أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةفن و ثقافةالراحل الجراري: الدستور لا يستبعد الإصلاح .. وهوية المملكة "وطن ولغة ودين"

الراحل الجراري: الدستور لا يستبعد الإصلاح .. وهوية المملكة “وطن ولغة ودين”


هسبريس – وائل بورشاشن

في دراسة للأكاديميّ المستشار الملكي الراحل عباس الجراري، صدرت ضمن كتاب جماعي بعنوان “التطور الدستوري للمغرب” بشراكة جمعت الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني وأكاديمية المملكة المغربية، حضرت دعوة إلى “التوفيق الرامي إلى تحصين الأصالة في إطار التحديث أو التحديث في إطار الأصالة”.

الدراسة التي تضمها دفّتا كتاب “التطور الدستوري للمغرب: الجذور التاريخية والتجليات الراهنة والرهانات المستقبلية”، ورد فيها أن دستور 2011 “الذي هو آخر دساتير عهد الاستقلال، نجد أنه يسعى إلى التوفيق بين ما هو أصيل وما هو حداثي. وإنه ليكفي بالنسبة لهذا العنصر الأخير أن نشير إلى بعض المقتضيات التي تنازل بها الملك عن اختصاصات مطلقة كانت له في السابق، وأن نشير كذلك إلى الصلاحيات التي منحها لرئيس الحكومة، وإلى مظاهر تقوية العمل البرلماني، مما أعطى الملكية بُعدا برلمانيا أو قرّبها إلى هذا البعد؛ وكذا أن نشير إلى تقوية الاستقلال الذاتي والمؤسساتي لمنظومة العدالة، وما إلى هذا وذاك، مما يعتبر بحق نقلا للدولة ومن طابعها التقليدي إلى طابع عصري، أغنى مسارها الدستوري”.

وذكّرت الدراسة بـ”اختيارات المغرب السُّنية، أي الموافِقة لما عليه أهل السنة والجماعة في العناصر الأربعة الآتية: العقيدة الأشعرية في التوحيد، المذهب المالكي في الفقه، التصوف السني في السلوك، الإمامة العظمى التي يقول بوجوبها أهل السنة، والتي تتمثل عندنا في إمارة المؤمنين”، لتقول: “إذا كان صعبا عند تحرير أي دستور جديد بالمغرب أن يوضع في إطار تطوره الدستوري، وأن يذكّر بكل ثوابته، فلا أقل من أن يرفق كل نص جديد بمذكرات أو ظهائر تلح على هذه الثوابت، وتوضح تفاصيلها، حتى تبقى حاضرة في ذهن الأجيال المتعاقبة، حفظا لها من الوقوع ضحية تلك الفوضى الهدامة التي تسعى عالميا إلى تدمير الشعوب الإسلامية الغارقة في التخلف والانهيار والتبعية”.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;}

وكتب الجراري أنه “على الرغم من التغييرات الكبيرة التي تضمنها الدستور الجديد بالقياس إلى ما سبقه، فإننا لا ينبغي أن نستبعد بعض الإصلاحات التي قد يتطلع إليها في المستقبل. كما لا ينبغي أن ننسى أن أي دستور، مهما تكن أهمية مكانته، وقوة وجوده، واعتبار مكان ديمومته، لا يعني قدسيته وعدم قابليته للتعديل أو الإلغاء، إذا اقتضت أحوال الأمة ذلك، وحتى يتسنى له أن يستمر ويستقر؛ ولكن دائما في إطار الثوابت وما لها من رسوخ رسمي وشعبي”.

وتابع: “وإن بدت الأجيال الجديدة غافلة عنها أو جاهلة بها، في خضم الفوضى الهدامة التي تسعى-عالميا-إلى تدمير أصالة المجتمعات، وإبعادها عن عقيدتها وفكرها، أو تمييعها حتى يفقد كل مفعول إيجابي في هذه المجتمعات. وهو ما يروج له بدعوى الحريات الفردية التي لا يقصد منها غير إشاعة التفسخ والانحلال، ونشر التفرقة والطائفية، التي قد يعتمد فيها على ما في بعض الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، الذي يسعى إلى أن يكون عمله مدرجا في إطار المنظمات الدولية، وملتزما بما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق”.

وزاد: “ومع ذلك، ينبغي الانتباه بحذر شديد وتأويل محكم إلى ما ورد في آخر تصدير الدستور من أن هذه الاتفاقيات”، مؤطرة بـ: “وفي نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة”.

ويعرّف الجراري الهُوية بكونها “الذات والشخصية والإنّية، سواء بالنسبة لفرد أو لمجموع الأفراد الذين يعيشون في وطن معين، تكون هذه الهوية دالة عليه، باعتبارها جوهر وجوده، وحقيقة هذا الوجود. ويقابلها عكسها الذي هو الغيرية”.

الأكاديمي الراحل الذي رافقت منجزه وتأطيره الجامعي صفة “عميد الأدب المغربي”، بمعناه الواسع الشامل مختلف المنجز الفكري المغربي بتعدّد تعبيراته ولغاته عبر التاريخ، وضّح أن الهوية بالمملكة يمكن إجمال ما تشكّلت منه من مكونات في ثلاثة، أولها “الوطن، ويتمثل في جانبيه الطبيعي والبشري، على ما يكون في هذين الجانبين من تنوع وتعدد، وما يكون بينهما من تعلق وارتباط، وما اصطلح عليه بالوطنية التي تستلزم قيام المواطنين بما عليهم من واجبات، قبل مطالبتهم بما لهم من حقوق، والتي تبلورت في التمسك بوحدة المغرب الترابية، عبر استرجاعه لصحرائه والنضال لتحقيق هذا الاسترجاع”.

ثاني مكوّن للهوية “اللغة، التي بها يتواصل أصحاب هذا الوطن، والتي بها يتعلمون، وبها يُنشئون إبداعاتهم العلمية والفكرية والأدبية والفنية وما يخلفون من تراث. وهي تغتني بما يعايشها من لهجات محلية أو لغات عامية؛ مع العلم أن التراث الناشئ عن هذه اللغة وروافدها، هو المكون للثقافة الوطنية في جانبيها المدرسي والشعبي، وما يرتبط بهما من قيم وعادات وتقاليد وأعراف”.

ثالث المكونات “الدين، بما فيه من شرائع وأحكام وقيم لها تأثيرها الروحي من خلال العبادات والمعاملات، مما يجليه الفكر والسلوك والعلاقات مع الذات والآخر. والدين هنا بالنسبة إلى المغاربة منذ أن اعتنقوه قبل أزيد من ثلاثة عشر قرنا، هو الإسلام الذي بسماته طبعت كل المقومات الأخرى، مما يجعلنا لا نتردد في وصف هويتنا بأنها إسلامية”.

وأضاف: “من هنا كان الشعار الذي اختير رمزا للمغرب، وكما يتردد في نشيده الوطني، يبدأ بذكر الله ثم يتبع بالوطن والملك، وهو شعار يحتاج إلى أن يشرح ويفسر في ضوء مقومات الهوية”.

وحول “البيعة” التي تشكّل نظامها “في إطار هذه الاختيارات وتأكيدا لها”، فقد ظلّ عقدها، حسب الجراري، حتى حين وُجدت الدساتير الحديثة، “محتفظا بقيمته وبالدور الذي له في تثبيت السلطة. وكيف لا وقد أصبح تقليدا رسميا وشعبيا لا اعتراف لهذه السلطة بدونه”، ثم استدرك معبّرا عن رأي فيها: “مع ما واكبه على امتداد القرون من طقوس قد تكون اليوم في حاجة إلى إعادة النظر في بعضها، مما لم يعد يلائم العصر، وقد يُضعِف بعدها الديني، خاصة بعد أن أصبحت هذه الطقوس أشبه بمشاهد احتفالية واستعراضية متجاوزَة، يكون مسرحها حفل الولاء الذي يقام في اليوم الثاني من ذكرى عيد العرش”.

وفيما يتعلق بنص دستور 2011 على إحداث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية، لحماية اللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية، كتب الفقيد عباس الجراري: “وإذا كان المجلس المذكور لم يتح له أن يرى النور بعد، فإن المؤمل أن ينظر في كل التطلعات ويعمق بحثها، وينتهي فيها إلى ما يلائم الواقع المتطور الذي يسعى المغاربة به إلى التحديث، ولكن في إطار الأصالة الحق؛ مما تبرزه بإلحاح بعض القضايا الشائكة، كقضية التعليم ولغته”.

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة