أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةرآيإعلان من العصر الحَجري..

إعلان من العصر الحَجري..

يونس جنوحي

من المفارقات العجيبة التي تستحق التأمل فعلا، ما وقع داخل أروقة كلية العلوم في مكناس.

المدينة التي احتضنت أولى المدارس العليا في تاريخ المغرب، وتخرج منها أول فوج للطيارين والتقنيين العسكريين بداية الخمسينيات، ألغي فيها مسلك الرياضيات والذكاء الاصطناعي.

وبدل أن تكون الكارثة واحدة، تمخضت عنها كارثة أخرى! فحتى أغلب الذين طالعوا إعلان إلغاء المسلك، اعتقدوا أن الجامعة ألغت شعبة الرياضيات من أصلها! وهذا يعني أن بعض الطلبة والأولياء لديهم مشاكل عويصة جدا في التواصل، وقد يُخرجون ما لا حصر له من الأخبار الصادمة من إعلان يتيم يكشف إلى أي حد ما زالت الجامعة المغربية معزولة عن محيطها ولا يوجد وصل بينها وبين الخريجين.

ليس من المنطقي نهائيا أن يُغلق مسلك «الرياضيات والذكاء الاصطناعي»، بسبب عدم إقبال الطلبة الجامعيين الجدد على التسجيل.

هناك مشكل في التواصل تتحمله إدارة الكلية والمشرفون على شعبة الرياضيات بشكل عام. ثم هناك مشكل آخر في التوجيه الجامعي.

بعد النبش قليلا في شظايا الموضوع، يتضح أن كلية العلوم في مكناس تلقت اقتراح الشعبة، في شهر يونيو الماضي، ووضع لها التصور التقني وبقية الترتيبات الأخرى في يوليوز. لكن لم يتم الإعلان عنها إلا في شتنبر. وخبر تعليق المسلك تم تداوله على نطاق واسع، نظرا إلى كارثية الخبر، خلال هذا الأسبوع الأول من شهر أكتوبر. ولو أن خبر فتح المسلك راج بالصورة التي تليق به على الصعيد الوطني، لما وقع ما وقع.

أما مشكل التوجيه نحو التعليم العالي، فدعونا لا نوقظ هذا «الديناصور» من سُباته. فالأمر لم يعد يتعلق أبدا بجَمل، حسب المثل الدارج، بل هناك تراكم من المشاكل المتعلقة بتوجيه تلاميذ البكالوريا.

لماذا لم يتم إشعار مصالح التوجيه على الصعيد الوطني، لكي ينقلوا للتلاميذ المغاربة المهتمين خبر افتتاح المسلك في مكناس لهذا الموسم؟

هناك مئات التلاميذ المغاربة الذين نسمع يوميا، نعم يوميا، عن نبوغهم وتفوقهم في العلوم وحصدهم الجوائز في المحافل الدولية التي يشاركون فيها بإمكانيات معدومة تقريبا، ولولا اهتمام آبائهم وقلّة من أطر التعليم الذين يشرّفون المدرسة العمومية بمستقبل هؤلاء التلاميذ، لما وجدوا أساسا من ينتبه إلى نبوغهم ويوجههم نحو التميز.

إلغاء مسلك «الرياضيات والذكاء الاصطناعي» لا يعني إغلاق شعبة الرياضيات التي فُتحت في الجامعة منذ عقود طويلة. كل ما هنالك أن المسلك الجديد، الذي يواكب ثورة العلوم والتقنيات، لم يجد الاهتمام المطلوب لدى المسؤولين للإعلان عنه حتى يصل خبر افتتاحه إلى المهتمين.

من العار فعلا أن تتخبط الجامعة المغربية في مشاكل مشابهة تتعلق بالتواصل. لا يمكن أبدا ادعاء أن الإقبال على التسجيل ضعيف، على أساس عدم اهتمام التلاميذ بهذا النوع من التخصصات.

جولة قصيرة بين المنصات الافتراضية المتخصصة في العلوم والتقنية والاختراعات المرتبطة بالمجال، كافية جدا لإدراك أن هناك نوابغ مغاربة أعمارهم دون الثامنة عشرة، تفوقوا على عتاة المهندسين في البرمجة وتوظيف الذكاء الاصطناعي في العلوم.

إن ما وقع في مكناس يشبه قصة قصيرة من تلك التي يكتبها أدباء السخرية السوداء. تخيلوا لو أن رجلا يريد أن يبيع سيارة كهربائية، ولم يجد مكانا للإعلان عنها سوى في سوق يبيع الفحم الحجري! وفي الأخير يعلق عملية البيع لضعف الإقبال.

مسلك للذكاء الاصطناعي، يُعلن عن افتتاحه في اللحظات الأخيرة، بعد أن ركز الخريجون على اجتياز مباريات أخرى، ويُعلق الإعلان المطبوع على الورق، فوق سبورة متآكلة تحوم حولها الطيور التائهة. في حين أن جامعات ومعاهد أخرى تعلن عن تخصصاتها في المنصات التي يطالعها الملايين حول العالم، خلال ساعات فقط.

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة