أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةرآيالتكوين المستمر بقطاع التربية والتكوين

التكوين المستمر بقطاع التربية والتكوين


محمد أبحير

دعت الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030، إلى ضرورة نهج تكوين مستمر ومؤهل مدى الحياة المهنية، وتدبير ناجع للمسار المهني، قائم على المواكبة والتقييم والترقية على أساس الاستحقاق وجودة الأداء والمردودية.

كما نص القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، في المادة 14 منه، على أنه يتعين جعل التكوين المستمر إلزاميا ضمن عناصر تقييم الأداء والترقي المهني المشار إليها في الدلائل المرجعية الواردة في المادة 37 من هذا القانون، كما تدعو المادة 39 إلى وضع برامج سنوية للتكوين المستمر والمتخصص لفائدة الأطر التربوية والإدارية.

وقد اعتبر تقرير اللجنة الوطنية الخاصة بالنموذج التنموي التكوين؛ سواء أساسا، أو مستمرا، أحد المؤثرات المباشرة في تجويد مؤشر التنمية، وتحسينه، كما ونوعا.

والجدير بالذكر أن الوزارة الوصية أصدرت العديد من النصوص التنظيمية ذات الصلة بالتكوين المستمر، منها -على سبيل المثال- مقرر لوزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي رقم 20-031 صادر في 03 شتنبر 2020 بشأن المصادقة على استراتيجية التكوين المستمر بقطاع التربية الوطنية؛ ويتبين من خلال محتويات الوثيقة أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى وضع إطار عام يمكن من ترجمة المرجعية والموجهات العامة المتعلقة بالتكوين المستمر لفائدة الأطر التربوية والإدارية والتقنية المنتمية لمختلف الفئات العاملة بقطاع التربية الوطنية. كما يتيح التكوين المستمر فرصا متجددة للتنمية المهنية للعاملين بمختلف ميادين التربية والتكوين والبحث وذلك من خلال مأسسة التكوين المستمر وجعله امتدادا للتكوين الأساس ومتكاملا معه…

ومن النصوص المرجعية المؤطرة للتكوين المستمر نجد المشروع رقم 9 المتعلق بتجديد مهن التربية والتكوين والارتقاء بتدبير المسارات المهنية، الوارد ضمن حافظة المشاريع الخاصة بتنزيل مقتضيات القانون الإطار؛ إذ يسعى هذا المشروع إلى الارتقاء بجودة مهن التدريس والتدبير والتكوين، من خلال نهج تكوين مستمر مؤهل على امتداد الحياة المهنية.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذه النصوص التنظيمية قد حوت بعض المستجدات التي لم تكن من قبل، إذ سيتم إقرار نظام التصديق على دورات التكوين المستمر بناء على معايير محددة، كما سيتم الأخذ بعين الاعتبار التكوينات المستمرة المصادق عليها عند المشاركة في مختلف المباريات، إضافة إلى اعتمادها ضمن معايير الخبرة المهنية، وشبكات تنقيط الأداء المهني، علاوة على ربط امتحانات الكفاءة التربوية والمهنية بالتكوين المستمر.

ومعلوم أن المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين تتولى تنفيذ استراتيجية وبرامج القطاع الوزاري المكلف بالتربية الوطنية في مجال التكوين المستمر، إذ ينص المرسوم رقم 2.11.672 في شأن إحداث وتنظيم المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين كما وقع تغييره وتتميمه على أن من مهام هذه المؤسسات العمل على إنجاز التكوين المستمر واستكمال الخبرة لفائدة الأطر التربوية والإدارية والتقنية المنتمية لمختلف الفئات المهنية العاملة بالوزارة المكلفة بالتربية الوطنية، وكذا لفائدة العاملين بمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي.

ويتبدى من خلال ما ذكر آنفا أهمية التكوين المستمر في المنظومة التربوية، مما يتطلب تكاثف الجهود من أجل تطويره وتجويده، وذلك بالحرص على ما يأتي:

  • صياغة دلائل مرجعية للوظائف والكفاءات متلائمة مع مستجدات منظومة التربية والتكوين.
  • ضرورة مد الجسور وتحقيق الاتساق والانسجام ما بين التكوين الأساس/ التكوين الأساس التأهيلي والتكوين المستمر، إذ من غير المقبول أن يجهل المتدخل في التكوين المستمر مفردات ومضامين التكوين في مراكز التكوين.
  • استثمار البحوث التربوية التدخلية والمشاريع الشخصية المنجزة من قبل المتدربين في سلك تأهيل أطر التدريس وسلك تكوين المختصين وسلك تكوين أطر الإدارة التربوية، أثناء تحديد الحاجيات من التكوين؛ فقد قاربت هذه الأعمال العديد من القضايا ذات الصلة بالممارسات التربوية والإدارية.
  • استثمار نتائج البحوث العلمية في المجال التربوي، المنجزة من قبل فرق البحث بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين أثناء الإعداد للمخططات الجهوية للتكوين المستمر.
  • البحث عن حلول للأعطاب التي تعاني منها المنظومة قبل تنزيل استراتيجية التكوين المستمر، إذ لا يمكن إحداث التغيير في بيئة معطوبة، وأول مدخل للإصلاح هو عنصر الثقة بين كل الأطراف، فضلا عن توفير بيئة تعليمية آمنة وصحية ومحفزة.
  • نعلم أن الهندسة البيداغوجية في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين –مثلا- في تحول مستمر، ومعلوم أن من شروط نجاعة التكوين تحقيق الانسجام بين التكوين الأساس والتكوين المستمر، فكيف سيتحقق هذا الأمر في ظل الوضع القائم؟

كما كشفت نتائج الدراسة المنجزة من قبل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي سنة 2021، حول مهنة الأستاذ(ة) في المغرب، عن مدى العجز الحاصل في عروض التكوين المستمر، وأوجه القصور الكامنة في السياسة التربوية في هذا المجال.

وفي ظل المؤشرات السابقة، نعتقد أن التكوين المستمر في حاجة إلى رجة تربوية تخلخل الوضع السائد، في أفق تحقيق الأهداف التكوينية بأعلى درجات النجاعة والفاعلية. ومن أجل الوصول إلى هذا المبتغى نقترح المواصفات الآتية:

  • الواقعية والامتداد: من خلال التعبير عن المشاكل والحاجيات الحقيقية في الميدان، فغياب هذا الشرط يولد الشعور بالإحباط. كما ينبغي أن تكون مدة التكوين طويلة نسبيا، إذ لا يعد التكوين القصير الأمد صيغة فعالة للتطوير المهني المستمر.
  • الشمولية: ونعني بذلك أن يشمل كل المنتسبين للمنظومة التربوية بدون استثناء (الأطر التربوية والإدارية والتقنية).
  • التناغم: وذلك عن طريق تحقيق الانسجام والتمفصل بين التكوين الأساس/التكوين الأساس التأهيلي والمستمر، إذ يخيل إلينا أن كل تكوين يعزف نغمة حسب هواه.
  • الإبداع والتجديد: يفرض ذلك إضفاء نفس تجديدي على مضامين التكوين، عن طريق الإبداع في المواضيع وتقنيات العرض والتنشيط والقطع مع المواضيع المبتذلة والتدبير الكلاسيكي، إضافة إلى التخفيف من سطوة بعض المحددات التنظيمية والإدارية، لأنها تتناقض مع مبدأ الإبداع والتجديد.

وفي هذا الصدد يمكن الاستئناس ببعض التجارب المبدعة مثل إقرار التكوين المستمر الذاتي؛ وهو أن يضع المستفيد خطة التطوير المهني الخاصة به بنفسه. كما نقترح في هذا المقام إقرار “التكوين بالأقران”؛ من خلال إشراك المدرسين والمدبرين المجددين في التكوين المستمر، وتثمين إنتاجاتهم والعمل على نشرها والاستفادة منها بوساطة التكوين بالأقران.

  • الاشهاد والتقويم: اعتماد نظام للتصديق على دورات التكوين المستمر يختلف عما هو متداول وشائع، وذلك من أجل القطع مع التقويم التقليدي باعتماد آليات التقويم الإبداعي الحقيقي، الذي يتسم بالاستمرارية والواقعية والانسجام مع متطلبات التطور المستمر للمجتمعات، وإعداد الإنسان المبدع الواعي المدرك لمشكلات مجتمعه، واحتياجاته ومتطلبات نموه وتقدمه.
  • تثمين مصوغات التكوين: وذلك عن طريق إحداث منصات رقمية على صعيد المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين للتعريف بالمصوغات المنجزة، علاوة على إنشاء “بنك المصوغات” الذي سيسمح لمختلف المهتمين من الاطلاع على مواضيع التكوين المستمر؛ سواء تعلق الأمر بالمجالات والمواضيع ذات العلاقة مع الأولويات الوطنية، أو المجالات والمواضيع الجهوية والإقليمية.
  • المقاربة التشاركية: فالمقاربة التشاركية الحقيقية تسمح بالتشخيص العميق للوضعية الحالية وتحديد الأعطاب الحقيقية. فتحقيق إصلاح التعليم أمر ممكن، يتطلب شرطا أساسا ألا وهو الإرادة الحقيقية والدائمة والنية الصادقة، كما أنه لا تنمية ولا تغيير بدون مقاربة تشاركية.

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة