أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةرآيالعبور الكبير.. 

العبور الكبير.. 

يونس جنوحي

كم عدد محاولات النزوح الجماعي من دول إفريقيا جنوب الصحراء نحو إسبانيا، خلال السنوات العشر الأخيرة على الأقل؟ محاولة الجواب عن هذا السؤال، حتى لو توفرت بشأنه معطيات دقيقة -وهو أمر مستحيل طبعا- سوف تكون أشبه بمحاولة عد شعر الرأس.

الهجرة دائما، وفي كل مكان، مُحرك أساسي للمأساة والقصص الإنسانية التي يلتقي فيها البحث عن مستقبل أفضل، مع مشاكل الجغرافيا وتعقيدات الإدارة.

ما وقع هذه الأيام في منطقة الفنيدق، يُعري واقعا مريرا تعيشه المنطقة ويعاني معه الأهالي الذين يستيقظون كل صباح على محاولات الهجرة ونشاط العصابات التي تُهرب البشر عبر المضيق البحري نحو سواحل إسبانيا، والنصابين والمحتالين الذين يجمعون من الضحايا الأموال ويختفون عن الأنظار.

تخيلوا مدى تأثير خطاب أستاذ للتعليم الإعدادي وحتى الابتدائي، على تلاميذ قاصرين ينحدرون من هذه المناطق، وهم يرون يوميا المرشحين للهجرة، يحاولون العبور نحو سبتة، أو يحاولون ركوب البحر مباشرة في اتجاه إسبانيا. كيف سوف يُقنع هذا الأستاذ أو الفاعل الجمعوي، هؤلاء القاصرين والشباب بالبقاء في محيط جغرافي محكوم عليه أن يكون منطقة استعداد للعبور نحو «النعيم الأوروبي».

قبل أن تتجه الأنظار هذه الأيام نحو الفنيدق، هناك فاعلون جمعويون من أبناء المنطقة لا أحد يلتفت إليهم، رغم أنهم يراسلون بانتظام عشرات الصحف والمنظمات بشكل دوري ومتكرر، بشأن الواقع الاقتصادي والإنساني الذي يفرضه توافد جحافل المرشحين للهجرة السرية -التي لم تعد كذلك بالمناسبة- وحتى عندما انتشرت صور الموقوفين كالنار في الهشيم، لم يحاول أحد أن يمنح الكلمة لأبناء المنطقة للوقوف على ما يعيشه سكان نقطة العبور من مشاكل.

قبل سنوات قليلة فقط، قامت الدنيا ولم تقعد في أوساط المثقفين الإسبان عندما صدر فيلم سينمائي، بإنتاج إسباني ودعم من منظمات الاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة، يحكي قصة طفل صغير ينحدر من إفريقيا جنوب الصحراء، مات والده وهو يحاول العبور عبر السياج نحو سبتة، بضربة على الرأس تلقاها من حارس أمن إسباني.

وعندما مات الوالد اضطر الطفل إلى أن يحاول مع أخته الصغيرة أن يعبرا معا، وهنا وقعت مأساة أكبر. إذ إن القاصرين معا غُرر بهما لكي يحاولا التسلل عبر المطار والانحشار في هيكل الطائرة، في المكان الذي تستقر فيه العجلات بعد الإقلاع.

تنخفض درجات الحرارة إلى ما يقارب سبعين درجة تحت الصفر عندما تصل الطائرة إلى الارتفاع المطلوب في الرحلات الجوية الطويلة، وهو ما تسبب في وفاة الأخت، ونجا الطفل الصغير لأنه كان يحتمي بها طوال الرحلة، ليبقى بجسده النحيل والمُنهك، دليلا إنسانيا على مدى المعاناة التي يعيشها النازحون من أماكن الحروب، والتي عادت ما تتسبب فيها الدول الأوروبية، والجفاف والمجاعات.

المغرب يبقى القِبلة الأولى والمفضلة، لاعتبارات كثيرة، لأغلب المرشحين للهجرة السرية. وسبق لمنظمات دولية أن نددت بما وقع لمواطنين ينحدرون من دول جنوب الصحراء، عندما وصلوا إلى الجزائر، فقد حملتهم السلطات الجزائرية في أكثر من مناسبة في حافلات مهترئة، ورمتهم على الحدود وسط الصحراء في ظروف قاسية، نجا بعضهم منها بأعجوبة.

يحدث هذا في وقت يقيم فيه آلاف المرشحين السابقين للهجرة في المغرب، بل واختاروا أن يستقروا بين المغاربة ويبحثوا عن لقمة عيش هنا، بدل المغامرة التي تكلف المُرشح حياته التي تبقى أغلى من مستقبل على الضفة الأخرى من اليابسة.

سوف يكون علينا في السنوات المقبلة أن نتعامل مع جيل آخر من القاصرين الذين تأثروا بدعوات العبور والقفز على السياج للوصول إلى سبتة، وسوف يستمر هذا المسلسل ما دامت أضواء «أوروبا» تتراقص من بعيد، وما دامت أوراق «اليورو» تساوي رُزما من العملات الأخرى.

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة