أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةحواراتالحسيني: على الأمم المتحدة طَيُّ صفحة مينورسو وعلى الجزائر الاتعاظ بأحداث الشرق...

الحسيني: على الأمم المتحدة طَيُّ صفحة مينورسو وعلى الجزائر الاتعاظ بأحداث الشرق الأوسط

برمجت الأمم المتحدة، وبحسب ما أعلنت عنه ضمن برنامجها الشهري الخاص بمناقشة الدول الأعضاء الملفات والقضايا الدولية العالقة، مناقشة موضوع الصحراء المغربية ضمن ثلاث جلسات رئيسية خلال أكتوبر الجاري، والتي ستنطلق أولها غدا الخميس 10 أكتوبر، وبعدها جلسة أخرى في 16 من الشهر نفسه، والثالثة في 30 أكتوبر.

عن مسؤولية الأمم المتحدة في ملف الصحراء المغربية بعد تزايد الدعم الدولي، والأسباب “الخفية” وراء رفض الجزائر المشاركة في الموائد المستديرة، و”نهاية” البوليساريو.. كان لجريدة “مدار21” الإلكترونية، حوار مع محمد تاج الدين الحسيني، المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس.

نص الحوار كاملا:

المغرب وعلى لسان وزير خارجيته ناصر بوريطة، قال إن الدعم الدولي المتزايد لمغربية الصحراء يسائل الأمم المتحدة، من وجهة نظرك ما هي مسؤوليتها بالملف في الوقت الحالي وما هي الخطوة التي يفترض أن يخطوها المغرب دبلوماسيا؟

فعلا، عندما نتحدث عن الأمم المتحدة ينبغي أن لا ننسى أن هناك جهازان أساسيان لتناول الموضوع؛ الجمعية العامة ومجلس الأمن. وأعتقد أن مسؤولية الجهاز الأول تبقى محدودة إلا فيما يتعلق بضرورة تصفية الملف بلجنة الـ24 أو ما يسمى بلجنة تصفية الاستعمار في علاقتها بهذا الملف لسبب بسيط، وهو أن المغرب هو الذي وضع بين يديها الملف الخاص بمنطقة الصحراء، وذلك في نفس الوقت الذي وضع فيه الملف الخاص بسيدي إفني، لأن المملكة كما نعلم حصلت على استقلالها بشكل تدريجي.

الاتفاقية الأولى كانت مع كل من إسبانيا وفرنسا بخصوص المنطقة الشمالية ووسط المغرب، ولكن ظلت عدة مناطق تحت الاستعمار الإسباني بما فيها سبتة ومليلية والجزر الجعفرية، وكذلك منطقة طرفاية وسيدي إفني والصحراء المغربية. ونظراً للطابع السلمي الذي هيمن على أسلوب المفاوضات الذي اعتمده المغرب مع المحتل، تمت هذه التسوية بطريقة تدريجية.

وفي سنة 1958، تم استرجاع منطقة طرفاية أيضا عن طريق الحوار وتوقيع اتفاقية مع المستعمر الإسباني، لكن بقيت سيدي إفني ومنطقة الصحراء، وكان حينها الرئيس الإسباني فرانكو متصلباً جدا في مواقفه على الصعيد الدبلوماسي، وبالتالي رفض بشكل مطلق إعادة تلك المنطقة، لدرجة أن المغرب اضطر إلى تقديم ملف أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وخاصة أمام لجنة تصفية الاستعمار في أوائل الستينات.

وأعتقد أنه في عام 1963 أو 1964 ضم الملفين معا، سيدي إفني ومنطقة الصحراء، واستمرت الأوضاع وظهر نوع من الانفتاح المبدئي في العلاقات الإسبانية المغربية، وفي نهاية المطاف قبِلَ فرانكو أن يعيد منطقة سيدي إفني للمغرب. فعلاً تم توقيع اتفاق ثنائي بين الطرفين سنة 1969 وبقيت فقط منطقة الصحراء “معلقة” أمام اللجنة، وجاء النظام الجزائري في ما بعد ليركب الموجة ويعتبر أن مسألة الاستعمار لم تُصفَّ، خاصة بعد أن وقع المغرب اتفاقية مدريد مع إسبانيا سنة 1975 إثر المسيرة الخضراء.

إذا، أعتقد الآن أن الجمعية العامة كان يجب عليها أن تغلق الملف في لجنة تصفية الاستعمار دون الحاجة إلى هذه النقاشات المتكررة كل سنة، والتي يظهر منها بوضوح أن السيادة المغربية أصبحت مطلقة في المنطقة.

أما بالنسبة لمجلس الأمن، فطبيعته سياسية، وهو الجهاز الوحيد في المجتمع الدولي المسؤول عن الحفاظ على الأمن والاستقرار والتدخل عند تهديده. وإلى الآن، يُناقش الملف في إطار مقتضيات الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يقوم على المبادئ المنصوص عليها في المادة 33، والتي تلزم أطراف أي نزاع إقليمي معين بتسويته بالطرق الدبلوماسية عن طريق الوساطة والمفاوضات والتحكيم عبر اللجوء إلى المنظمة الدولية.

والمغرب اختار أن تتم هذه العملية بهذه الطريقة وأن تبقى مناقشة الملف حكرا على الأمم المتحدة، وفعل خيراً لأنه أخرج الملف من قبضة منظمة الوحدة الإفريقية التي اضطر للانسحاب منها في سنة 1984، بعد أن تجاوزت المشروعية، رغم أنه كان من اقترح الاستفتاء بالنسبة للإقليم أمام تلك المنظمة، لكنه انسحب عقب الاعتراف بالبوليساريو كدولة، وبالتالي انتهى دورها في هذا الملف.

إذن، الاختصاص الحصري هو للأمم المتحدة، وخاصة لمجلس الأمن. والآن، وبعد ركود الملف خلال بداية الألفية، قام المغرب سنة 2007 بمبادرة جريئة وفريدة من نوعها بتقديم مقترح الحكم الذاتي، الذي جاء مرتكزاً على الضوابط الدولية لممارسة حق تقرير المصير عن طريق الحكم الذاتي. وفعلاً، العالم تقريباً صفق للمبادرة المغربية باستثناء النظام الجزائري.

منذ ذلك التاريخ، أخذ الملف منعطفا آخر خارج الأمم المتحدة، ولكن قرارات مجلس الأمن منذ سنة 2007 وحتى اليوم تشيد بمبادرة الحكم الذاتي وتعتبرها مقترحا قائما على الواقعية والجدية والمصداقية، وربما حتى القرار الذي سيصدر في نهاية شهر أكتوبر سيسير في الاتجاه ذاته.

وجواباً عن سؤالكم، أعتقد جازما أن الوقت قد حان، خاصة بعد انتهاء هذه الفترة، أن يتحرك المغرب بوسائل جديدة لمقاربة الملف، وأول هذه الوسائل هو مزيد من الدعم لعمليات الاعتراف المتوالية بسيادة المغرب على الصحراء، خاصة وأن دولاً مهمة اليوم اعترفت رسميا بذلك.

ولا أظن أن هناك اعترافا سيكون أكثر أهمية من ذلك الذي قام به إيمانويل ماكرون، رئيس فرنسا. ففي رسالته التي بعثها إلى العاهل المغربي جاءت عبارات بليغة جدا، وأهمها في اعتقادي إشارته إلى أن الجميع يجب أن يدرك بأن حاضر الصحراء ومستقبلها لن يكون إلا في إطار السيادة المغربية.

هذا بحد ذاته ضربة قوية لكل خصوم الوحدة الترابية، لأنها لا تعني فقط الاعتراف المباشر والصريح بالسيادة المغربية على الصحراء، بل تقوم على مبدأ الاندماج في هذه العملية من خلال التعاون المثمر مع المغرب، وخاصة في إقليم الصحراء.

وأكاد أكون جازما بأن زيارة الرئيس ماكرون إلى المغرب نهاية هذا الشهر ستكون مرتبطة بتقدم العديد من المؤسسات الفرنسية الكبرى للمساهمة في إنعاش الصحراء، وهناك مشاريع كبرى قد تستفيد منها حتى الشركات الفرنسية، مثل مشروع خط السكك الحديدية الذي سيربط الصحراء بشمال المغرب، والمشاريع الخاصة بالكهرباء والطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر، والمشاريع المرتبطة بالصيد البحري، والقائمة طويلة، وأعتقد أن هذا ميدان للاستثمار المشترك لن تكون له حدود.

اليوم، من واجب الأمم المتحدة أن تطوي ملف مينورسو، خاصة بعدما طُوي الحديث عن تنظيم الاستفتاء، وكذلك الملاحظ أن قرارات مجلس الأمن لم تعد تتضمن أي عبارات تتعلق بتنظيم الاستفتاء أو تقرير المصير بشكل مباشر.

وقرارات مجلس الأمن اليوم تتحدث عن الحل السياسي القائم على التفاوض وتشيد بالحكم الذاتي، لكنها في الوقت نفسه تؤكد أن الحل السياسي يجب أن يكون واقعياً وجاداً ومبنيًا على المصداقية، الصفات ذاتها التي وصف بها مجلس الأمن مقترح الحكم الذاتي المغربي. إذاً، إذا ربطنا ذلك ربطاً جدلياً، سنصل إلى نتيجة واحدة وهي أن مجلس الأمن أيضاً يثمن الحكم الذاتي، خاصة أن فرنسا، التي كانت تدعم هذا المقترح منذ عقود، اليوم تعترف رسمياً بمغربية الصحراء.

فرنسا عضو فاعل في مجموعة أصدقاء الصحراء، ورغم أن الولايات المتحدة هي التي تتولى صياغة القرارات، إلا أن الولايات المتحدة نفسها اعترفت رسمياً بمغربية الصحراء. وهما عضوان أساسيان في مجلس الأمن.

أيضاً، فرنسا ترتبط في إطار مجموعة الفرنكوفونية بحوالي 80 دولة، منها 54 دولة عضواً كامل العضوية، وحوالي 25 عضواً بصفة مراقب؛ وباريس إذاً تشكل مجالاً خصباً لدعم هذا التطور الجديد وهو الاعتراف الرسمي بمغربية الصحراء.

واليوم، سيصل عدد الدول التي لها قنصليات في إقليم الصحراء إلى 30 دولة، وأعتقد أنه عندما نصل إلى هذه الوضعية، سيكون على الأمم المتحدة، أو بالأحرى على مجلس الأمن، أن يطور أسلوب إصدار قراراته وأن يقر في المستقبل القريب بأن السيادة المغربية ثابتة، ويطلب من المجتمع الدولي الانضمام إلى هذا التيار القوي بهذا الخصوص. واليوم، حوالي 110 دول تعتبر الحكم الذاتي الوسيلة المثلى لتسوية هذا النزاع المفتعل.

قُبيل أيام وبعد مشاورات بين بوريطة ووزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، جددت واشنطن دعمها للحكم الذاتي، باعتباره حلا جادا وموثوقا وواقعيا. هل يمكن أن يتطور موقف واشنطن مستقبلا؟ وماذا يتطلب ذلك؟ وهل عودة دونالد ترامب تفيد مصالح المغرب في ملف الصحراء المغربية؟

إسبانيا وصفت الحكم الذاتي بأنه المقترح الأكثر جدية والأكثر مصداقية والأكثر واقعية، وألمانيا سارت في اتجاه قريب من ذلك، كما أن الدنمارك لاحظنا أنها ذهبت أيضا في اتجاه مماثل، ولكن كل من الولايات المتحدة وفرنسا هما اللذين جهرا بصوت مرتفع بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء.

الكثيرون كانوا يقولون إن الولايات المتحدة، بعد قرار الرئيس ترامب وصدوره وتسجيله في السجل الفيدرالي الذي يُعتبر بمثابة الجريدة الرسمية في الولايات المتحدة، ووضع الخريطة الكاملة للمغرب في القنوات الأمريكية وبالمجال الإعلامي، (كانوا يقولون) إن هذا حلم وسيختفي، ولكن بعد مجيء بايدن سُفهت أحلامهم لسبب بسيط، وهو أن بايدن عندما تولى السلطة نشر لائحة بالقرارات التي اتخذها ترامب، وينوي هو شخصياً إلغاءها. وكان من بينها القرار القائم المتعلق ببناء الجدار الذي يفصل الولايات المتحدة عن المكسيك، بالإضافة إلى القرار المرتبط بمنع ما يسمى بالحالمين، وهم الأشخاص الذين عاشوا في الولايات المتحدة وكبروا دون أن يحصلوا على الجنسية الأمريكية، وأصبح البعض منهم مهدداً بالطرد من الإقليم، لكن لم يأتِ ضمن هذه اللائحة، التي تضم 16 قراراً، موضوع الصحراء.

الآن، تكاد أربع سنوات تكتمل، والإدارة الأمريكية تتعامل مع الموضوع في إطاره الأصلي وهو استمرار الاعتراف. لكن حقيقةً لم يتم تفعيل وفتح القنصلية كما كان منتظراً، ولم تقم مثلاً وكالة التنمية الأمريكية بمتابعة مشروعها الخاص بالمساعدة، إذ كان هذا المشروع يرتكز على تقديم خمس مليارات دولار في البداية، على أساس فتح لائحة طويلة لا تهم فقط إقليم الصحراء، بل تشمل أيضاً منطقة إفريقيا الغربية، على اعتبار أن المغرب سيكون بمثابة منصة استراتيجية لدعم هذا التعاون الأمريكي مع باقي بلدان القارة.

وهذا كان واضحاً أيضا فيما يتعلق بمناورات الأسد الإفريقي التي ينظمها المغرب مع الولايات المتحدة بمشاركة أكثر من 20 دولة، وسواء تعلق الأمر بدونالد ترامب، الذي أضحت حظوظه تتضاءل بعد انسحاب بايدن، أو بكامالا هاريس، التي تتبنى مبادئ بايدن نفسها في ممارسة السلطة، أعتقد أن المملكة أصبحت الآن تثبت بشكل خاص أن مركزها قوي بصفتها قوةً إقليمية، حتى في دعم مصالح البلدان الكبرى في هذه المنطقة من العالم، وأثبتت أن بإمكانها أن تكون طرفاً ووسيطاً بين البلدان الإفريقية وبين كل هذه البلدان التي تحاول أن تستثمر وتتعايش مع الأفارقة، بما في ذلك الصين الشعبية. ويكفي أن نطلع على المشاريع الكبرى التي تستثمر فيها بكين في شمال المغرب، خاصة ما يتعلق بصناعة البطاريات وربما عدة مشاريع أخرى أكبر من ذلك بكثير.

الشيء نفسه بالنسبة لأوروبا؛ إذ إن فرنسا الآن دفعتها أحداث ما بعد انسحابها من منطقة الساحل ومنطقة إفريقيا الغربية إلى تصحيح أخطائها، فقد تبين لها بوضوح أنها خسرت الكثير في إفريقيا، وأصبح هناك أشياء أخرى مهددة، بما في ذلك هيمنتها النقدية عبر الفرنك الإفريقي على أصول وضمانات البلدان الإفريقية المتعلقة بعملاتها، فالبلدان التي شهدت انقلابات تنكرت للدور الفرنسي، وهو ما جعل باريس تشعر بأنها في حاجة إلى طرف وسيط ليعزز هذا الحضور، وتبين لها أن الطرف الوحيد الذي يمتلك الإمكانيات اللوجستية والموانئ ووسائل النقل الجوي والبنوك هو المغرب، وبالتالي، تعود فرنسا من هذه النافذة، وارتأت أن تكون الرباط طرفاً رئيسياً في تعاونها مع إفريقيا.

وأظن أن العاهل المغربي اتخذ موقفا بالغ الجرأة عندما بادر في خطاب شهير إلى القول إن على العالم أن يعلم أنه بالنسبة للمغرب، قضية وحدته الترابية هي المنظار والمعيار الدقيق الذي تُحتسب به مصداقية الصداقات ونجاعة الشراكات.

بخلاصة، من وجهة نظرك، لماذا ترفض الجزائر المشاركة في الموائد المستديرة، رغم دعوة الأمم المتحدة المتكررة لها، والتي كان آخرها ضمن تقرير للأمين العام للأمم المتحدة، والذي سيتم مناقشته ضمن جلسات مجلس الأمن المبرمجة في أكتوبر الجاري؟

للأسف، النظام الجزائري اليوم تديره المؤسسة العسكرية، وبالتالي مواقفه لا تنبع من قناعة ذات مرجعية قانونية أو منطقية، بل تكمن فقط في شيء وحيد وهو رفض كل ما يأتي من المغرب، وربما ينظر إلى المغرب بطريقة فوقية، لأنه إذا لاحظنا التصريحات التي يعبر عنها مسؤولون جزائريون، فقد أصبحوا يقولون إن الجزائر قوة ضاربة، وهذا في حد ذاته استعمال غير منطقي وغير دبلوماسي لمفهوم القوة، فالقوة الضاربة تعني أنها ستمارس العدوان وستستخدم القوة بطريقة ما.

ربما تراجعوا أخيراً عندما أدركوا أخطاءهم في هذا الخصوص، لكن أكثر من ذلك، أشعر أن هذا الشيء كان موجوداً حتى منذ عهد الرئيس بوتفليقة، لأنه هو الآخر لم يكن يمتلك زمام الأمور في اتخاذ القرارات.

النظام العسكري ينظر إلى أن قوة الجزائر لا تكمن إلا في ضعف محيطها، وأن هذا المحيط لا يرى فيه هذا النظام إلا المغرب، وبالتالي، يفتح نافذة واسعة لتعزيز الصراع في مواجهة المملكة وسيلة للحفاظ على مصالحه في الداخل الجزائري.

هذه عملية أصبحت الآن معروفة، لكن الخطأ الأكبر في هذه العملية من طرف النظام الجزائري هو أنه صار يصعد بشكل لم يسبق له مثيل حتى بين الكوريتين الجنوبية والشمالية، فبعد إغلاق الحدود عام 1994، ومحاولة فتحها عام 2004 ثم إعادة إغلاقها، بلغ به الأمر أن يمنع مرور الطائرات المدنية، وبطبيعة الحال العسكرية، فوق ترابه، بما في ذلك طائرات المغاربة الذين يتوجهون إلى بيت الله لأداء الحج والعمرة. وهذا شيء خطير.

أكثر من ذلك، عمد النظام الجزائري إلى قطع العلاقات الدبلوماسية، وقبل أيام، أصدر قرارات سخيفة، منها فرض التأشيرة على المواطنين المغاربة، زاعماً أن جواسيس صهاينة أصولهم مغربية سيحصلون على جوازات سفر مغربية، ومن خلالها سيخترقون النظام الجزائري، معتصماً بحجج واهية عن اعتقال شخصين أو ثلاثة، ليس حتى في الجزائر العاصمة، بل في تلمسان وهي مدينة ليس بها مؤسسات اتخاذ القرار.

هذه قرارات سخيفة ولا يمكن أن يقبلها عقل بأي حال من الأحوال، وبالتالي فإن رفض المشاركة في الموائد المستديرة يدخل في هذا المجال، وربما يدخل في مجال آخر، وهو أن الجزائر تريد أن تظهِر أمام العالم أنها تدافع عن مبادئ سامية مثل حق تقرير المصير، وبالتالي فهي لا تتورط في هذه العملية بما في ذلك المفاوضات، لكنها تنظر بنظرة ما يسمى بسياسة النعامة، لأن هذه الأخيرة تدفن رأسها في الأرض وتظن أن لا أحد يرى جسمها، وفي الحقيقة الجزائر مفضوحة لدى الجميع؛ فهي التي أسست البوليساريو وهي التي منحتها موطناً في عقر دارها، وهي التي زودتها بكل الوسائل اللازمة، ولا تسمح لأي رصاصة أو قنبلة بالخروج من قلب تندوف إلا بموافقة الدرك والمخابرات الجزائرية.

هذه الأعمال تتجاوز كل المقاييس وتضرب في العمق مبادئ حسن الجوار، وحتى الاتفاقية التي وقعت بين بلدان المغرب العربي لبناء هذا الصرح المغاربي، التي تنص على أنه لا يحق لأي دولة من بلدان المغرب العربي تسليح جماعات معينة مثل الجماعات المسلحة للقيام بأعمال عدوانية تجاه الطرف الآخر.

والاعتداءات التي تحدث كل يوم، ولولا الفطنة التي تتمتع بها القوات المسلحة الملكية، لحدثت مجدداً أحداث مثل تلك التي عرفتها المنطقة أواخر السبعينات من القرن الماضي.

لكن، نحن متفائلون دائماً بالخير، لكن التفاؤل ينبغي أن يكون مطبوعاً بنوع من الحذر، لأنه علينا أن ندرك جيداً أن صراعنا ليس مع البوليساريو، بل هو مع النظام الجزائري، ولو لم تكن قضية الصحراء لاختلق هذا النظام قضايا أخرى لمواجهة المغرب.

وكما قلت قبل قليل، المغرب بالنسبة للنظام الجزائري بمثابة نافذة يرى فيها أن الصراع معه ضروري لبقائه على قيد الحياة.

بعد موقفي مدريد وباريس المتقدمين، البعض تحدث عن بداية نهاية جبهة البوليساريو الانفصالية، هل توافق هذا الرأي؟

لا أظن أن قضية البوليساريو ستنتهي بهذه السرعة، لكن ما أنا شخصياً متأكد منه بكل يقين هو أن قضية الوحدة الترابية تجاوزت تلك الشكوك التي كانت تحيط بها سابقاً في مرحلة من الزمن، وأصبحنا نتجه نحو منطقة الاستقرار بشكل عقلاني وديناميكي ومستمر.

يكفي أن نشير إلى عملية تراجع الاعترافات بالبوليساريو على الصعيد الدولي، ويكفي أن عدد البلدان التي أقرت بصلاحية الحكم الذاتي نموذجا لتحقيق السيادة المغربية تجاوز 100 دولة، ويقترب الآن من 110 دول، كما يكفي أن نلاحظ هذا العدد المهم من القنصليات التي افتتحت في كل من الداخلة والعيون.

ويجب أيضاً أن نلاحظ الإشادة التي بدأ مجلس الأمن يصرح بها في ما يتعلق بفرعي المجلس الوطني المغربي لحقوق الإنسان في كل من الداخلة والعيون في حماية حقوق الإنسان، ويكفي كذلك أن نلاحظ أن التوازن العسكري، ورغم أن الجزائر اليوم هي أول دولة تستورد السلاح في مجمل القارة الإفريقية، إلا أن الجيش المغربي معروف لدى الجميع، والأمريكيون والفرنسيون وحلف الناتو يعترفون بقوة الجيش المغربي رغم قلة وسائله العسكرية وتجهيزاته مقارنة مع الجارة، لكنه جيش مكون على مستوى تكنولوجي رفيع.

ونعلم جيداً أنه حتى الحرب، لا قدر الله، إذا انطلقت، ليست الأسلحة وتكديسها هي التي تحقق التفوق، بل القدرات القتالية والإيمان بالقضايا التي ندافع عنها. وأعتقد أنه؛ لا قدر الله، لو وقعت صراعات في هذا المجال، لكان كل مغربي مستعداً لحمل السلاح والدفاع عن وطنه. ويكفي لمن أراد البحث عن الحجة أن يعود إلى مطالبة الحسن الثاني بتنظيم المسيرة الخضراء، وكيف أن تقريباً كل المواطنين المغاربة لبوا الدعوة وطالبوا بأن يكونوا مشاركين، لكن ما دام العدد كان قد حدد في 350 ألف شخص، فقد اكتفي بهم.

الجميع كان يعلم أنهم ذاهبون إلى أراضٍ مقفرة وإلى صحراء وإلى أوضاع قد لا يتمكنون فيها من الحصول على وسائل الراحة والعيش الكريم، ومع ذلك قاموا جميعاً كرجل واحد وانطلقوا، وحتى عملية النقل كانت في شاحنات ربما منها ما هو مهترئ أو قديم، وبالتالي، كما يقول المثل: “ألا لا يجهلن أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلين”.

ربما ما يحدث في الشرق الأوسط والأحداث الأخيرة أظهرت أن هناك شيئاً ما يجري في هذه المنطقة، وأن علينا جميعاً، بما في ذلك النظام الجزائري، أن يأخذ العبرة مما يحدث هناك، وأن يعترف بأنه أخطأ بشكل قاتل عندما منع بروز الاتحاد المغاربي كقوة إقليمية، لأننا لو استطعنا أن نبرز على الأقل كقوة إقليمية (5 دول مغاربية)، لما بقينا في ظل هذا النوع من الصراع، وكان بإمكاننا أن نكون طرفاً في هذه العلاقات وأن نفرض الكثير من مواقفنا، لأننا سنشكل قوة إقليمية بما في الكلمة من معنى.

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة