أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةفن و ثقافةأرشيف المغرب يقدم "وثيقة بوفكران"

أرشيف المغرب يقدم “وثيقة بوفكران”


هسبريس – وائل بورشاشن

وثيقة تؤرخ لحدث بارز في تاريخ المقاومة المغربية لمكائد الاستعمار الأجنبي هو “انتفاضة بوفكران” تسلّمها “أرشيف المغرب”، بعد توقيع اتفاقية هبة للمؤسسة من طرف عائلة الحاج العلمي الصنهاجي، الذي كان أحد موقّعيها الأوائل.

ونظّمت مؤسسة أرشيف المغرب، أمس الإثنين بمقرها في الرباط، حفل تقديم هذه الوثيقة، التي تقارب أربعة أمتار، والتعريف بسياقها التاريخي، بعد ترميمها من فريق المؤسسة ورقمنتها، لإتاحة الاطلاع عليها للباحثين.

شاهد حي

قال جامع بيضا، مدير مؤسسة أرشيف المغرب، إن “الوثائق التاريخية ليست مجرد أوراق قديمة، بل هي شاهد حي على أحداث وشخصيات رسمت معالم التاريخ”، ثم تابع: “أحداث وادي بوفكران سنة 1937 تشكل جزءا مهما من مسيرة النضال المغربي ضد الاستعمار، ذلك أن تداعياتها لم تقتصر على العاصمة الإسماعيلية، بل كانت حدثا فاصلا ينضاف إلى مطالب الشعب المغربي؛ والانتقال من المقاومة القبلية والعفوية أحيانا إلى مقاومة من نوع آخر هي المقاومة السياسية المنسجمة التي تقودها نخبة مغربية واعية بمحيطها المحلي والجهوي والدولي”.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;}

وأضاف المؤرخ ذاته: “هذه العريضة الاحتجاجية توثق لقيام المئات من السكان بالاحتجاج بعد تحويل مياه بوفكران لصالح قلة من المعمّرين الفرنسيين، ضدا على المصالح الحيوية للفلاحين المغاربة والسكان عامة. ولمدة 90 سنة حفظت الوثيقة ببيت الحاج العلمي الصنهاجي بمكناس، أحد موقعيها الأوائل، حتى قررت السيدة حورية الصنهاجي، نيابة عن أخواتها وإخوانها، تقديمها هبة لمؤسسة أرشيف المغرب”.

ثم استرسل جامع بيضا: “لا يساورنا شك في كون أبناء وبنات الصنهاجي اقتنعوا جميعا بأن مبادرتهم الكريمة إغناء للتراث الوثائقي المغربي، وتوفيرٌ لمرجع ثمين للباحثين والمؤرخين الساعين إلى فهم المرحلة الثمينة من تاريخ المغرب. وقد أظهرت العائلة العريقة أن الحفاظ على الذاكرة الجماعية مسؤولية مشتركة بين الأفراد والمؤسسات، وهو ما يمكّن من نتائج عظيمة في تعزيز الهوية الوطنية وتعميق الفهم التاريخي”.

ذاكرة حية

عاد عبد العزيز بنعبد الجليل، الباحث الذي رأى النور في مكناس، إلى ذكريات الطفولة، وذكرى سماعه أصوات المحتجين، وحديث العائلة عما يقع بالشارع من صيحات التكبير والتهليل، وشعار “الماء ماؤنا تفديه أرواحنا”، إلى أن فهم في ما بعد تفاصيل “الانتفاضة ضد تحويل مجرى الماء، والدفاع عن ذلك بالدماء، بعد تحويل الاستعمار الفرنسي مجراه إلى مزارع المعمّرين، عبر قنوات وسدود جديدة، بأحواز المدينة، وعلى رأسهم أربعة فرنسيين بأراض قرب حي الزيتون”.

وتحدث بنعبد الجليل عن محطات القرار التعسفي لسلب مكناس “ماءَها الحلوَ”، بقرار وزاري لتوزيع الماء بين المعمرين والساكنة، وثان بتحويل الماء إلى المعمّرين وساكنة المدينة الجديدة، ما قاد إلى انقطاع الماء عن المدينة بمساجدها ومطاحنها وحماماتها، لتتبقى قلة قليلة من المياه، ما أثار ثائرة المدينة وضواحيها في احتجاجات كبرى كان من نتائجها يقظة الوعي الوطني، ولمّا تمضي على أحداث الظهير البربري بضع سنوات.

وكان من نتائج هذا الوعي تحرير العريضة الممنوحة لـ”أرشيف المغرب” التي وقّعت وبُصمت 1486 مرة، وطولها ثلاثة أمتار و75 سنتيمترا، احتجاجا على القرار غير القانوني؛ لأن السلطان المولى إسماعيل حبّس مياه وادي بوفكران على مدينة مكناس.

وتطرق المتدخل إلى تأسيس “لجنة الدفاع عن ماء أبي فكران” من 17 فردا، منهم الفقيه والمدرب القرآني والتاجر والصانع والفلاح، حيث نظمت إضرابا عاما في مختلف أنحاء المدينة، اجتمعت حشوده في جامع الزيتونة، وتوجّهت صوب البلدية في “حمرية” بمكناس، وفاجأت إدارة الحماية، التي استدعت لجنة المفاوضة، في ظلّ رفض الأخيرة التنازل عن قطرة واحدة من الماء.

“هكذا، مع فشل سياسة المراوغة، لجأت الحماية إلى سياسة العنف، إذ طوّقت في 2 شتنبر 1937 عبر الشرطة العسكرية والمدنية المدينة، وألقت القبض على أعضاء اللجنة دون دفاع وحكم عليهم بالسجن ثلاثة أشهر. واجتمع من تبقّوا من لجنة الدفاع عن الماء وقرروا الإضراب العام، وتحطيم السدود في مجرى الماء، والقيام بمظاهرة ثانية، انطلقت من المسجد الأعظم صوب المحكمة الباشوية”، يورد المتحدث ذاته، مستدركا: “لكن، هذه المرة سقط عدد من الجرحى، وعادوا بهم إلى المسجد، وانطلقت مظاهرة ثالثة، بشعار ‘الماء ماؤنا تفديه أرواحنا’. وأطلقت الشرطة العسكرية الرصاص على جموع المتظاهرين، واختلط الحابل بالنابل، وتم الرد بالحجارة والعصي ومن فوق سطوح المنازل (…) وحطمت بالفؤوسِ السدود التي تحوّل مجرى الماء، وسقط عدد من الشهداء”.

وذكر عبد العزيز بنعبد الجليل أن انتفاضة “بوفكران” تبقى “صفحة مشرقة في تاريخ المغرب الحديث”، وعلامة “للتآزر في الدفاع عن حق الناس، رغم الكيد والمناورات”، ومعركة “تتردد أصداؤها في دواوين الشعراء، وأطاريح الباحثين، وكتب المكناسيين، من قبيل إبراهيم الهلالي (التبيان لمعركة أبي فكران)، وبوشتى بوعسرية (أحداث بوفكران بمكناس فاتح وثاني شتنبر 1937)”.

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة