أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةرآيالرحالة البريطانيون في الشرق الأدنى  1715 – 1850

الرحالة البريطانيون في الشرق الأدنى  1715 – 1850

إذا شاء المرء أن يعرف شيئا عن القرن السادس عشر أو السابع عشر أو أي قرن غابر من القرون، فهو يلجأ عادة إلى كب التاريخ، وإذا ساعده الحظ فقد يقرأ رواية أو قصة تجرى أحداثها في الفترة المعينة التي يريد أن يتعرف على معالمها أو يستحضر بعض مشاهد الحياة فيها. وقد يعترض البعض على ذلك ويقولون إن الروايات التي تعطي صورة عن سير الحياة من يوم إلى يوم أو التي تمثل الحياة تمثيلا صادقا ربما تكون روايات قليلة، كما أنها لا تشكل جانبا ملموسا من الآداب العالمية قبل منتصف القرن التاسع عشر، ولا نجد مثالا حيا لها في آدابنا العربية قبل ثلاثية نجيب محفوظ المعروفة في منتصف القرن العشرين والتي تمثل بصورة أخاذة حياة الطبقات المتوسطة في مصر والتطورات التي طرأت عليها ما بين عام 1919 ونهاية الحرب العالمية الثانية.

لكن ها هي الدكتورة أنيتا دمياني في كتابها عن بعض الرحالة البريطانيين في الشرق الأدنى قد جاءت تنبهنا إلى مصدر آخر نستطيع أن نطل من خلاله على معالم بعض الحقب في التاريخ التي نردي أن نستعيد شيئا من مشاهدها أو معالمها. وهذا المصدر الآخر هو أدب الرحلات، خاصة أن السفر إلى الخارج كان حتى مطلع القرن الماضي في أوربا يعتبر جانبا حيويا أو ضروريا من الثقافة بحيث لا تكتمل الثقافة بدونه.

يقع كتاب السيدة دمياني في مقدمة وأربعة فصول خصص كل فصول منها لواحد من الرحالة البريطانيين الذين دعتهم ظروف العمل أو مجرد الرغبة في الاستطلاع والشوق إلى المجهول إلى زيارة عدة مدن وأماكن في الشرق الأوسط خلال القرن الثامن عشر وذلك عندما كانت معظم بلدان الشرق العربي خاضعة لحكم السلطنة العثمانية.

وقد خصصت المؤلفة الفصل الأول من الكتاب ليدي ماري ورتلي مونتاغيو Mary Wortley Montagu التي رافقت زوجها إلى القسطنطينية عندما عين زوجها سفيرا لبريطانيا لدى السلطنة العثمانية وذلك في عام 1716. وما كان أحد يدري في ذلك الحين أن الليدي مونتاغيو ستخلد تلك السفرة مع إقامة سنتين كاملتين في القسطنطينية في الرسائل الممتعة العديدة التي كتبتها إلى أصدقائها في أوربا. وقد كان من بين هؤلاء الأصدقاء البارزين العديد، الشاعر الكسندريوب. ولاشك أن يكون جانب كبير من رسائل الليدي مونتاغيو قد ضاع وإن ما سلم من الضياع ونشر منها هو اثنتان وخمسون رسالة فقط.

ويقول هامش ورد على غلاف كتاب السيدة دمباني إن الفضل يعود في الدرجة الأولى إلى الرحالة وكتاباتهم في تبديد ذلك الانطباع عن الشرق الذي كان مزيجا من الوهم والخيال والذي كانت قد تركته ألف ليلة وليلة في أذهان الغربيين. ويقول الهامش المذكور إن الرحالة ساعدوا على تنوير القارئ   الغربي وإعطائه فكرة صادقة عن الحياة في الشرق. إلا أن السيدة دمياني، مع حماسها لموضوع كتابها، وللرحالة الأربعة الذين جعلتهم مدار البحث في الكتاب، تشير إلى أن الليدي مونتاغيو لم تسلم بعض الأحيان من الانسياق في ما تكتب وراء المبالغات التي تتوخى إثارة الدهشة أو وراء ما تحيط به هالة من العجب أو الغرابة.

أما الرحالة الثاني الذي نتعرف إليه من خلال كتاب السيدة دمياني فهو رتشارد بوكوك الذي توجه إلى مصر والأراضي المقدسة بعد دراسة في جامعة أكسفورد جعلته يعلن بإصرار أن الهدف من الأٍسفار ليس مجرد التسلية أو المتعة للقارئ بل تزيد القارئ بالمعلومات الجديدة وتوسيع مدى ثقافته. ولم يكن رتشارد بوكوك افرد الوحيد من أفراد عائلته الذي أبدى اهتماما بالدراسات الشرقية والتعمق في نواحيها المختلفة. فالسيدة دمياني تشير في كتابها إلى المستشرق إدوارد بوكوك أحد أقاربه وأسلافه والذي كان متضلعا في اللغات السامية وعين بسبب ذلك ولمدة خمس سنوات راعيا روحيا للجالية الأوربية في حلب وذلك قبل نهاية القرن السابع عشر. وقد استطاع إدوارد بوكوك خلال إقامته في الشرق أن يحصل على عدد كبير من المخطوطات التي اشترتها فيما بعد مكتبة البودليان المعروفة في جامعة أكسفورد. وربما كان يجدر بالسيدة دامياني أن تذكر لقرائها العرب والأجانب على حد سواء أن المستشرق إدوارد بوكوك هذا كان أول من نشر قصة حي بن يقظان ب 1/21م 51و31 الفلسفية لابن طفيل، حيث نشر النص العربي مع ترجمة لاتينية للقصة في عام 1671 وأعيد طبعها بعد ذلك في عام 1700 وقد ترجم القصة إلى الإنجليزية لأول مرة المستشرق سيمون أوكليSimon Ockley ونشرت الترجمة الإنجليزية في عام 1708.

وتخصص الدكتورة دمياني الفصل الثالث من كتابها للرحالة وعالم الآثار البريطاني روبرتوودRobert Wood  الذي شغف بصورة خاصة بآثار مدينة تدمر في سوريا وآثار مدينة بعلبك في الشام. وقد نشر كتابا بعنوان ” آثار تدمر” في عام 1753 ثم أتبعه بكتاب آخر بعنوان ” آثار بعلبك ” في عام 1757. وقد كتب روبرت وود عن آثار بعلبك يقول :

” إننا عندما نقابل آثار بعلبك بآثار عدد آخر من المدن في إيطاليا واليونان ومصر وأنحاء أخرى من آسيا لا يسعنا إلا التوصل إلى الاستنتاج بأن آثار بعلبك هي شاهد على أبعد ما توصل إليه طموح الإنسان في فن البناء “. أما شغف روبرت وود بمدينة تدمر الذي أكسبه لقب روبرت تدمر بين معارفه المقربين أو Palmyra Wood بالإنجليزية فقد كان مرده إلى روعة الآثار التي شهدها هناك وكيف حفظ البعض منها مكتمل المعالم كما كان يوم بنائه. وكان يحلو لروبرت وود أن يقارن بين تدمر أيام مجدها وبين بلاده بريطانيا، فيرى أن الصحراء كانت بالنسبة لتدمر مثلما كان البحر بالنسبة لبريطانيا – مصدر رزق وثروة من جهة بسب طرق التجارة، ومصدر حماية حصينة من جهة ثانية.

أما الفصل الرابع والأخير ي هذا الكتاب فتخصصه المؤلفة للطبيب والرحالة البريطاني ألكسندر رسل Alexander Russell الذي قام بجولات واسعة في أنحاء الإمبراطورية العثمانية ما بين عام 1734 وعام 1740، ثم عين طبيبا للشركة الشرقية في مدينة حلب ما بين عام 1750 وعام 1753. وقد ترك ألكسندر رسل نتيجة الفترة التي قضاها في حلب كتابا غنيا بشمول مادته العلمية والتاريخية، مثلما هو غني إلى حد بعيد بما فيه من متعة للقارئ، وكتابه هذا هو تاريخ حلب الطبيعي الذي نشر لأول مرة في عام 1756 في مجلد واحد، ثم ظهر في عام 1794 في مجلدين ضخمين وذلك نتيجة ما أضافه إلى المجلد الأول وبنفس الحرص على العناية والتدقيق الدكتور باتريك رسل. وهو شقيق ألكسندر رسل الذي خلفه في حلب كطبيب للجالية الأوربية هناك من قبل الشركة الشرقية The Levant Company.

ويجدر بنا أن نشير إلى أن بعض المقتطفات من تاريخ حلب الطبيعي قد ظهرت في ترجمة عربية وضعها الأستاذ وديع عبد الله قسطون وقامت بنشرها مطبعة الضاد في حلب في نهاية عام 1969 – وهذه الترجمة في رأيي هي من خير الترجمات التي ظهرت في اللغة العربية، وقد نشرها المؤلف تحت عنوان “الإفرنج في حلب في القرن الثامن عشر” وكما أن هذه الترجمة تزيد في فهم القارئ للاطلاع على كتاب رسل بكامله، نجد كتاب الدكتور دمياني عن الرحالة في القرن الثامن عشر حافزا قويا للرجوع إلى رحالة عديدين آخرين ومرافقتهم فيما كتبوا عن رحلاتهم.

والله الموفق  12/08/2008

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة