أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةفن و ثقافة ماذا تعرف عن أدباء شرق آسيا؟

 ماذا تعرف عن أدباء شرق آسيا؟

  إعداد وتقديم- سعيد الباز

 

يضمّ الفضاء الجغرافي المسمّى شرق آسيا مجموعة من البلدان، بقدر ما تتماثل ظاهريا في موقعها وتداخلها تاريخيا، فهي تختلف على عدّة مستويات، من الصين إلى اليابان إلى كوريا ومحيطها. حضور هذه البلدان ثقافيا وأدبيا وحضاريا اختلف أيضا من مرحلة إلى أخرى، وإن كانت الصين، في كلّ الأحوال، المهد الروحي والحضاري الذي استمدت منه كل البلدان رموزها ونماذجها الثقافية والفكرية، وعرف في الوقت نفسه تجاذبات وصراعات ما زالت مستمرة، أو على الأقل مازالت أيضا حاضرة في تعبيراتها الأدبية والثقافية في مختلف أشكالها وأساليبها الفنية.

 

على خطى آداب شرق آسيا

يعتبر الأدب الصيني أحد أعرق الآداب العالمية وأكثرها تأثيرا، خاصة في محيط الصين الآسيوي. ورغم امتداداته الواسعة ظل منعزلا وشديد التشبث بخصوصيته الفكرية وإخلاصه القوي لمقوماته الحضارية الأساسية. وعلى هذا الاعتبار كان الأدب الصيني القديم، عبر قرون عديدة، منغلقا على ذاته لأسباب تاريخية وجغرافية، وسياسية واقتصادية، وربما ساهمت اللغة الصينية في المزيد من العزلة وصعوبة التواصل والتبادل الثقافي لكونها ترتكز على رموز صوتية معقدة. لكن، في بداية القرن العشرين، شهد الأدب الصيني طفرة كبيرة وانفتح بشكل قوي على الآداب العالمية، وظهرت أعمال أدبية وفنية بارزة ومهمة تنزع نحو النقد البناء للموروث القديم والانفتاح على الآخر.

كانت الثورة الثقافية التي أطلقها الزعيم ماو تسي تونغ محطة أخرى للأدب الصيني للانغلاق من جديد، حيث ألزم العهد الجديد الأدباء والفنانين بخدمة إيديولوجيا الحزب الشيوعي والانتصار لقيمها الفكرية والإنسانية. وفي مطلع السبعينيات عاود الأدب الصيني مسيرته الأدبية مجددا من خلال أعمال فنية وأدبية رائدة وطليعية ذات رؤية متجددة ومنفتحة على العالم، وحصيلة هامة من الجوائز الرفيعة أكدت في النهاية حضوره بين الآداب العالمية الأكثر خصوبة وحيوية.

في هبتها أواخر القرن التاسع عشر بوصفها رمزا للحداثة ولقوة استعمارية، استطاعت اليابان أن تتميّز أدبيا بروايتها التي تتسم بالدقة في التصوير، ما أهلها لأن يكون لها حضور مكثف في الآداب العالمية مع قدرتها على الجمع بين الموروث الياباني المتعدد وبالغ التعقيد، وفي الآن نفسه أن تتبنى أكثر الأشكال والأساليب الأدبية الأكثر حداثة عبر العالم، منذ الكاتب ناتسومي سوسكي (1867- 1916)  Natsume Soseki الذي يعدّ رمز الرواية اليابانية الحديثة، حتّى ياسوناري كاواباتا (1889- 1972) Yasunari Kawabata  وبقية الكتاب الآخرين المعروفين.

اختلف المسار الكوري في خضوعه المباشر للغة والثقافة الصينية في مراحل أولى قبل تبني اللغة والكتابة الكورية الخاصة به، وخضوعه للاستعمار الياباني مدة طويلة قبل التحرر والانقسام خلال ما يعرف بالحرب الكورية. غير أنّ هذا التاريخ الدامي والمؤلم للأدب الكوري، الجنوبي على الخصوص، أصبح هو نقطة انطلاقه، حيث أفرزت تلك الأحداث تأثيرات قوية على مجتمع كوريا الجنوبية وأضحى مادة أدبية لم يتوقف الكتاب في كوريا الجنوبية عن النهل منها وإبراز تداعياته على المستويين الاجتماعي والإنساني، وتعزز هذا الأدب اليوم بتتويج الكاتبة الكورية هان يانغ بجائزة نوبل للآداب.

 

مو يان.. الذرة الرفيعة الحمراء

 

يعتبر الكاتب الصيني مو يان Mo Yan، الحائزة على جائزة نوبل للآداب سنة 2012، وصاحب التحفة الروائية «الذرة الرفيعة الحمراء»، رائدا من رواد ما يسمى «تيار البحث عن الجذور». التيار الذي ظهر في الصين عقب فترة «الثورة الثقافية الكبرى»، والذي يعدّ امتدادا لروح نقد التراث التي بدأها الرائد الكبير لو شيون (1881- 1936) عميد الأدب الصيني الحديث في عشرينات القرن العشرين في الصين، لنقد الثقافة الصينية القديمة.

تؤرخ الرواية لحرب المقاومة الصينية ضد العدوان الياباني، لكن من زاوية مختلفة من خلال قصص مثيرة بطلها زعيم عصابة قطاع الطرق المعروف يو جان آو، وبأسلوب شديد الخصوصية أشبه بتيار الواقعية السحرية، إضافة إلى تشبعه القوي بالثقافة المحلية، خاصة في عالم الأرياف والقرى الصينية:

«… في اليوم التاسع من الشهر الثامن حسب التقويم القديم عام 1939، كان أبي، أحد أفراد عصابة قطاع الطرق، قد تجاوز الرابعة عشرة من عمره. وكان قد رافق القائد يو جان آو، ذلك البطل الأسطوري الذي ذاع صيته في ما بعد، رافقه إلى الفريق الذي كان ينصب كمينا للعدو على الطريق العام عند جياو بينغ. خرجت جدتي تودعهم وهي ملتحفة بعباءتها. فقال القائد «يو»: «فلترجعي!» فوقفت في مكانها، ولم تواصل التقدم لوداعهم. وقالت لأبي ناصحة إياه: («دوو قوان»، استمع جيدا إلى كلام والدك!» فأنصت أبي إليها، ولم ينبس ببنت شفة، وراح يمعن النظر في قامتها العالية ويشم الرائحة المنبعثة من خلال عباءتها، ثم شعر ببرودة شديدة، وراح يرتجف حتى بدأ القائد «يو» يمسح على رأسه قائلا: «فلنمض يا صغيري»!)

وهكذا بدأ وقع أقدام أفراد العصابة يبتعد عن المكان شيئا فشيئا. وبدأ الضباب الكثيف يحجب الرؤية أمام أبي، كان لا يرى أمامه بوضوح، كان فقط يسمع وقع أقدام أفراد العصابة ولا يراهم. ومضى أبي يمسك بطرف ثياب والده القائد «يو» وهو يهرول وراءه. وأدرك أنّ جدتي مضت تبتعد عنه كثيرا، والضباب يبدو كثيفا كأمواج البحر الهائج، وهو يمسك بطرف ثياب القائد يو وكأنه طوق النجاة الوحيد من هذا الموج الهائج.

بدأ أبي يقفز نحو قبره الحجري الذي سيكون في ما بعد هنا وسط حقول الذرة. كان ذلك القبر محاطا بالأعشاب الكثيفة، وقد جاء إلى ذلك القبر صبي يجر معزة، وكانت المعزة تأكل من تلك الأعشاب والصبي يتبول على حافة القبر وهو يتغنّى: «لقد احمرّت الذرة، وجاء اليابانيون، فيا أيها الأشقاء! استعدوا لإطلاق الأعيرة النارية والمدافع».

قال البعض إنّ ذلك الصبي هو أنا. ولكنني لا أعرف إن كنت هو أم لا. كنت أعشق ريف دون بيي بمدينة قاومي، وكنت أحقد على ذلك المكان. وبعد أن كبرت واجتهدت في دراسة الماركسية، أدركت أن ريف «دون بيي» بمدينة قاومي هو أجمل وأقبح مكان على سطح الأرض، وأهله هم أشجع الشجعان وأحقر الناس، وأنهم أكثر الناس قدرة على شرب النبيذ وعلى الحب. عاش آبائي وأجدادي هنا، وتغذوا على الذرة، وكانوا يزرعونها سنويا بكميات كبيرة، وفي غشت من كل عام، كانت الحقول تبدو كبحور من الدماء وسط زراعات الذرة الرفيعة. وكان أهل قاومي ينشغلون بهذا العرس في كل عام. كما أنهم كثيرا ما قاموا بالقتل والنهب، وأخلصوا دفاعا عن وطنهم، وقد قدموا صورة مسرحية بطولية حزينة، جعلتنا نحن الأحفاد غير البارين نشعر أمام كل تلك الإنجازات بتراجع النوع الإنساني في مدينة قاومي».

ياسوناري كاواباتا.. الجميلات النائمات

 

سيصبح ياسوناري كاواباتا (1889- 1972) Yasunari Kawabata، الملقب بـ«معلّم الرواية اليابانية»، سنة 1968 أوّل كاتب ياباني يحصل على جائزة نوبل للآداب، حيث استفاد كثيرا من اتّجاه تيار الوعي لدى جيمس جويس وفرجينيا وولف واستطاع أن يقدّم تحفا روائية مثيرة وفاتنة، خاصة في رائعته «الجميلات النائمات»:

«وأرجو منك أن تتجنّب المضايقات السمجة، لا تحاول وضع أصابعك في فم الصغيرة النائمة! هذا غير لائق!» أوصت المضيفة إيغوشي العجوز.

كانت هنالك غرفتان في الطابق الأول، العرفة ذات البسط الثمانية حيث يتبادل إيغوشي الحديث والمرأة، والغرفة المجاورة وهي غرفة للنوم على الأرجح. كما أنّ الطابق الأرضي، الذي رآه وهو يمرّ، لا يحتوي على غرفة استقبال. المنزل إذا غير جدير بأن يسمّى فندقا. فضلا عن ذلك، ليست هناك أية لافتة تشير إلى أنّه نزل. لعلّ سرية هذا المنزل تمنع على كلّ حال مثل هذه العلنية. كان السكون مخيّما. عدا المرأة التي وافت الرجل العجوز عند البوابة المقفلة بالمزلاج والتي يتحدث إليها الآن، لم يلحظ حسّا لمخلوق. لم يكن في استطاعة إيغوشي، الذي يزور المكان للمرة الأولى، أن يعرف ما إذا كانت هذه المرأة مديرة المنزل أم مجرّد موظفة. مهما يكن من أمر، فأولى بالزائر أن يتحاشى دون شك طرح أسئلة غير ضرورية.

كانت المرأة أربعينية، ضئيلة وصوتها فتيا بنبرات كأنّها ملطّفة عمدا. كانت تحرّك شفتيها الرقيقتين دون أن تفتحهما، متحاشية النظر إلى وجه محدّثها. ثمة بريق في حدقتيها شديدتي السواد يخمد ريبة الآخر، بل أكثر من ذلك، ألفة هادئة، كأنّ أيّ ارتياب من جهتها مستبعد، كان الماء يغلي في المغلاة الموضوعة فوق موقد من أحطاب البارلونيا، وقد سكبت المرأة الماء لنقع الشاي. كان الشاي الفريد بنوعيته وتحضيره مدهشا فعلا في مثل مكان كهذا وظرف كهذا، الأمر الذي أراح إيغوشي العجوز. وكانت لوحة لكاواي جيوكودو في «التركونوما» معلّقة، وهي دون شك نسخة لمنظر جبلي بألوان خريفية دافئة. لا شيء يشير إلى أنّ غرفة البسط الثمانية يمكن أن تخفي أمرا ما غير عادي.

«لا تحاول تنبيه الصغيرة من نومها. مهما فعلت لإيقاظها فهي لن تفتح عينيها أبدا… إنّها مستسلمة لنوم عميق ولا تنتبه لأيّ شيء» رددت المرأة.

«ذلك أنّ الفتاة تنام باستمرار وهي تجهل كلّ شيء من البداية حتى النهاية… لا تشغل بالك…».

«الفتاة جميلة! وفضلا عن ذلك فهي لا تستقبل هنا إلّا زبائن لا يجلبون المتاعب…»

وكي يحوّل إيغوشي نظره عنها، التفت إلى ساعة يده.

«كم الساعة الآن؟»

«الحادية عشرة إلا الربع!»

تأخّر الوقت! الأسياد العجائز يأوون باكرا ويستفيقون باكرا حسب ما يبدو. إذا، ساعة تشاء!»

لمّا قالت المرأة ذلك نهضت وأدارت المفتاح في الباب المؤدي إلى الغرفة المجاورة. هل هي عسراء؟ على أية حال، كانت قد استخدمت يدها اليسرى. هذا أمر غير ذي بال، ولكن إيغوشي لاحق حركات المرأة التي تدير المفتاح والتقط أنفاسه. أحنت المرأة رأسها داخل شق الباب وألقت نظرة على الغرفة المجاورة. كان شكلها من الخلف عاديا جدا، غير أنّ إيغوشي وجده غريبا. ثمة عصفور غريب عند عقدة حزامها. لماذا خُصّ هذا العصفور المنمنم بعينين وقدمين واقعيتين؟ ليس في هذا العصفور ما يقلق بالطبع، وهو ليس سوى رسم أخرق، لكن ما يمنح شكل المرأة طابعا مقلقا، هو هذا العصفور بالذات. كان لون حزامها أصفر فاتحا، أبيض تقريبا. بدت الغرفة المجاورة غارقة في العتمة.

أغلقت المرأة الباب من جديد دون أن تدير المفتاح وألقته على الطاولة أمام إيغوشي. لم يكن في كلامها ما يشير إلى نتيجة تحرّيها وبقيت نبراتها هي هي.

«هو ذا المفتاح. خذ راحتك قدر ما تشاء. إذا اتفق ولم تستطع النوم فستجد منوّما قرب سريرك».

هان يانغ.. النباتية

تبدأ رواية «النباتية» للكاتبة الروائية من كوريا الجنوبية هان كانغ Han Kang، الفائزة بجائزة «مان بوكر» الدولية سنة 2016، بهذه الجملة الافتتاحية على لسان الزوج: «لم أكن أرى شيئا مميّزا في زوجتي قبل أن تصبح نباتية». إنّ هذا التحول الذي طرأ علي انطلاقا من حلم مفزع يعود بها إلى زمن بعيد، يقودها إلى التحوّل إلى نباتية وفي نهابة المطاف إلى مستشفى الأمراض العقلية. وسوف يكشف هذا الحلم وقائع وأحداثا ظلت مطمورة في أعماق شخصية الزوجة، ويفتح الباب للكاتبة أن تتطرق إلى قضايا صادمة داخل المجتمع بروح تطبعها السوداوية والمشاهد السريالية:

«… لم أجد ما يُقال! كنتُ على دراية بأنّ اختيار الحمية النباتية لم يعد أمرا نادرا كما كان في الماضي، فهناك من الناس من يرغب في التمتّع بالصحة والعيش طويلا، أو يريد أن يتغلّب على حساسيات معينة مثلا، أو يرى في المسألة حميمية أكثر تجاه البيئة. وبالطبع هناك الرهبان البوذيون، الذين قطعوا على أنفسهم وعودا تُلزمهم، أخلاقيا، بألّا يشاركوا في تدمير البيئة، لكن المؤكّد أنّ الشابات المرهفات لا يُقبلن على الأمر إلى هذا الحد. على حدّ علمي، السبب العقلاني وراء تغيّر العادات الغذائية هو إمّا الرغبة في إنقاص الوزن، أو محاولة تخفيف وعكة صحية، أو أنّه مسّ من روح شريرة، أو الخوف من الأرق نتيجة لعسر الهضم. أمّا في أيّ حالة أخرى فليست إلّا عنادا مقزّزا من زوجة تجاه رغبات زوجها كما هي حالتي!

لو كان قد قيل من البداية إنّ زوجتي تعاني من اشمئزاز بسيط من اللحوم، لتفهّمتُ الأمر، لكن من قبل أن نتزوج وهي تقول إنّها تحبّ الطعام. وكنتُ معجبا بطريقتها في الطهو. ملقط في يد، ومقص كبير في الثانية، وتقلّب ضلعا من اللحم في المقلاة، بينما تقصّه إلى قطع متساوية بحركات تشي بالمهارة والخبرة… والآن كانت زوجتي تضع على مائدة الطعام ما لا يعجبني. سحبتْ كرسيها إلى الوراء على شكل زاوية، وصبّت بالمغرفة القليل من حساء الطحالب الذي لم يبدُ لذيذا بالمرّة، ثم وضعت القليل من صلصة الصويا على الأرز، ولفّته في ورقة الخسّ، ووضعت اللفافة في فمها وشرعت تمضغها ببطء.

خطر لي فجأة أنني لم أعد أدري شيئا، لا أفهم أيّ شيء يتعلّق بهذه المرأة.

«ألن تأكل؟».

سألتني بذهن شارد، كما لو أنّها امرأة في منتصف العمر تخاطب ابنها الناضج، بينما بقيتُ جالسا بصمت، لا أجد في نفسي إقبالا على تناول هذه الوجبة الفقيرة… أتى الربيع وما زالت زوجتي على حالها، لم تتراجع. في كلّ صباح نتناول وجبة الإفطار ذاتها. وما عدتُ أزعجها بالتعبير عن عدم رضاي، فعندما يجتاز شخص ما تجربة تحوّلٍ قاسية، لا يكون في وسع الشخص الآخر أن يفعل شيئا غير أن يتركه يواصل ما بدأه.

غدت أكثر نحافة يوما بعد يوم، وبرزت عظام خدّيها بشكل لا يليق، وبدت بشرتها من دون زينة كمريض في مستشفى. لو أنّ هذا مجرّد نموذج لامرأة توقّفت عن تناول اللحوم لإنقاص وزنها، لما وجدت حاجة إلى القلق، لكنّي كنتُ مقتنعا بأنّ المسألة أكبر من مجرّد حالة النباتية تلك. لا، لابدّ أنّ للأمر علاقة بالحلم الذي ذكرته، فلا بدّ أنّه علّة كلّ ما يحدث».

عبده حقي.. الخلفيات الحقيقية لفوز هان كانغ بجائزة نوبل 2024

 

حصلت الكاتبة الكورية الجنوبية هان كانغ على جائزة نوبل في الأدب لعام 2024، ما مثل لحظة هامة للغاية في مسيرتها الأدبية والمشهد الثقافي في كوريا الجنوبية. واعترفت الأكاديمية السويدية بهان كانغ «لنثرها الشعري المكثف الذي يواجه الصدمات التاريخية ويكشف عن هشاشة الحياة البشرية». لا يسلط هذا التكريم والاحتفاء المستحق الضوء على إنجازات هان الفردية فحسب، بل يعكس أيضًا السياقات السياسية والأدبية الأوسع التي شكلت عملها وتداول الأدب الكوري الجنوبي على الساحة العالمية.

ولدت هان كانغ في غوانغجو عام 1970، ونشأت في مدينة اتسمت بالاضطرابات السياسية، ما أثر بشكل عميق على صوتها الأدبي. تتمتع غوانغجو بأهمية تاريخية بسبب انتفاضة غوانغجو عام 1980، حيث قُتل مئات المدنيين على يد الجيش أثناء حركة مؤيدة للديمقراطية. هذا الحدث المؤلم موضوع متكرر في كتابات المحتفى بها، وخاصة في روايتها المشهورة «تصرفات إنسانية»، التي تستكشف تأثير العنف والخسارة على حياة الأفراد. بدأت هان مسيرتها الأدبية بالشعر، ونشرت مجموعتها الأولى عام 1993. وعلى مر السنين، انتقلت إلى النثر واكتسبت شهرة دولية بروايتها «النباتية» (2007)، التي تتعمق في موضوعات الاستقلال الجسدي والمعايير المجتمعية من خلال قصة امرأة تقرر التوقف عن أكل اللحوم بعد تجربة أحلام مزعجة. إن ترجمة هذه الرواية إلى الإنجليزية عام 2015، ثم فوزها بجائزة البوكر الدولية عام 2016، رفعا من مكانة هان على مستوى العالم بشكل كبير.

غالبًا ما تتناول أعمال هان كانغ الصدمات التاريخية وتستكشف كيف تشكل التواريخ الشخصية والجماعية صورة الهوية. وغالبًا ما تتميز رواياتها ببطلات يتنقلن بين الضغوط المجتمعية والصراعات الشخصية، ما يعكس انخراطًا عميقًا في قضايا مثل الصحة العقلية والحزن والأسئلة الوجودية. على سبيل المثال، في روايتها «تصرفات إنسانية Human Acts »، تستخدم هان أسلوبًا سرديًا مجزأً لإعطاء صوت لضحايا العنف الحكومي، ما يسمح لهم بسرد تجاربهم حتى بعد الموت. لا يخدم هذا المنهج المبتكر كشكل من أشكال «أدب الشهادة» فحسب، بل يؤكد أيضًا على التفاعل بين الذاكرة والصدمة.

إن الاعتراف بفوز هان كانغ كأول امرأة آسيوية بجائزة نوبل للآداب يرمز إلى الديناميكيات المتغيرة داخل عالم الأدب. تاريخيًا تعرضت جائزة نوبل للانتقاد بسبب تركيزها على أوروبا، حيث لم تحصل سوى 17 امرأة على الجائزة من بين 120 فائزًا منذ إنشائها. إنّ التأثيرات السياسية لأعمال هان يتردد صداها بعمق في السياق المعاصر لكوريا الجنوبية. لقد خضعت البلاد لتحولات كبيرة منذ نهاية الحكم الاستبدادي في أواخر القرن العشرين، ما أدى إلى تطور وارتقاء في التعبير الثقافي الذي يستسقي من روافد الماضي. تعكس الأعمال الأدبية للكاتبة هان هذا التطور من خلال تحدي المعايير المجتمعية ومعالجة الظلم التاريخي، وبالتالي المساهمة في الحوارات المستمرة حول الهوية الوطنية والذاكرة.

لقد فتح التألق الدولي الذي حققته هان كانغ الأبواب أمام مؤلفين آخرين من كوريا الجنوبية، وهو ما سيعزز الاهتمام بالأدب الكوري في جميع أنحاء العالم. لقد أسر أسلوبها السردي الفريد – وهو مزيج من اللغة الشعرية والعمق الموضوعي العميق – القراء خارج حدود كوريا الجنوبية. إن التقدير الذي حصلت عليه هان من جوائز مرموقة، مثل جائزة نوبل، سيعزز مكانتها كشخصية محورية في الأدب النسائي المعاصر. علاوة على ذلك، أثار عملها مناقشات حول دور الأدب في معالجة القضايا الاجتماعية. ومع استمرار الحركات السياسية في التطور على مستوى العالم، ستعمل كتاباتها كتذكير بقوة الأدب في مواجهة الحقائق المزعجة وإلهام طرائق التغيير.

إن حصول هان كانغ على جائزة نوبل في الأدب لعام 2024 ليس مجرد إنجاز شخصي معزول؛ بل إنه يمثل اعترافًا أوسع بالتراث الأدبي الغني لكوريا الجنوبية وانخراطها في السرديات التاريخية المعقدة. إن استكشاف هان كانغ للصدمة والمرونة والهوية يتردد صداه بعمق في السياقات الوطنية المحلية والعالمية، ما يجعلها صوتًا نسائيا رائدا في الأدب المعاصر. وبينما تستعد لقبول هذه الجائزة المرموقة في ديسمبر 2024، تقف هان عند تقاطع الفن والنشاط الإنساني، وهي شهادة على كيف يمكن للأدب أن يسلط الضوء على التجارب الإنسانية تحت الظلال التاريخية. وتوضح رحلتها من جوانغجو إلى الشهرة العالمية كيف يمكن للسرديات الشخصية أن تتجاوز الحدود وتعزز التعاطف والتفاهم عبر الثقافات.

 رف الكتب

«اللا مجتمع».. نهاية الطبقة الوسطى الغربية

 

يحمل مؤلف «اللا مجتمع»، للجغرافي الفرنسي كريستوف غيلوي Christophe guilluy، عنوانا فرعيا مثيرا جدّا (نهاية الطبقة الوسطى الغربية). هذا الكتاب أثار العديد من ردود الأفعال المتناقضة في الأوساط الفرنسية، ما بين الإعجاب الكبير أو التقليل من أهمية أطروحاته التي تبدو مستفزّة للبعض أو على الأقلّ بالنسبة للبعض الآخر متسرّعة في استنتاجاتها الحاسمة، سيما وأنّه جغرافي بالأساس يهتم بالدراسة السوسيولوجية للحقل السياسي في فرنسا.

هذا الكتاب، الذي جاء متزامنا مع احتجاجات حاملي السترات الصفراء في فرنسا، كما لو كان الأمر أشبه بتأكيد لجلّ أفكار كريستوف غيلوي ومؤلفاته السابقة وتحليلاته، بداية بكتابه «فرنسا الهامش، وكيف ضحّينا بالطبقات الشعبية» وكتابه الآخر «تصدعات فرنسية».

يبدأ الكتاب بالعنوان الغريب «اللا مجتمع» ليرحل بنا إلى مصدر فكرته التي يمكن اختصارها كالتالي: «إنّ هناك فرنسا منسية، فرنسا الهامش والضواحي المشكّلة في أغلبها من الطبقة الوسطى تسقط ضحية تآكلها الداخلي وتصدعات اجتماعية يجعلها في مواجهة النخب المغلقة على نفسها في المدن الكبرى وتدفعها إلى أن تدير وجهها باتّجاه التيارات الشعبوية. فكرة «اللا مجتمع» تعود إلى رئيسة الوزراء البريطانية الملقبة بالمرأة الحديدية مارغريت تاتشر التي صرّحت في إحدى جلسات مجلس العموم بأنه لم يعد هناك مجتمع بل ثمة رجال ونساء وأفراد وهناك عائلات فحسب، وهذا ما يتطابق تماما مع منظورها الليبرالي الجديد. تاتشر استطاعت أن تحكم بريطانيا لمدة 11 عاما متواصلة وأن تكون أوّل امرأة في بلادها تتقلّد منصب رئيس الوزراء من غير أصول أرستقراطية أو بورجوازية، وأن تهيمن على الحياة السياسية في بلادها وأن تشكّل مع الرئيس الأمريكي السابق رولاند ريغان ثنائيا خطيرا أسهم في بناء المعالم الكبرى للعالم انتهى بسقوط جدار برلين وانهيار الاتّحاد السوفياتي. من سياسات مارغريت تاتشر الليبرالية الجديدة مواجهتها العنيفة لإضرابات العمال وقيامها بإغلاق المناجم وتسريح العمال دون أيّ اعتبار لأوضاعهم الاجتماعية ممّا شكّل ضربة قوية للحركة العمالية في بريطانيا لم تستطع بعدها أن تسترجع أنفاسها. في الوقت نفسه قامت بعملية خوصصة هائلة تخلّصت من كلّ ما يشكل عبئا على القطاع العام أو لا مردودية له، وعمدت إلى إجراءات نوعية في خفض الضرائب على الشركات الكبرى وتوسيع دائرة جذب رؤوس الأموال الخارجية ما أسفر عن ازدهار شامل وحركية اقتصادية لافتة. لكنّ سيطرتها على حزب المحافظين، التي بلغت درجة من الاستبداد، دفعت أعضاءه إلى القيام بحملة شرسة للحيلولة دون فوزها بولاية رابعة ما أجبرها على الاستقالة. إنّ هذه السياسات الليبرالية الجديدة في رأي كريستوف غيلوي كانت من وراء إفقار الحياة السياسية عبر مسلسل طويل بدأ من هذه اللحظة بترهل الأحزاب في اليمين واليسار ما دام الجميع يتموقع في الوسط ويطبّق السياسة نفسها القائمة على تخفيض الضرائب على الشركات وذوي رؤوس الأموال وتكبيد الطبقة الوسطى مزيدا من الضرائب وخفض الأجور وتقليص الوظائف، للسقوط أخيرا في نهاية غير متوقعة من قبل المفكرين والفاعلين السياسيين هي ما أسماه الكاتب «اللا مجتمع» حيث تغيب الوسائط الضرورية من أحزاب ونقابات وهيئات لتصريف التوترات الاجتماعية. إن سقوط الطبقة الوسطى في نظر كريستوف غيلوي سينتهي إلى إفراغ الحياة الديموقراطية من محتواها السياسي باعتبار أنّ الطبقة الوسطى صمام الأمان لكل المجتمعات الديموقراطية وبدونها تفتقد الأحزاب نفسها أسباب وجودها. لقد كان للعولمة أيضا دور أساسي في تسريع هذا السيناريو، حيث تلجأ الطبقة الوسطى، في ظل المخاوف التي تعتريها، إمّا للاتّجاه إلى التيارات الشعبوية كما هو الحال في الكثير من البلدان الأوروبية، أو الخروج إلى الاحتجاج كما هو حال السترات الصفراء. ويختم غيلوي أخيرا بقوله إنّ أزمة التمثيل السياسي، وتفتيت الحركات الاجتماعية، وتحصّن البورجوازيات في قلاعها المنيعة وفرار الطبقات الشعبية من قيد عبوديتها.. كلّها علامات على استنفاد نموذج لم يعد يصنع مجتمعا. إنّ الموجة الشعبية التي أضحت تكتسح العالم الغربي ليست سوى الجزء المرئي من القوة الناعمة لطبقات شعبية، ستجبر من هم فوقها إمّا على الانضمام إلى الحركة الحقيقية للمجتمع أو المسارعة إلى الاختفاء.

 مقتطفات

 مذكرات زوجة دستويفسكي

كانت حياة الروائي الروسي فيودور دستويفسكي مثيرة بكلّ المقاييس، لقد استطاع أن يقدّم للعالم أعمالا روائية عظيمة وخالدة، رغم معاناته من المرض وضيق اليد وماضيه السياسي حيث نجا من الإعدام بدقائق معدودة. في كتابها تلقي آنا غريغوريفنا، زوجته الثانية التي كان يملي عليها كتاباته، الضوء على الكثير من أسرار الكاتب وتفاصيل حياته الصعبة، فعن عمله اليومي تقول: «دستويفسكي يكتب ليلا، ويستيقظ متأخرا، في الحادية عشرة صباحا كما تعوّد في بطرسبورغ. وبعد الفطور يواصل عمله، فيما أمضي للنزهة كما أوصاني الطبيب «كنت حاملا»، وفي الثالثة ظهرا نتغدّى في أحد المطاعم ويرافقني زوجي إلى المنزل، ثم يعرج على مقهى يصرف فيه ساعتين في مطالعة جرائد روسية وأجنبية. وحوالي السابعة مساء نتمشّى كثيرا كالعادة. وبعد ذلك يملي عليّ دستويفسكي نتاجا جديدا أو يقرأ كتبا فرنسية… تردّت الأحوال الجوية وأثرت العواصف والأمطار وتقلبات الطقس اليومية في صحة زوجي فتوالت عليه نوبات الصرع، كان آنذاك في خريف 1867، شرع في تأليف «الأبله»، ولم يكن راضيا عن الفصول الأولى من الرواية، كعادته في موقفه من كلّ ما يكتب. كان يعجب أشدّ الإعجاب بفكرة كلّ رواية، لكنّه ما إن يفرغ منها حتّى يشعر بالضيق وعدم الرضا». تذكر آنا أيضا كيف عاش دستويفسكي حياة الضيق، مبددة الصورة الشائعة عنه بكونه منقبض النفس ذا مزاج سوداوي: «بسبب الضائقة المالية المزمنة قررنا أن نقضي الشتاء أيضا في الريف. فالأطعمة والإيجار أرخص مما في العاصمة بمرات. عشنا لأوّل مرّة حياة موزونة هادئة مكنت زوجي من مواصلة كتابة روايته الجديدة، حتّى أنّنا لم نستدع الطبيب له كما كنّا نفعل كلّ شتاء في بطرسبورغ. كان دستويفسكي يداعب طفليه ويرقص معهما، ومعي أحيانا… وهو في أطيب مزاج. ولذا تدهشني ادّعاءات البعض من أنّه سوداوي منقبض النفس دوما. وقبيل المنام يبارك الصغيرين ويرتّل معهما «يا أبانا» وسائر الابتهالات الدينية كلّ ليلة. ولم أر في حياتي رجلا أكثر منه مهارة في ولوج عالم الأطفال وتشويقهم بحكاياته المثيرة حتّى ليغدو واحدا منهم، كان يعمل كالعادة حتّى الثالثة أو الرابعة بعد منتصف الليل ويملي عليّ ساعة أو ساعتين في النهار».

في الأخير تختم آنا غريغوريفنا مذكراتها بالسنة الأخيرة من حياة الروائي التي شهدت نشاطات كثيرة ونجاحا كبيرا قبل أن يفاجئه الموت: «صحة دستويفسكي، في أعقاب علاجات الصيف الفائت، تحسّنت على ما يبدو، كما تضاءلت نوبات الصرع. وطفلانا في صحة موفورة. و«الإخوة كارامزوف» تحقق نجاحا كبيرا… كلّ ذلك جعل دستويفسكي في أحسن حال. ورغم انشغاله في كتابة المتبقي من روايته كان يزور أصدقاءه ويتردّد على الصالونات الأدبية ويلتقي مشاهير عصره من العلماء ورجالات المجتمع وسيداته… وشارك في أمسيات أدبية كثيرة. وكان كما أسلفت يستأسر المستمعين ببراعته وتعبيريته، رغم صوته الرفيع الواهن، وببساطته وعدم تقيّده بأساليب فن الخطابة، حتّى أنّه عندما تلا مقطعا من «الجريمة والعقاب»… رأيت الحاضرين مخطوفين وقد ارتسم الرعب على وجوههم، والبعض يبكون، ولم أتمكّن أنا نفسي أن أحبس دموعي، ولم يكن دستويفسكي يقتصر على تلاوة مؤلفاته، فهو يقرأ في تلك الأمسيات والندوات مقتطفات من غوغول وبوشكين وغيرهما، وأذكر أنّ الجدران كادت تهتزّ من التصفيق… أمضى الأسبوعين الأولين من شهر يناير 1881 في أحسن حال، ولم تقع له نوبات صرع من ثلاثة شهور. فتصورنا أنّ الشتاء سيمرّ بسلام، زارنا كثيرون يوم الأحد 25 يناير زوجي في صحة جيدة. وليس هناك إطلاقا ما يشير إلى ما سيحدث بعد ساعات».

 متوجون

 هان كانغ أوّل كاتبة آسيوية تفوز بجائزة نوبل للآداب

منحت الملكية السويدية جائزة نوبل في الآداب لسنة 2024 للكاتبة من كوريا الجنوبية هان كانغ. وأوضحت الأكاديمية أن استحقاق كانغ لهذه الجائزة يعود إلى “نثرها الشعري المكثف الذي يواجه الصدمات التاريخية ويكشف عن هشاشة الحياة الإنسانية. وإدراكها الفريد للارتباط بين الجسد والروح… والتوافق بين العذاب العقلي والجسدي”… واعتبرت الأكاديمية أنّه من خلال أسلوبها الشعري والتجريبي، أصبحت هان كانغ مبتكرة في النثر المعاصر.

هان كانغ هي أوّل امرأة آسيوية تفوز بجائزة نوبل للآداب، انطلقت شهرتها برواية «النباتية» التي حصلت بفضلها على جائزة “المان بوكر” الدولية سنة 2016، ووصلت روايتها «الكتاب الأبيض» إلى القائمة القصيرة للجائزة ذاتها سنة 2018.

وُلدت هان كانغ، وهي ابنة الروائي الكوري هان سونغ وون، بمدينة غوانغجو بكوريا الجنوبية، ودرست الأدب الكوري في «جامعة يونسي» الكورية. وعرفت على مستوى بلادها بأنّها كاتبة ملتزمة متعاطفة مع قضايا المرأة وحقوق الإنسان، حيث تعود في الكثير من أعمالها الروائية إلى الفترات التاريخية المظلمة من تاريخ كوريا الحديث وماضيها المؤلم، وما خلفته هذه الصدمات والأحداث من آثار على المجتمع الكوري المعاصر، رغم النهضة الاقتصادية والتقدم العلمي والتكنولوجي.

الدرس الذي ينبغي أن نستفيده من جائزة نوبل للآداب لهذه السنة، بغض النظر عن القيمة الأدبية للكاتبة هان كانغ المشهود لها بها، أنّ كوريا الجنوبية، منذ أكثر من عقدين، وهي تواكب نهضتها الاقتصادية والتكنولوجيا بنهضة موازية في المجال الموسيقي والسينمائي والثقافي والأدبي لتعزيز صورتها في العالم. حيث عملت بكل السبل المادية وغيرها على تشجيع ترجمة أعمالها الأدبية إلى اللغات الأكثر انتشارا خاصّة الإنجليزية…

مؤلفات هان كانغ المترجمة إلى اللغة العربية حاليا، هي: «النباتية» ترجمة محمود عبد الغفار، و«الكتاب الأبيض» و«أفعال بشرية» من ترجمة محمد نجيب.

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة