أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةرآينانسي.. من يعتذر للراية

نانسي.. من يعتذر للراية

نعيمة لحروري

لم يسبق لي أن حضرت حفلات “موازين”، رغم أنني أقيم في الرباط منذ سنوات. ليس تكبرا، بل لأن الصخب لا يطربني، والازدحام لا يغويني، ولو كنت من عشاق الطرب الأصيل والمقامات العريقة. وربما لهذا السبب أيضا، أجدني اليوم أكتب لا بوصف “متفرجة” ولا “حاضرة”، بل بوصف مواطنة رأت في مقطع متداول من سهرة نانسي عجرم أكثر من مجرد ارتباك مسرحي، أو هفوة تنظيمية: رأيت مسا برمز من رموز الكيان المغربي، رايتنا.

المشهد الذي بدا للبعض “عفويا”، لم يكن بريئا. فأن يُدفع العلم الوطني إلى يد فنانة لا تعرف من سياق حضوره شيئا، ولا تبدو معنية بحمله، ولا تنظر حتى إليه، فهذا ليس تكريما للمغرب بل انتقاصا من رمزيته. نحن لا نهدي رايتنا لمن لا يطلبها، ولا نجبر أحدا على رفعها كمن يُجبر طفلا على تقبيل ضيف ثقيل الظل. رايتنا ليست من ملحقات الضيافة، ولا من زينة الكواليس.

الذي حدث فوق الخشبة لم يكن لحظة احتفاء، بل لحظة ارتباك وافتقار للذوق واللياقة. أن يُقحم العلم الوطني في منتصف وصلات غنائية، ويقدم بلا سياق ولا احترام، أمر يثير الأسى. المؤسف أن الراية استُعملت كوسيلة لإنتاج لحظة “مؤثرة” أو “مبهرة”، وكأنها أداة لمراكمة التصفيق والتفاعل، لا رمزا سياديا يُقدم بتروٍ ووقار. هل وصل بنا الأمر إلى هذا الحد من الاستسهال الرمزي؟ هل صار العلم مجرد إكسسوار في مشهد مسرحي لا نعرف كيف نخرجه؟

ثم إن السؤال الأعمق: لماذا لا يُكرّم الفنانون المغاربة أنفسهم على منصات “موازين” بنفس الحفاوة؟ لماذا يُدعى فنان من بيروت ليقف حيث لم يقف بعد كثير من الأصوات المغربية العريقة؟ لماذا نصر على أن الطرب الأصيل لا يباع إلا بلكنة مشرقية؟

بل لماذا نحاول، بكل الطرق، إقناع أنفسنا أن موازين مهرجان عالمي، وهو بالكاد يعبر عن المزاج التسويقي لشركة راعية، لا عن الذوق المغربي؟ لماذا يقصى فنانون مغاربة من برنامجه، وكأننا بلد بلا صوت، أو بلا كرامة موسيقية؟ إن كان لا بد من ميزان، فليكن ميزان عدالة بين من يزرعون الفن في هذه الأرض، ومن يقطفونه ثم يعودون إلى ديارهم محملين بما يفوق الورد والعلم.

لا أحمل نانسي عجرم وزرا كاملا. فقد تكون تصرفت على سجيتها، أو لم تدرك حجم ما وُضع في يدها. لكني أحمل المنظمين مسؤولية هذا الاستسهال، وهذا التساهل، في تقديم رموزنا الوطنية على طبق الإحراج. الأوطان لا تُكرّم بطريقة محرجة. والرايات لا تُمنح لمن لا يسأل عنها.

رايتنا عزيزة. ومن أراد حملها، فليطلبها. لا نهديها لمجرد نغمة مألوفة أو شهرة مستوردة. نحن بلد له فنه، وصوته، ورايته. ومن لا يدرك المعنى، فليُغن في بلده.

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة