أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةحواراتأرحموش: الأحزاب تستهلك الأمازيغية .. والبديل في حاجة إلى نخب جديدة

أرحموش: الأحزاب تستهلك الأمازيغية .. والبديل في حاجة إلى نخب جديدة


حاوره: توفيق بوفرتيح

انتقد أحمد أرحموش، المحامي والناشط الحقوقي الأمازيغي، “الإقصاء والتهميش المتعمد” الذي يطال الأمازيغية بالمغرب من لدن الحكومة والبرلمان بغرفتيه وأغلب المجالس المنتخبة، معتبرا في الوقت ذاته أن برامج جل الأحزاب السياسية ودينامياتها تواصل الإجماع على “جعل ملف الأمازيغية أحيانا وسيلة نمطية للاستهلاك السياسي والإعلامي، وملفا غير منتج سياسيا”.

وشدد أرحموش، في حوار له مع جريدة هسبريس الإلكترونية، على ضرورة مراجعة منهجية عمل الحركة الأمازيغية في “اتجاه التحول من مؤسسات منفذة لبرامج إلى مؤسسات منتجة ومُفعلة لها”، مؤكدا في السياق ذاته أن “السؤال المطروح الآن على جسم الحركة الأمازيغية هو سؤال منهجي يستدعي لمعالجته امتلاك القدرة على رسم الاختيارات الجديدة والممكنة بعيدا عن أية نرجسية ذاتية أو تنظيمية أو فكرية أو سياسية”.

واعتبر الناشط الحقوقي الأمازيغي أن “فكرة التأسيس لفعل سياسي حزبي هو حلم وخيار جميع المؤمنين والمقتنعين بما لهم من أدوار لإصلاح الدولة، قد يكون قيمة مضافة، إذا عمل كل من موقعه على توفير الشروط الحتمية لبنائه، خارج أي تنميط أو تحنيط او اجترار ما”، مسجلا أن “التأسيس لبديل حزبي يتطلب ليس فقط رؤية شاملة للمجتمع وأجوبة عن الأوضاع القائمة إقليميا ودوليا؛ بل أيضا التوفر على أدوات قادرة على بناء هذا البديل، وعلى رأسها نخب وخبراء في مختلف المجالات، علاوة على مصادر مالية ولوجستيكية تمكن من مرفقة المشروع”.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} نص الحوار: بداية، ما تقييمك لوضعية الأمازيغية اليوم بعد 13 سنة من دسترة الأمازيغية؟ وعن أي إنجازات أو إخفاقات يمكن أن نتحدث؟

الوضع، في تقديري، لا يزال فعلا مقلقا ومشمئزا في الوقت نفسه إذا ما قارنا على الأقل وحصرا بين المنجز من المكتسبات التشريعية القائمة وبين الأوراش السياسية والتشريعية التي ما زالت مؤجلة، والتي تعكس عمق الأزمة التي تتخبط فيها السياسات العمومية والعامة وتتخبط فيها أيضا برامج جل الأحزاب السياسية ودينامياتها، ومواصلة عامل إجماعها على جعل ملف الأمازيغية أحيانا وسيلة نمطية للاستهلاك السياسي والإعلامي، واعتبارها الأمازيغية ملفا غير منتج سياسيا؛ وبالتالي، وحسب ما تم رصده برؤاها وبرامجها وأرضياتها السياسية، فإن ملف الأمازيغية يتبوأ المرتبة الأخيرة ضمن اهتماماتها.

وأعتقد في هذا السياق أن أية قراءة موضوعية لوضع الأمازيغية في السياسات العمومية، منذ ترسيمها لغة رسمية للدولة سنة 2011، يُستنتج منه، بدون أية مزايدة، أنه من جهة لا يمكن للأمازيغية أن تنمو وتتطور بميزانية تقل عن 0,0001 في المائة من ميزانية الدولة. كما لا يمكن أن تتبوأ مكانتها الدستورية، باعتماد روتوشات شكلانية، علما أن مقوماتها تعرف موتا وتدميرا يوميا.

ودعني أقول إن استمرار من له جزء كبير من المؤسسات العمومية والإدارات الترابية، كما أغلب الأحزاب السياسية، في العمل بدستور 1996 والتشريعات الصادرة قبل سنة 2011، علاوة على انبثاق لوبيات جديدة مناهضة لمغرب قوي باختلافه وتنوعه، يجعلنا أمام وضع مشمئز لمستقبل مغرب استثنائي بشمال إفريقيا، ويجعلنا نُوضع بشكل إرادي في موقع تتقاذفه وقائع موجهة برؤية إيديولوجية تحكمية مقيتة.

في السياق ذاته، فإن القلق الذي نعبر عنه باستمرار نابع من قياسنا لمؤشرات ميدانية تعكسها بيانات ورسائل وتقارير الرصد التي تصدرها المنظمات غير الحكومية والنشطاء وطنيا ودوليا. ولعل ما يُعتمل بملف الأمازيغية بالمدرسة العمومية والمدارس الخاصة، علاوة على مواصلة الحكومة تدبير الأمازيغية بالإدارة العمومية بمنطق وخيار التراجمة، لدليل واضح على أن مغرب ما بعد 2021 لم يتحقق منه بعد المأمول والمرجو والمنتظر ولو في حدوده الدنيا.

هل هذا يعني أن الأحزاب المكونة للمشهد الحكومي اليوم ليس لديها الإرادة للتعاطي إيجابا مع ملف الأمازيغية ومطالب “إيمازيغن”؟

نعم، وكما جاء في جوابي عن السؤال الأول، فإنه لا يمكن لعاقل أن يختلف في ارتفاع منسوب مواصلة الحكومة ومعها أغلب مكونات غرفتي البرلمان، وأغلب هيئات الجماعات الترابية في التكريس لمنطق الانتظار أحيانا، وأحيانا أخرى لمنطق الإقصاء والتهميش المتعمد.

أين تتجلى مظاهر هذا التهميش؟

التهميش ظاهر وملموس من خلال استمرار ممثلي الأمة بغرفتي البرلمان وقبلهم الحكومة في إقصاء الأمازيغية في التشريعات الجديدة، ولعل ما يعتمل بمشروع القانون رقم 02/23 المتعلق بالمسطرة المدنية ومشروع القانون رقم 03/23 المتعلق بالمسطرة الجنائية والقانون المنظم للبطاقة الوطنية للتعريف وباقي الوثائق الرسمية المثبتة للهوية وغيرها لدليل على هذه النكوصية؛ على الرغم من توصلها واطلاعها على مجمل الديناميات الترافعية المقدمة للفرق البرلمانية، وعلى الرغم من وضوح الوضع الرسمي للأمازيغية بالوثيقة الدستورية، وأيضا وضوح منطوق القانون التنظيمي رقم 16/26 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي ومقتضيات مادته الـ30.

كما يتجلى هذا التهميش في تعطيل مسار إطلاق أوراش استراتيجية عديدة؛ منها أوراش مؤسساتية وأخرى أوراش موضوعاتية، علما أنها كلها تتوفر على أساس أو سند ومرجعية قانونية قائمة منذ أكثر من ست سنوات، أضف إلى ذلك استمرار الحكومة في تدبير الشأن الأمازيغي بشكل خارج عن القانون وبأساليب بيروقراطية من خلال فرض سياسات غير منصفة للأمازيغية، كما يُعتمل بملف الأمازيغية بمنظومة التربية والتكوين علما أن آخر أجل قانوني لتعميمها في أواخر هذا الشهر، وكما اعتمل من قبل المندوبية السامية للتخطيط بشأن مسارات الإحصاء العام للسكان والسكنى، ثم مهازل التراجمة بالإدارة العمومية ومنظومة العدالة وغيرها من مظاهر التهميش الأخرى.

ودعني أضيف هنا إغراق أجهزة المؤسسات الدستورية والمؤسسات المنشأة بمراسيم أو المعينة بأعضاء غير مقتنعين بالأمازيغية وبأدوارها في التنمية، وفي المقابل إقصاء نشطاء وخبراء الحركة الأمازيغية منها، مع تزايد الانتهاكات المختلفة والمتنوعة الماسة بالحق في ملكية الأراضي والانتفاع بها، ومواصلة دعم سياسة التهجير القسري للسكان الأصليين، باعتماد قوانين ومراسيم خارج أية منهجية تشاركية أو استشارة مسبقة مع المعنيين، دون أن ننسى انعدام أية إشارة أو مبادرة لضمان شراكة سياسية مع نشطاء الحركة الأمازيغية كسبيل منتج لتأهيل إدارات الدولة في كل ما له ارتباط بمستقبل الوطن بعمقه الإفريقي وامتداداته المتوسطية.

بذكر الحركة الأمازيغية، هناك ما يعيب على بعض مكوناتها أنهم يحورون بوعي أو بدونه النقاش حول الأمازيغية من نقاش وجودي بالدرجة الأولى ونقاش حول الأرض والثروات واللغة إلى نقاش ضد الإسلاميين مثلا؛ وهو ما يجعل من مشكل الحركة حسبهم مشكل أولويات النضال.. ما تعليقك حول هذا الأمر؟

مبدئيا، أعتقد أنه وجب أن نعمل من أجل ألا تكون الأمازيغية محل أي توظيف إيديولوجي أو مزايدة سياسية؛ بالنظر إلى أن مقومات الأمازيغية تنتمي في أغلب تمظهراتها وتجلياتها إلى صف الحداثة. وطبيعي أن تتعاطف معنا في هذا السياق القوى التي تناضل من أجل تحديث وعقلنة المجتمع، وطبيعي أيضا أن نتموقع نحن أيضا إلى جانب الحركات التي تعمل وتكافح من أجل بناء دولة الحق والقانون، دولة ديمقراطية متعددة اللغات والثقافات والأديان وفق ما تمليه الجوانب المشرقة من تاريخنا والتشريعات الدولية لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب.

وعليه، فنضالنا من أجل الوجود لا ينفصل بتاتا عن نضالنا ضد أي شكل من أشكال الاستبداد، وضد سياسة تهجير السكان الأصليين من أراضيهم، ومنعهم من الاستفادة من الثروة بجميع أنواعها وأشكالها. كما لا ينفصل أيضا عن انخراطها ضد أية إيديولوجية دينية أو عرقية تسعى إلى تغيير أصالة وتاريخ شعبنا.

وعلى هذا الأساس، أعتقد أن السؤال المطروح الآن على جسم الحركة الأمازيغية هو سؤال منهجي يستدعي لمعالجته امتلاك القدرة على رسم الاختيارات الجديدة والممكنة بعيدا عن أية نرجسية ذاتية أو تنظيمية أو فكرية أو سياسية.

وفي السياق نفسه، أرى ملحاحية وآنية مراجعة منهجية العمل في اتجاه التحول من مؤسسات منفذة لبرامج إلى مؤسسات منتجة ومفعلة لها. وتتوخى هذه المراجعة، في نظري، غايتين؛ هما: أولا إشعار الدولة بأننا غير مستعدين لأداء أدوار رجال المطافئ، وثانيا التهيئة لفترة انتقالية تمكننا من أن نتحول إلى قوة ضغط حقيقية وليست شكلية وقادرة على أن تجعل الأمازيغية محورا أساسيا وذا أولوية في الأجندة السياسية للفاعل السياسي كيفما كانت موقفه أو موقعه.

بما أنك تحدثت عن منهجية العمل، أثار التحاق نشطاء من الحركة الأمازيغية بالعمل الحزبي قبيل الانتخابات الأخيرة نقاشا كبيرا داخل الحركة.. ما تقييمك لحصيلة المشاركة السياسية الأمازيغية من داخل الأحزاب؟ وهل تعتقد بأن الفاعل الأمازيغي يحتاج فعلا إلى اقتحام الأحزاب السياسية القائمة من أجل التأثير على قراراتها بما يخدم القضية؟

في الحقيقة، ما زلت مقتنعا بأن المجال السياسي مجال للاجتهاد.. وإذا كانت المشاركة السياسية تساهم في ممارسة السلطة وتسيير النظام السياسي، فإن الحضور المادي أيضا بدل الحضور في الدائرة المغلقة حيث لا أحد يسمعك لا يزال مسارا ممكنا برؤية جديدة تروم التأسيس لتجربة الشراكة السياسية.. ولا أقصد هنا الشراكة بمعناها الإداري؛ بل بمعناها الإداري والسياسي، أي شراكة الاحتمال والمصالح المتبادلة في إطار فضاء تنظيمي مستقل غير معني بالاصطفافات الحزبية، وذلك بغاية تكاثف جهود المعنيين من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من الأهداف في أقل فترة زمنية وبأقل التكاليف الممكنة. وتستدعي هذه الصيغة ضرورة مراجعة بعض الأسس والمواقف من النظام، من الانتخابات، من الأحزاب.. مع ضرورة وملحاحية التعايش مع أغلب مكونات النظام باعتماد براغماتية سياسية.

وإذا كانت تجربة المشاركة السياسية قد أدت وظيفتها وانتهت بما لها وما عليها، وهي لا تختلف كثيرا عن التجارب السياسية التي سبقتها، فإن المطلوب الآن ومن الجميع هو أن نتعلم كيف نقيم تجاربنا السياسية والجمعوية، الفردية منها والجماعية، بكل شجاعة وبدون مركب نقص، منذ ندوة المعمورة نهاية التسعينيات التي لم يكتب لها الانعقاد إلى آخر تجربة عرفها جسم الحركة الأمازيغية، بغاية تثمين وتقوية الإيجابي منها وتجاوز التعثرات أو التقديرات غير المنتجة، وكل ذلك بهدف إعادة رسم خريطة جديدة قد تؤهل جسم الحركة الأمازيغية للانتقال لمسار (الشراكة السياسية) بين الدولة والحركة الأمازيغية للمساهمة في هندسة السياسات العمومية وصنع ووضع القرار السياسي والتشريعي.

ولكن، هناك اليوم من لا يقتنع بطرح النضال من داخل الأحزاب القائمة ويدفع في اتجاه “تأسيس تنظيم سياسي جديد بمرجعية أمازيغية” للمشاركة في التدافع السياسي.. هل تعتقد بأن هذا الطرح قابل للتطبيق؟ وما فرص نجاحه؟

فكرة التأسيس لفعل سياسي حزبي هو حلم وخيار جميع المؤمنين والمقتنعين بما لهم من أدوار لإصلاح الدولة، وقد يكون قيمة مضافة، إذا عمل كل من موقعه على توفير الشروط الحتمية لبنائه، خارج أي تنميط أو تحنيط أو اجترار ما؛ لكن المتتبع والمستوعب للإكراهات القانونية والمجتمعية القائمة ببلادنا قد تكون له دراية كبيرة بأنه ليس دائما الواجب القيام به هو الممكن القيام به، وأن الغاية ليس بناء رقم حزبي جديد، ومقتنع أيضا بأن التأسيس لبديل حزبي يتطلب ليس فقط رؤية شاملة للمجتمع وأجوبة عن الأوضاع القائمة إقليميا ودوليا؛ بل أيضا التوفر على أدوات قادرة على بناء هذا البديل، وعلى رأسها نخب وخبراء في مختلف المجالات، علاوة على مصادر مالية ولوجستيكية تمكن من مرفقة المشروع.

وفي هذه الحالة وعلى هذا المنوال، أعتقد أن التأسيس لفعل سياسي متقدم من هذا النوع، إذا توفرت شروطه، قد يجنبنا مخاطر ما آلت إليه تجربة الحركة الثقافية الأمازيغية بالجزائر خلال العشرين سنة الأخيرة، وسيجعلنا نحتضن وبدون تحفظ مسارات تجربتنا بخصوصياتها، بمكامن ضعفها ومكامن قوتها.

كسؤال أخير، هذا الاختلاف بين مكونات الحركة الأمازيغية حول منطلقات وآليات النضال، هل هو اختلاف محمود أم أنه يسهم في إضعاف الحركة؟

إذا كان أغلب نشطاء الحركة الأمازيغية يعملون من أجل ضمان وتيرة قوية وسريعة لوضعية الأمازيغية داخل دواليب الدولة، فإن هذا الهدف غير معلق على رؤية وأسلوب واحد؛ بل رؤى وأساليب متنوع. ولذلك، أرى أن الاختلاف القائم على قلته حاليا وسط فعاليات الحركة الأمازيغية، والذي ليس حول الهدف بل في الصيغ والأساليب، هو عمل مشجع ومحفز؛ بل ومرغوب فيه.

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة