أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةفن و ثقافةتطوان من خلال فهارس علمائها (5)

تطوان من خلال فهارس علمائها (5)

• صراع الزاوية الدرقاوية مع تيار العلماء:
يمكن اعتبار الشيخ ابن عجيبة ضحية الصراع الذي كان قائما بين أشياخ الصوفية المنتمين للطرق الدينية والزوايا، وبين التيار الذي يمثله العلماء المحافظون التقليديون الذين كانوا يرون أنه من اللائق بالشيخ ابن عجيبة بقاؤه متصدرا للعلم والتعليم، منتصبا للإفادة العموم لما يهمهم في أمر الدين، وإعراضه عن العلم الظاهر وانضمامه إلى الصوفية يمكن أن يحتذي به علماء آخرون، فكان لا بد من منعه، وهو ما صرح به باشا المدينة عندما جمع علماء المدينة وأعبالها إذ قال له: ” ترجع إلى مسجدك وتدريسك”. ويؤيد هذا التصور أيضا مؤرخ تطوان الفقيه داود حين قال: ” إن قادة تطوان رأوا أن يقفوا في وجه التيار حتى لا يجرف غير الفقيه ابن عجيبة من حملة الشريعة والقائمين بشؤونها، فتصدوا للشيخ ابن عجيبة وصاروا ينتظرون الفرصة المناسبة لإرجاعه من حالته الجديدة إلى حالته القديمة، وسنحت الفرصة عندما حدث حادث سجن فيه أخو الشيخ ابن عجيبة، فألحق الأخ الشيخ بأخيه، ثم ألقي القبض على أصحابه من الفقراء الدرقاويين وأغلقت زاويتهم وزج بالجميع في السجن العام بتطوان بين أصحاب الدعارة والمحرمين”.

ومن بين العلماء الذين قاموا بحملة تأليب قوية ضد الشيخ بن عجيبة نجد الفقيه الجنوي، وينقل عنه تلميذه السكيرج ما اشتهر من قوله: ” قام درقاوة في قطرنا، والفرنسيس في قطرهم (المشرق)، وينشأ عنهم جميعا فساد العالم”.

• صراع الزاوية الدرقاوية مع السلطة:
يبدو أن انتشار الدعوة الدرقاوية على يد الشيخ ابن عجيبة وأتباعه قد أقلق السلطان المولى سليمان فحاول القضاء عليها وإيقاف المد الدرقاوي بالشمال المغربي باستعمال أساليب القوة والقمع مركزا على دعم الأعيان والأشراف والعلماء له، فكانوا يتحينون أية فرصة للإيقاع بابن عجيبة إلى أن جاءت التهمة ضد أخيه الهاشمي بن عجيبة، يقول الشيخ احمد بن عجيبة متحدثا عن هذه المحنة: ” فلما بلغني أنه مقبوض بقبيلة أنجرا، خرجت معه، حتى قدمت معه إلى القائد. فلما أمر بسجنه، قال لي: أنت لا دعوى لي عليك، فقلت: أنا لا أفارق أخي”. فقبض عليه هو أيضا وجماعة فقراء تطوان كلهم. ولما قدم فقراء تازة لزيارته وفيهم العالم الكوهن والعارف المكودي سجنوا معه. واستعمل معهم أسلوب الترهيب والتهديد منها ابلاغ أمره إلى السلطان المولى سليمان، فأرسل إلى قائده بتطوان يقول له: ” إن لم يرجع الفقيه ابن عجيبة عن ذلك فقيده بالسلاسل واسجنه ثم أرسله إلي”. فلم ير ابن عجيبة أمام هذا التهديد سوى الإذعان والأخذ بمذهب التقية، فكتب لهم شهادة بذلك: “وأمرنا بالرجوع عن طريق الله، وأكرهنا على ذلك فرجعنا بألسنتنا وأعطينا الشهادة بالرجوع والقلب مطمئن بالإيمان… ثم أخرجونا من الزاوية وشدوها، وأخرجوا الكويهن من السجن وأصحابه فسافروا إلى بلادهم”.

لكن هذه الآراء وإن كانت لها وجاهتها وحججها المنطقية المقنعة إلا أني أميل إلى الرأي القائل بأن سبب محنة الشيخ بن عجيبة هو رؤيته الإصلاحية ومحاربته للبدع وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ودفاعه عن المضطهدين والفقراء ورفضه التمييز الاجتماعي والطبقي وجهره بالحق وصدعه به، وانفتاحه على ” المذاهب الإسلامية بما فيها المذهب المالكي، مع دعوته إلى التحرر واستعمال الفكر والنظر، واتباع الحق أينما وجد مع الأخذ بالأدلة الشرعية في جميع القضايا، والابتعاد عن التقليد والجمود الفكري، كل هذه العوامل وغيرها كانت من أسباب حنق الفقهاء والعلماء عليه، ونهوضهم لمحاربة التيار الجديد وأصحابه”.

لقد دافع ابن عجيبة عن كرامة الإنسان وحقه في العيش وسط مجتمع تسوده المساواة، مجتمع بلا طبقات ولا يعلو فيه أحد إلا بتقواه ودينه لا بنسبه وحسبه وغناه ومركزه الاجتماعي وحظوته لدى الحكام، “وأما التعزز بالعز الذي يفنى ، فهو التعزز بالمخلوق، كتعزز ملوك الجور ومن انتسب إليهم بكثرة الأتباع والأجناد وبالعصي والقهر”. فالسلطة عندما لجأت إلى سجنه كانت تخشى استفحال أمر الطريقة الدرقاوية التي أصبحت تضم عددا كبيرا من الفقراء بعد الخراط ابن عجيبة فيها والدليل على ذلك أنها” لم تتعامل بنفس الأسلوب مع فقراء الطرق والزوايا الأخرى التي كانت توجد بتطاون مثل الفاسية والناصرية والوزانية والعيساوية والحمدوشية”.

نجد أن محنة الشيخ بن عجيبة، إنما تكمن في تجربته الصوفية في شموليتها، وذلك أن الشيخ ابن عجيبة قرأ الواقع الصوفي لمجتمعه قراءة عميقة “فأضحى يفكر شعوريا أو لا شعوريا، بمكانته داخل هذا المجتمع، دراية منه بإمكانياته الفكرية التي تتفوق على الكثير ممن نسبوا أنفسهم إلى التصوف”.

وقد استمرت الطريقة الدرقاوية في المجتمع التطواني بفضل بفضل شيوخها، فقد كان الشيخ عبد القادر بن عجيبة يجمع عليه الناس بأحد المساجد الصغرى، ويقوم بتذكيرهم ووعظهم. وكان يتجول بين القبائل الجبلية والمدن، حتى إنه لما مر بفحص طنجة أقبل الناس بما في ذلك رجال المخزن على الدخول في الطريق، وعلقوا في أعناقهم التسابيح. وكانت تطوان في صيف (1895م) قد اجتاحها الوباء وهلك كثير من سكانها، فرأى أعيانها أن يتعلقوا بالشيخ، فكتبوا إليه كتابا يتوسلون ويطلبون دعاءه مع هدية نقدية بعشرين ريالا، وقد تقبل الشيخ ذلك وأجابهم بكتاب. ويعلق الفقيه محمد المرير على ذلك بقوله: ” إذ منذ ورد الكتاب والأمر يخف حتى انقطع ذلك بعد تمام الشهر وارتفع الطعن والطاعون عن أهل تطوان فكان الناس بعد ذلك يلهجون بذكر الشيخ حتى قيل إنه لو رجع الشيخ إلى تطوان بعد هذه الكرامة لدخل الكل في طريقته وارتفعت أثمان التسابيح”.

العنوان: فهارس علماء تطوان (تطوان من خلال كتب التراجم والطبقات)

للمؤلف: الوهابي

منشورات باب الحكمة

(بريس تطوان)

يتبع

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة