أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةرآيموقعة الجمل وانتكاسة تطور الفكر السياسي للمسلمين

موقعة الجمل وانتكاسة تطور الفكر السياسي للمسلمين

برامان.كوم – محمد الخمسي*

لقد عجزت الانساق والتنظيمات الدينية في قراءة تاريخ الإسلام قراءة فعل بشري، مهما كان من صنعه أو شارك في أحداثه، وتظل معركة أو موقعة الجمل إحدى المعضلات والمعيقات التاريخية لتطور الفكر السياسي لدى المسلمين. فقد روت كتب التاريخ والسير أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ومجموعة من كبار الصحابة، على رأسهم طلحة والزبير والمغيرة بن شعبة وسعيد بن العاص واخرون، وكثير من قبائل بني الضربة وبني عدي وقيس العود واخرون، خرجوا مسافة كبيرة تستغرق زمنا للتفكير والتشاور، فقد كان الانطلاق من مكة والاتجاه نحو البصرة ولهم مطلب يحمل ثلاثة قراءات:
1- العدل من خلال القصاص المتمثل في دم عثمان بن عفان رضي الله عنه.
2- اعتبار أن قتلة عثمان من جهة علي رضي الله وبالتالي سيكون الصراع والقتال ضده.
3 – اصطفاف القبائل إلى جانب الصحابة المنتمين لهم، بمعنى أنه انكمش القتال وانتقل من راية الإسلام في حروب الردة، إلى قتال تحت راية الانتماء للقبائل وتحالفاتها مبكرا، وهي حقيقة أغلق باب التفكير فيها، وتناولت كتب الامر من باب صرف العقول عن ذلك اي عن مل قراءة وفهم وتحليل، وكان ذلك من باب تنزيه الصحابة وتأويل التاريخ ( كتاب العواصم من القواصم ابي بكر بن العربي نموذجا) وهكذا فقد أصبح الصراع على الخلافة ذا طابع سياسي مبكرا، يستشهد فيه عند الاصطفاف بتأويل النصوص، لحشد المواقف.
من الحقائق أيضا أن هذه الموقعة تركت ما يقرب من 2500 من القتلى وكان القتل من بني عدي والاسود وبني الضربة وكثير من سائر الناس وهو عدد في زمانه وظروفه يعكس البأس الذي تقاتل به الفريقين؛ وسعى كل واحد أن يجهز على الآخر، وكان من النكسات السياسية لهذه الموقعة:
1- محاولة سلب عائشة أم المؤمنين من طرف من سموا بعد ذلك بالسبئين وحاولوا قتلها مرتين، وقد نجت بأعجوبة من هذه المعركة، ويفسر هذا الحدث أن الصراع وصل حد حضور مشهد الموقعة عن قرب كبير من إحدى أمهات المؤمنين.
أصبحت مجموعة من القيم محل اختبار مبكرا ، ومن طرف الصف الأول ممن دخلوا الإسلام.
ظهر فقه ترشيد من طرف علي رضي الله عنه، فقد سألوه هل أخطأ أصحاب الجمل؟ وقالوا المشركون هم؟ أو أنهم من القوم لم يذكروا الله إلا قليلا؟
فكان جواب علي المشهور هم اخواننا بغوا علينا وفي هذه اللحظة ظهرت قاعدة ذات طابع سياسي أن البغي من طائفة من المؤمنين على طائفة لا يقتضي ذلك سحب الايمان عنها أو تجربدها منه.
أن من أهم الدروس التي وقع القفز عليها وعدم الوقوف عندها، أن مبدأ الشورى وان كان مؤكدا بالقرآن الكريم، فقد ترك الوحي للمسلمين ابداع وإيجاد آلية تنزيله، بل ترك لعقولهم وايمانهم وخلقهم التوافق على أداة سلمية لتدبير الصراع والخلاف واختيار الطرق السلمية للحسم وهو ما عجز عنه المسلمون طيلة تاريخهم.
نستنتج أيضا من هذه المعركة أن الإسلام انتصر على الشرك في جزيرة العرب، الا أن قيم القبيلة والعصبية حضرت بقوة عند بناء النظام السياسي في هذه الجزيرة، وامتدادها مبكرا، وفي تحليل بنية الاصطفاف، سيجد المتأمل أن جدورها كانت قبل دعوة الإسلام، بمعنى أن التحالفات السياسية تحددت من خلال ما كانت قائمة عليه قبل دعوة الاسلام. ولكن الأخطر من ذلك هو ظهور حركات عقدية فكرية سياسية، ستبدأ في صناعة بعض الأحاديث وتوظيفها من أنصار هذه الفئة أو تلك، والتي لازالت مثير من الانساق والتنظيمات تستعملها لبناء التنظيم وحمايته من التصدع أو الانشقاق، وتخشى عملية النقد والسؤال، ولعل اكبر معضلات نتجت عن موقعة الجمل ثلاثة تحديات:
التحدي الأول: اي الفريقين كان على الحق أو على الباطل، وما قد يترتب عن ذلك من جزاء في الاخرة؟
التحدي الثاني : كيف يستطيع المسلمون إدارة الخلاف أو الصراع دون اللجوء إلى السبف؟
التحدي الثالث: من هم ال البيت وما علاقتهم بنظام الحكم؟
ويكفي الإشارة أن بعد هذه المعركة ظهرت مجموعة من الفرق التي انطلقت كنتيجة لهذه الموقعة و يكفي الإشارة إلى أشدها دموية وعنفا في الإسلام، وهم الخوارج الذين انشقوا عن مجموعة أعلنوا خروجهم عن علي بن أبي طالب، وأنشأوا نظرية بلغت من التطرف والغلو شيئا مرعبا دمويا، ابتداء بمصير الناس في الوعيد و قالوا بتكفير العصاة وتخليدهم في النار حسب تعريفهم للعصاة، واتخذوا من تكفير المسلمين مبررا للخروج على كل سلطة سياسية جامعة للصف أو منظمة للمجال السياسي، بل استباحوا دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم بغير حق، وقصروا الإيمان على طائفتهم، أو فرقتهم والناظر في كثير من الجماعات المسلحة المعاصرة سيجد روح هذا الفهم المنحرف مبكرا في تاريخ الاسلام تسري في إدراكهم وفهمهم.
لحل هذه المعضلة وظفت التنظيمات الدينية والسياسية مصطلح أو أداة الحل والعقد واستعملتها بمعاني متمططة، واعتبرتها النواة التي تنوب عن الأمة في تدبير نظام الحكم وإمامهم، غير أن عبر التاريخ لم يكن المبايعة والخلع الا عبر السيف، أو الاغتيال، وبغض النظر عن الشروط التي وضعت تاريخيا، وتتراوح في الأساس بين الذكورة والحرية والعدل وبغض النظر عن قيمة هذه الشروط وبقائها أو تطورها، فإن هذه الآلية نشات فقيرة معطوبة غير قابلة للتنفيد، وذلك للأسباب التالية:
من يختار اهل الحل والعقد؟
كم عددهم أو وفق اي آلية يتم تحديد عددهم؟
ما علاقتهم بالعلماء والفقهاء والوجهاء والزعماء والجيش ورجال التجارة والثراء؟
ما هو دورهم في السلطة السياسية بعد تحديد الامام الحاكم ؟
ماهي آلية محاسبتهم عند ارتكاب ما يترتب عليه الحساب والمسؤولية؟
لقد وقع القفز عن أحداث تاريخية ولم تفتح جراحها ومناقشتها فترتب عن ذلك وهمين كبيرين لدى كثير من التنظيمات والانساق المغلقة:
وجود نظام سياسي قادر على بناء الاستقرار في ظل الحرية والعدالة؟
الخلط بين وجود قواعد عامة لنظام اجتماعي من خلال الوحي ووجود الإنسان بعقله وتجربته ومقرراته الإدراكية في بناء نظام سياسي يناسب وجوده التاريخي وحيزه الجغرافي وخصائص بنيته الثقافية والاجتماعية.
أن عدم الوعي لما وقع في التاريخ، جعل التنظيمات الدينية تعيد إنتاج كثير من العنف سواء المادي أو الرمزي الذي عرفته دولة بني أمية ودولة العباسيين وما انتج بعدهم إلى الآن.

* استاذ التعليم العالي فاس

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن مواقف صاحبها ولا تلزم موقع برلمان.كوم

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة