أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةفن و ثقافة‬مهرجان "ثويزا" الثقافي يبعد رصيد محمد شكري عن "المقص الأخلاقي"

‬مهرجان “ثويزا” الثقافي يبعد رصيد محمد شكري عن “المقص الأخلاقي”

هسبريس ـ علي بنهرار

سيراً على دأبه السنوي بتخصيص محور للاحتفاء بـ”الشحرور الأبيض” محمد شكري عقد مهرجان “ثويزا” الثقافي بطنجة، في دورته الـ18، “الملتقى السادس عشر لتخليد أدب الكاتب العالمي”، وهذه المرة بعنوان “شكري اللاأخلاقي”، الذي تابعت هسبريس قبل أيام أنه أثار جِدالاً حادّا بين الكتاب والروائيين الذين انتقدوا بشدّة هذا العنوان.

مهرجان “ثويزا”، في شخص الكاتب والشاعر عبد اللطيف بنيحيى، مُسير الملتقى، اليوم الجمعة، كشف ما مفاده أن اللجنة المنظمة تتمسك بهذا التوصيف، لكونه ينفلت من “الرقابة الخانقة” والوصاية الأخلاقية، التي تدل على أننا “في المسألة الثقافية مازلنا بؤساء”؛ مضيفاً أن “المكانة الاستثنائية التي تحظى بها أعمال شكري على المستوى العالمي تعود أصلاً لهذه المطاردة الأخلاقية”.

أحكام قيمة

الباحثة شمس الضحى البوراقي قالت: “لقد استفزني العنوان، لأنني أول وهلة لم أكن أعتبر أن الشخص أو الصديق الذي عاشرناه مدة طويلة وكان فردا من أفراد الأسرة ‘لاأخلاقي’”، متسائلة: “هل يحكم عليه كذلك لأنه كان يشرب الخمر مثلا؟ وربما هو السلوك الوحيد ‘اللاأخلاقي’ لشكري”، وزادت: “وضع مزدوجتين في العنوان يحيل على التباعد؛ إذن الأمر لا يتعلق بالشخص الذي رحل عنا”.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;}

وأوردت البوراقي أن هناك “حكما آخر، يتعلق بالكاتب الذي قد يختلط مرات مع السارد في بعض مؤلفاته”، وهو الذي يحرّض على نعت “اللاأخلاقي”، وتابعت: “نتساءل أولا هل يمكن أن نصدر هنا حكم قيمة أم إن الإبداع هو عملية تتجاوز أحكام القيم التي يخلقها المجتمع في ظرف معين؟ وهل الأخلاق متحولة أم ثابتة؟ وهل يحقّ لقضاة يتعاملون مع الجريمة في مجتمع معين أن يحكموا بالقوانين نفسها على بطل أو شخصية من وحي الخيال؟”.

ومضت المتحدثة قائلة: “عندما نتساءل عن علاقة الإبداع بالأخلاق نتساءل كذلك عن المساحة التي نعطيها لأنفسنا كقراء لنتقبل ما يأتي به الكاتب، وهل نقرأه بأعين اليوم أو بأعين الماضي”، وأوردت: “‘الخبز الحافي’ مثلا الصادر في أواسط السبعينيات يعرّي قسوة المجتمع والفقر، وقسوة الأب الذي يدفعه ابنه أو يحاول أن يقتل ابنه. هذا الأب في ذلك الوقت هل كان للابن أن يعيب تصرفاته دون أن ينعته المجتمع بالعاق؟”.

وأردفت الباحثة نفسها: “لو صدر كتاب الخبز الحافي اليوم هل كنا سنصدر الأحكام نفسها على الكاتب؟ ففي هذا العصر نحن نتحدّث عن حقوق الطفل؛ وعن الممارسات الفضلى لمصلحته. يعني عن أخلاقيات جديدة لم تكن واردة في ذلك العصر”، وزادت: “وفق هذا المنطق هل سنتكلم عن ‘الابن العاق’ الذي ينتقد ويجرم أفعال الأب؟..وحتى حين نعود إلى ‘زمن الأخطاء’ نجد أنها إحالة على زمن مضى”.

القدرة على البوح

الناقد العراقي عبد الله إبراهيم وقف في مداخلته على العلاقة بين الأخلاق والسرد؛ معتبراً إياها “علاقة شائكة بكل ما للكلمة من معنى”، وتابع: “بماذا يتميز إذن أدب شكري عن سواه من الآداب؟ ولماذا ينعت أحياناً بأنه كاتب غير أخلاقي؟ هو بخلاف معظم الكتاب لا يكتفي بالنهل من تجارب حياته، وإنما يجهر بها، لا يتستر عليها ولا يتكتم، والسرد عنده وسيلة إفصاح وليس تمويه”.

وتابع الناقد بأن صاحب “مجنون الورد” لمّا حسم في تجارب حياته سردها بدل تخييل أحداثها، “وهو ما جلب عليه وصم ‘غير الأخلاقي’؛ وكثير من الكتاب والكاتبات المعروفين والمرسّمين في تاريخ الأدب يشاطرونه هذه التجارب، غير أنهم ينكرونها ولا يعترفون بها”، متسائلا: “هل يكون الكاتب أخلاقيا إذا أخفى تجارب حياته؟ ويكون لا أخلاقيا إذا أظهرها؟”.

وسجل المتحدث ذاته أن “شكري انغمس في تجارب أرغم عليها ورغب فيها؛ فهل استيعابها بالسرد يعد عملا لا أخلاقياً؟ أم إن اللاأخلاقي من الكتاب هو ذلك المراوغ الذي يظهر ما لا يبطن؟ وهل الكاتب الأخلاقي هو الذي يُزور؟ واللاأخلاقي هو الذي يكشف؟”، وزاد: “إن نوع الجواب في ذهن كل منا يحدد ما هو الأخلاقي وما هو اللاأخلاقي. كلّ منا يقترح أجوبته؛ والنظرة لشكري تعود إلى البحث عن سلوكه الشخصي في أعماله المتخيلة. وهنا بؤرة المشكلة”.

هنا، حسب إبراهيم، يقع “عبور وتزوير من حقل إلى حقل؛ يتمّ التنقيب عن أفعاله في مخيلته؛ وانطواء أعمال شكري على نبرة عالية من الاعتراف ونزوعها إلى الإفادة من تجاربه ووقوع أحداثها في الحيز المكاني الذي عاش فيه، وهو في الأرجح العالم السفلي لطنجة، فقد حدث تواطؤ في افتراض التطابق بينه إنسانا وبين شخصياته التي كانت تهتدي بتجاربه، فتقدم البحث عن أحواله الشخصية على البحث في شخصياته السردية”.

كاتب “شُطّاري”

الروائية والمترجمة المغربية سلمى الغزاوي قالت إن “الحكم على أي عمل إبداعي بأنه عمل مناف للأخلاق هو حكم قيمي تقديري بل واعتباطي، لاسيما إذا كان مؤلف هذا العمل مثار الجدل كاتب من حجم وطينة الشحرور محمد شكري، الذي كان أول كاتب مغربي يكتب الرواية ‘الشّطارية’ التي تُصَوّرُ بمزيج من الواقعية والأسلوبية التهكمية الساخرة العوالم السفلية بهدف الهجاء، وفضح وتعرية المجتمع وعِلله وزيف قيمه وازدواجية معاييره”.

وتحدثت الغزاوي عن الرغبة التي تحكم هذا النوع من الكتابة، وهو “انتقاد التفاوت الطبقي الصارخ وغير العادل، وكذا التنديد بالظلم، الفقر، الاستغلال، وامتهان الكرامة الإنسانية، إلى غير ذلك مما يعاني منه سكان الهامش المعذبون المنسيون”، مشددة على أن شكري “الشاطر” كان هدفه عبر مشاركة تجربته الحياتية الصعبة “وصف ما عاينه وعايشه في عالم القاع الذي يعج بالفقراء المعدمين الصعاليك، المتسولين المتشردين، الخارجين عن القانون”.

وتابعت المتحدثة: “صحيح أن هم شكري كأي شاطر مهمش ومعدم أن يحصل على لقمة ‘الخبز الحافي’، لينجو ويستمر في مصارعة الواقع البئيس والمنحط والمجرّد من الأخلاق، لكنه رغم حضور الذاتية بشكل مكثف في كتاباته لم يغفل تقديم وثيقة شهادة تكاد تكون في بعض المقاطع بمثابة عريضة احتجاجية عما يعيشه رفاقه في البؤس والعابرون الكادحون الذين التقى بهم”.

واعتبرت المترجمة المغربية أن “شكري متمكن للغاية من الخصائص الشكلية والموضوعاتية للرواية الشطارية بتخييلها وواقعيتها التي تنضح بالمقاطع التي تصور التشرد، المعاناة من التهميش والظلم، وكذا المغامرات والصعلكة، كما اعتمد واقعية انتقادية للواقع المزري، وتمرد وثار على هذا الواقع المرير بقيمه وأعرافه المبتذلة”.

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة