هشام القرنافي
رفضت محكمة العدل الدولية الدعوى المقدمة من الجيش السوداني ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، كما شطبت القضية أيضاً، مشيرة إلى أنه “لا يمكن للمحكمة إصدار التدابير المؤقتة التي طلبها السودان ضد الإمارات”.
وبناء على هذا القرار سيتم رفع القضية من سجل المحكمة، وإنهاء كافة الإجراءات المتعلقة بها بشكل رسمي.
وشددت نائب مساعدة وزير الخارجية للشؤون السياسية ممثلة دولة الإمارات أمام العدل الدولية، ريم كتيت أن الإمارات ملتزمة بدعم الحلول السلمية وتعزيز الاستقرار في المنطقة، مؤكدة أن أبوظبي ليست طرفاً في النزاع المسلح في السودان ولا تقدم أي دعم لأي طرف مما يجعل الإدعاءات الموجهة ضدها لا أساس لها من الصحة.
وقالت إن اتهامات القوات المسلحة السودانية تهدف إلى تشويه صورة الدولة من دون أدلة ملموسة.
محاولة لصرف الانتباه
دعوى الجيش السوداني ضد الإمارات العربية المتحدة، ينظر اليها كمحاولة لصرف الانتباه عن الانتهاكات التي ارتكبها الجيش السوداني والقوات المتحالفة مع بحق المدنيين، خلال الأشهر الأخيرة والحرب المستمرة منذ منتصف إبريل الماضي، حسب مراقبين.
وقال وزير العدل السوداني السابق نصر الدين عبد الباري، في وقت سابق، إن الشكوى، خطوة “منافقة من مؤسسة يُفترض أن تحسب تاريخها الطويل في ارتكاب الإبادة الجماعية، مشيرا إلى أنه على الرغم من أن القضية تحمل بعض الجوانب القانونية الجديدة، إلا أنها في نهاية الأمر ذات دافع سياسي بحت، وتفتقر إلى المصداقية الأخلاقية، نظرًا لسجل القوات المسلحة السودانية الطويل في ارتكاب فظائع الحرب.
وقالت منصة «أتلاير» المعلوماتية في تقرير نشرته إبريل المنصرم، إن الجيش السوداني يحاول التغطية على سجله الدموي عبر شكواه المقدمة ضد الإمارات للمحكمة الجنائية الدولية.
وأضافت نقلًا عن بعض المراقبين فإن قيادة الجيش السوداني قد رفعت شكوى ضد الإمارات العربية المتحدة لدى محكمة العدل الدولية في لاهاي، في محاولة منهم للتغطية على “جرائم الحرب” التي ارتكبها الجيش منذ اندلاع الأزمة في منتصف أبريل 2023.
وأشار التقرير، إلى أنه وبالتزامن مع تقدم الجيش نحو الخرطوم، ارتُكبت مجازر فظيعة بحق المدنيين في غضون شهر واحد فقط، خلّفت مئات القتلى، الذين تعود جذور معظمهم إلى إقليم دارفور.
من جهة أخرى، قال المحلل السياسي السوداني سليمان سري في تصريح، ” إن خطوة اللجوء إلى محكمة العدل مثلت مفاجأة سلبية للشعبين السوداني والإماراتي، وأثارت التساؤل عن توقيتها ودوافعها الحقيقية، لأن العلاقات بين الدول مبنية على المصالح المشتركة”، مؤكدا أن” اللجوء إلى محكمة العدل هروبا من معالجة جذور الأزمة وتغذية رواية المؤامرة الخارجية، بدلاً من الوقوف أمام الذات ومواجهة الأخطاء البنيوية التي أوصلت السودان إلى هذه الحالة الكارثية”.
وقال إن السودان “يمر بمنعطف خطير يتمثل في وجود شبح التقسيم الذي يلوح في الأفق، والأولوية لوقف معاناة الشعب وحماية المدنيين بصورة عاجلة، وأن العودة إلى التفاوض عبر منبر جدة يجب أن تكون من الأولويات للوصول إلى اتفاق ينهي الحرب ويفضي إلى الدخول في عملية سياسية تقود إلى انتقال سلمي ديمقراطي.”
وخلص إلى أن “اللجوء إلى محكمة العدل الدولية يأتي في وقت تستمر فيه الاستثمارات الإماراتية داخل السودان، ما يؤكد أن الشراكات الاقتصادية قائمة ولم يتم تجفيفها، ودولة الإمارات لم تتخذ خطوات تصعيدية تجاه وقف التعاون الاقتصادي.”
منشآت مدمّرة
ومع دخول الحرب عامها الثالث، دمرت العديد من المنشآت الحيوية بالبلاد، وكانت المنظومة الصحية بالسودان، قد انهارت بشكل مأساوي، تاركة المرضى والمصابين، بين مخالب الموت، وفق ما أكدت تقارير.
وأكدت تقارير، أن غارات الجيش السوداني استهدفت بعض المنشآت الخدمية كالمستشفيات الواقعة في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، أبرزها مستشفى شرق النيل أكبر المستشفيات في مدينة الخرطوم بحري، والتي خرجت عن الخدمة بعد تدمير أجزاء واسعة منها نتيجة قصف جوي في مايو/ أيار 2023.
كما طالت مستشفيات “ابن سينا” في الخرطوم، ومستشفى البراحة بالخرطوم بحري، بالإضافة إلى مستشفيات الضعين ونيالا بدارفور، كما تعرض مستشفى “بابكر نهار” للأطفال بالفاشر للقصف.
غارات الجيش السوداني، شملت مصفاة النفط الرئيسية للبلاد والواقعة في منطقة الجيلي شمالي مدينة الخرطوم بحري، مما أدى لتدمير أجزاء واسعة منها بما فيها المستودعات الرئيسية والخطوط الناقلة.
وبعد القصف الأخير لمصفاة الجيلي وهو الأكبر من نوعه، حذر مهندسون سودانيون، من وقوع كارثة إنسانية حال استمر الجيش السوداني في قصف المصفاة؛ لأن الأثر المتوقع للانفجار يتعدى عشرات الكيلومترات المربعة، مما يهدد حياة عشرات الآلاف من السكان.
وأكدت نقابة المهندسين السودانيين، أن الانفجار يهدد أيضًا كل أشكال الحياة الأخرى في دائرة محيطه، وأن الأثر البيئي سيكون كارثيًّا ومدمرًا وسيمتد لمئات الكيلومترات بفعل تيارات الهواء والمياه، مشيرة إلى أن قصف مصفاة النفط يتسبب أيضًا بخسائر مدمرة لما تبقى من اقتصاديات السودان، سواء على المستوى المادي المباشر من إتلاف مليارات الدولارات، أو من تمدد الآثار السلبية على إثر توقف الإنتاج المحلي للبترول المكرر، وغاز الطبخ، وغيرها من المشتقات التي تستخدم في الزراعة، والإنتاج، والنقل، وغيرها من قطاعات الإنتاج والخدمات.
جاء ذلك، بعدما تعرضت عدة آبار نفط بولاية شرقي دارفور لأعمال حرق وتخريب، وسط اتهامات للجيش السوداني بالوقوف وراء هذه الأعمال، خلال مايو 2024.
واحترقت إثر ذلك، البئر النفطية في حقل “سفيان” في محلية أبوكارنكا في ولاية شرقي دارفور، إضافة إلى حقل “زرقة أم حديدة” المشترك بين ولايتي شرقي دارفور وغربي كردفان.
ودمر طيران الجيش، برج شركة النيل للبترول في الخرطوم، كما دمر مستودعات النفط في منطقة اليرموك إبّان احتدام المعارك حولها في يونيو/ حزيران العام 2023.
وفي يونيو من العام الماضي قصف الجيش محطة بحري الحرارية للكهرباء، مما تسبب في حريق شب باتجاه البوابة الجنوبية مقابل المحطة الغازية واتسع نطاقه ليشمل جميع أجزاء المحطة.
ويبلغ إجمالي سعة محطة بحري الحراريةبحسب تقرير نشرته المحطة470 ميقاواط، بينما يبلغ إجمالي الطاقة التي يتم توليدها 450 ميقاواط من بينها 325 بخاري و125 غازي.
وطالت الغارات الجوية التي يشنها طيران الجيش السوداني، مصادر المياه، ما أدى لتدميرها تمامًا في عدة مواقع، خصوصًا مناطق الرعاة الرُحَّل في شمال دارفور.
وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، إن 70% من مرافق المياه في 13 ولاية سودانية من أصل 18، تعرضت لأضرار جسيمة نتيجة تدمير البنية التحتية بسبب النزاع المستمر في البلاد.
وأشارت إلى أن الأضرار شملت محطات معالجة المياه، والآبار، وخزانات التخزين، وشبكات النقل، مما أدى إلى حرمان نحو 9 ملايين امرأة وطفل من الحصول على مياه شرب آمنة في منازلهم ومدارسهم ومرافقهم الصحية، الأمر الذي يُفاقم الأزمة الإنسانية في السودان.
ودعت إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المتضررين، محذرةً من التداعيات الخطيرة لاستمرار نقص المياه الصالحة للشرب على الصحة العامة، خاصة بين الأطفال.