفاعلين حول الأسعار، ما يمنع نزولها، لأن الاقتصاد المغربي اقتصاد هش ومشوه وغير مقنن كما يجب.

إن قطاعات عديدة تمنحك الانطباع بأنها تنافسية وهي غير كذلك، أنا أرى مثلا أنه القطاع البنكي المغربي لا يوجد به سوى فاعل واحد، هو التجمع المهني لأبناك المغرب، ولا شك لدي في أن الأمر ذاته ينطبق على قطاع المحروقات، هؤلاء لديهم جمعيات تضمهم ويجتمعون على مستواها للاتفاق فيما بينهم حول الأسعار التي يقترحونها.

أفرجت الحكومة عن مشروع قانون المالية لسنة 2025، وما فتئت في كتبك ومقالاتك تدعو إلى تبني “مالية عمومية اجتماعية”؛ هلّا قربت قراء “مدار 21” من هذا المفهوم الاقتصادي؟

لسنوات وأنا أطالب وأقترح تبني مالية عمومية اجتماعية؛ وقد اتضح لي أني كنتُ على حق. الدليل هو أنه في غضون العشرين سنة الماضية توجهنا تدريجيا لمنح الأهمية لما هو اجتماعي في الاقتصاد إلى أن وصلنا لـ”تعميم التغطية الاجتماعية”. ولهذا أعتبر الحديث عن مشروع قانون المالية مضيعة للوقت، لأننا نكرر سنوياً نفس النقاشات، وفي سياق ما هو اجتماعي يتم التطرق تحديدا لتفكيك صندوق المقاصة؛ ومن أغرب ملاحظاتي، التي أوجهها لاقتصاديي الأحزاب السياسية، ذوي المستوى الرفيع بالمناسبة، أني لا أفهم كيف تمر عليهم الخطابات الرائجة حول ضرورة التخلص من المقاصة، لكونها تؤثر على الميزانية وتسبب لها العجز.

أتساءل؛ ألا ينتبه اقتصاديو الحكومة والأحزاب السياسية لتجربة مررنا بها وأدت لنتائج كارثية: أتحدث عن المغادرة الطوعية، والتي أرسيت لتخفيف ثقل كتلة الأجور العمومية، بهدف خفض عجز الميزانية، فماذا كانت النتيجة؟ العجز لم ينخفض، وخسرت الدولة أطراً عليا وخبراء مهمين، وفقدنا أساتذة جامعيين كبار وغير ذلك…

ثانياً حين يتم الحديث عن المقاصة، فالأنظار تتجه حصرا لصندوق المقاصة، ولا أحد يهتم بمكتب الحبوب (الخاضع للمقاصة بدوره)، والذي يحقق فائضاً ! رأيي إذن هو أن خلف هذه السياسات تختفي توجهات إديولوجية وسياسية، وربما التزامات تجاه مؤسسات مالية دولية، الهدف منها ليس خفض عجز الميزانية بل فرض مرجعية اقتصادية جديدة، وهي في الواقع مرجعية قائمة منذ أزيد من 20 سنة، يتعلق الأمر بـ”استقالة الدولة من التزاماتها الاجتماعية”.

ولتغطية هذا التوجه شُرِع في الحديث عن البعد الاجتماعي، المشكلة هي أنه حين يتم يتناول هذا البعد يتم التركيز على الكلفة؛ مثلا، وإن لم تخني الذاكرة، فكلفة تعميم التغطية الاجتماعية حوالي 54 مليار درهم، فيشرعون في التساؤل من أين نأتي بهذه المبالغ؟ بالنسبة لي، الدولة تكسب من تعميم التغطية الاجتماعية ولا تخسر، وأستطيع إثبات ذلك إذا تم إعداد مشروع مالية عمومية اجتماعية؛ قانون واحد يحتوي كل ما هو اجتماعي، ولنقارنه آنذاك بتحملات الدولة من خلال تعميم التغطية الاجتماعية؛ أنا أفترض أن الدولة ستحقق فائضا.

النقطة الثانية المهمة في هذه المالية العمومية الاجتماعية أنه يمكن تقسيمها إلى 3 مستويات:

المالية الاجتماعية للحكومة: المرتبطة بالميزانية بصفة عامة، لكن بإضافة المؤسسات شبه العمومية سنكون أمام مالية عمومية للدولة، وإذا أخذنا كذلك بعين الاعتبار المؤسسات الخيرية للخواص، سنحصل على مالية اجتماعية وطنية، ويمكن إحداث مجلس لتسيير هذه المالية الاجتماعية الوطنية، أو من خلال البرلمان، وبهذه الطريقة سيستفيد الجميع وبلا شك سيتراجع العبء على كاهل الدولة.

يروج حاليا أن المغرب سيجني أرباحا اقتصادية ضخمة من تنظيم مونديال 2030 وغيره من التظاهرات الرياضية الكبرى، وأن ذلك قد يؤدي لتحقيق طفرة تنموية، على غرار ما حدث مع إسبانيا بعد تنظيمها لمونديال 1982، ما رأيك؟

في الواقع أرى أن المغرب جنا وسيجني الكثير من تنظيم هذه التظاهرات الرياضية؛ يكفي أن بفضلها سيتم تمديد خط القطار فائق السرعة، وبناء ملاعب من طراز رفيع. كما يكفي النظر للانعكاسات الإيجابية لمشاركة المنتخب الوطني في مونديال قطر 2022 على الصعيد السياحي.

مساعدات مالية كبيرة ستتدفق على المغرب في سياق تنظيم هذه التظاهرة من مصادر متعددة كبلدان الخليج والفيفا.

أنا أرى أن الدولة كانت ذكية في هذا التوجه، لكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو هل بإمكاننا إطالة أمد هذه الدينامية من خلال دور القطاع الخاص؟ القطاع العمومي يلعب دوره بلا شك؛ لاحظ مثلا التطور الذي تشهده بعض المدن المغربية، أرى أن الدولة عموما تلعب دورها كما يجب، يبقى للأسف الشديد دور القطاع الخاص الذي أراه شخصيا قطاعا غير واع بأدواره؛ اللهم إذا أدركت الدولة عدم أهليته وقررت النيابة عنه من خلال إحداث شركات مختلطة مثلا.

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة