‬”كتاب الشفا”.. طبعة جديدة لمرجع القاضي عياض في “التعريف بحقوق المصطفى”

هسبريس – وائل بورشاشن

من المقولات واسعةِ الانتشار المرتبطة بالوعي بالمغرب الأقصى علميّا “لولا كتاب الشفا لما عرف القاضي عياض، ولولا عياض لما عرف المغرب”.

القاضي عياض، وليد سبتة المغربية قبل احتلالها، قبل ما يقربُ من ألف عام، يستمرّ ذكره حيّا، ويتجدد طبعُ أحد أهم مصادر إرثه الفكري، والتراث الإسلامي، في حلة جديدة؛ كتاب “الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم”، الذي صدر في طبعة أولى عن دار الأمان بالرباط ودار ابن حزم، في مجلد تقترب عدد صفحاته من التسعمائة.

وحقّق الجزأين اللّذين يضمّهما المجلّد عبد السلام البكاري المساري، أستاذ التعليم العالي في الفكر والعقيدة الإسلامية بالمركز الوطني لمفتشي التعليم، وأستاذ زائر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، حيث قام بدراسة وتوثيق نصوص “الشفا”، مع تحقيق أصوله وتخريج آياته وأحاديثه.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;}

ومن بين ما يختص به هذا الكتاب الرجوع إلى مصادر السير والتفسير والحديث والتاريخ والأدب وتعليقاتها على كتاب الشفا، الذي تعدد رواته، وتعددت شروحه عبر القرون في مختلف أنحاء العالم المسلم؛ لتكون هذه الطبعة الجديدة جامعة لـ”عصارة ما ورد في هذه الشروح، ما يساعد القارئ على الاستفادة من الكتاب في شكله الجديد”.

ومن بين ما يحضر في هذه الطبعة الجديدة لمرجع القاضي عياض مقدمة للفقيه المغربي البارز الراحل محمد المنوني، مع اقتباسات من قراءات أعلام فيه عبر التاريخ، من بينهم أعلامٌ مغاربة من القرن العشرين، من قبيل عبد الله كنون.

وأورد الكتاب قول كنون عن “شفا” القاضي عياض: “أبدع فيه كل الإبداع، وسلم له أكفاؤه براعته فيه، ولم ينازعه أحد في الانفراد به، ولا أنكروا عليه مزية السبق إليه، بل تشوقوا للظفر، وأنصفوا في الاستفادة منه، وحمله عنه الناس، فطارت نسخه شرقا وغربا، وهو في الحقيقة كتاب فريد، دحض به مزاعم الملاحدة، ومطاعنهم على المقام النبوي الشريف، وأتى في ذلك بالعجب العجاب مما لا ينكره إلا أعمى القلب مطموس البصيرة”.

ويقدّم كتاب “الشفا” لقارئه كيف عظّم الله نبيّه “قولا وفعلا”، ثناء، وتكميلا للمحاسن خلقا وخُلقا، وصحيح الأخبار ومشهورها التي وردت بـ”عظيم قدره عند ربه ومنزلته، وما خصّه الله في الدارين من كراماته”، وما أظهره الله على يديه من الآيات والمعجزات، وما شرّفه به من الخصائص والكرامات.

كتاب “الشفا” للقاضي عياض يقدّم أيضا ما يجب على الأنام من حقوق النبي، إيمانا، وطاعة، واتباعا لسنته، وهو ما يفصل فيه العلَم المغربي كاتبا أبواب “في لزوم محبته، ومناصحته”، و”تعظيم أمره، ولزوم توقيره، وبره”، و”حكم الصلاة عليه، والتسليم، وفرض ذلك، وفضيلته”.

أما ثالث أقسام “الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم” فمخصص لما “يستحيل في حقه صلى الله عليه وسلم، وما يجوز عليه وما يمتنع ويصح من الأمور البشرية أن يُضاف إليه”. ويقول القاضي عياض إن هذا القسم “هو سر الكتاب، ولُباب ثمرة هذه الأبواب، وما قبله له كالقواعد والتمهيدات، والدلائلِ على ما نورده فيه من النكت البيّنات، وهو الحاكم على ما بعده، والمنجز من غرض هذا التأليف وعده، وعند التقصي لموعدته والتّفَصّي عن عُهدته، يشرق صدر العدو اللعين، ويُشرق قلب المؤمن باليقين، وتملأ أنوارُه جوانح صدره، ويقدُرُ العاقل النبي حق قدره”.

ويكتب محقق الكتاب عبد السلام البكاري المساري أن من أهم ما تفعله السنة النبوية بالنسبة للقرآن أنها تبين وتوضح ما فيه من إجمال، وقد تزيد على ما فيه بأحكام لا نص لها في القرآن؛ “لكن يلتقي القرآن الكريم والسنة الشريفة في أغراض وأهداف مشتركة، ولاسيما في التدريس كاشتقاق القراءة وحسن الفهم”.

ومن أغراض السنة كذلك “غرس محبة الرسول صلى الله عليه وسلم في قلوب المسلمين ليتخذوه قدوة”، و”تعلم السنة الشريفة والتعرّف على خواصها ومراتبها وطرق وصولها إلينا، وأهم ما أُلِّف فيها”، و”تعريف المسلمين من خصالها بالأحكام الشرعية التفصيلية”، و”تعميق ثقافة الباحثين في الإسلام وإثراء حصيلتهم اللغوية، وإظهار بلاغة التعبير النبوي، وإبراز مواطن الجمال فيه”، و”تعويد الباحثين على المنهج العلمي والتفكير الصحيح، من خلال دراسة الطرق التي وصل بها الحديث إلينا، ومعرفة الجهود الحقيقية التي بذلها علماء السنة وعلماء الحديث ليصل إلينا صحيحا”، وفق المصدر ذاته.

ثم خطّ المحقق في مقدمة عمله أنه “في الغرب الإسلامي قيّض الله لسنة نبيه عليه الصلاة والسلام من يرفع شأنها، ويذود عنها في أقصى بلاد الإسلام غربا”، وأضحى بعد “تفقه على أشهر شيوخ في زمانه بمسقط رأسه سبتة المغربية (…) كاتب الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم، إمام الغرب الإسلامي”.

إقرأ الخبر من مصدره