أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةرآيالشقة من حق الزوجة

الشقة من حق الزوجة

تعتبر السخرية سلاحا فعالا لمواجهة قبح العالم. لا يسعى الفعل الساخر إلى ممارسة النقد البناء أو جلد الذات ولا يتبنى قضية عادلة أو ظالمة. السخرية ببساطة هي رد فعل مشروع على العبث واحتجاج رمزي على الحالة الإنسانية. لا تحاول السخرية التقليل من المأساة، بقدر ما تعمل على تفكيكها وتبسيط تعقيداتها حتى يتسنى لنا أن نتقبل جرعات الألم بشكل رحيم. حين تسخر من المعاناة فأنت تفقدها السلطة في إذلالك. لذا رأى مارك توين أن السخرية هي في الأصل تراجيديا تملك القليل من الوقت.

ظلت السخرية حاضرة في جميع أنواع الفنون على مر التاريخ، وعلى رأسها الفن السابع الذي عالج تيمات معقدة، كالموت والحرب والكراهية والعنصرية، بشكل ساخر. لم تشكل السينما المصرية استثناء في هذا المجال، إذ يحتوي «الريبرتوار» السينمائي المصري على عدد هائل من الأفلام والمسلسلات التي عالجت قضايا إنسانية ومجتمعية وسياسية بمقاربة ساخرة جدا.

ولعل فيلم «الشقة من حق الزوجة» واحد من أهم الأعمال التي ناقشت أزمة السكن وسياسات التفقير واحتدام الصراع بين الجنسين بشكل كوميدي. يجوز لنا القول إن فيلم «الشقة من حق الزوجة» كان بمثابة عملية تشريح دقيق لما آلت إليه مؤسسة الزواج من تدهور خطير. حيث نرى كيف تنهار المشاعر وتختفي المودة والرحمة أمام شظف العيش والمشاكل المادية. يظل هذا الفيلم استشرافا لمستقبل العلاقات الزوجية ومفهوم الأسرة ليس فقط في مصر بل في باقي أرجاء منطقة مينا. فهل الشقة في المغرب من حق الزوجة أيضا؟

من الملاحظ في الفترة الأخيرة تناسل عدة صفحات ومجموعات فيسبوكية يمكن تصنيفها داخل خانة الكراهية والتحريض على العنف بناء على الجنس. جحافل من الكائنات الأحفورية غريبة الأطوار تبث سمومها وعقدها ونواقصها عبر المنشورات والتعاليق البهلوانية المسيئة.

اتهامات بالجملة وحملات تشويه وهجوم عنيف على الطرف الآخر. ألقاب تحقيرية حاطة من الكرامة الإنسانية وتحريض على الاعتداءات الجسدية المباشرة في حق النساء. قد تستمر هذه الحرب الإلكترونية القذرة في الاشتعال حتى تنفجر الأوضاع وتجد الكراهية والعنف طريقهما من المجموعات المغلقة على الفيسبوك إلى الشارع العام والمدرسة وأماكن العمل. لذا لا يجب التهاون بتاتا مع مثل هذه الجرائم الإلكترونية مكتملة الأركان وبيِّنة النوايا.

ولعل آخر الحملات العسكرية، التي قام بها فرسان «راس الدرب»، كانت ضد إحدى المؤثرات التي صرحت بأنها لا تقبل الارتباط بشخص محدود ماديا، وترفض أن يرغمها زوج المستقبل على مشاركة واقتسام الأعباء المالية. لقد حطمت هذه الفتاة الشجاعة آخر معاقل رجل الكهف باعتبارها تمثل شريحة واسعة من المغربيات اللواتي يمنحن قناعاتهن الفكرية والدينية انطباعا بالخضوع والتبعية المطلقة للرجل. انهار سقف الكهف الحجري على الجمجمة الفارغة للكائن الأحفوري، فقام بتلويث مجالنا السمعي بصراخ مزعج من شدة الألم. إذ كيف تمارس الأنثى حقها في الاختيار في حضرة السي السيد؟

انتشرت أخيرا، على مواقع التواصل الاجتماعي في الغرب، عبارة طريفة تصف التحولات البنيوية التي طرأت على سلوك العديد من الذكور. لقد انتقل الرجل من رحلات الاستكشاف القارية، والخروج في حملات عسكرية والمساهمة في بناء الحضارات وتزيين أسقف الكاتدرائيات والمتاحف، إلى المطالبة بـ«معاملة الأميرة». لقد أصبح الذكر المعاصر، من وجهة نظر المرأة الغربية، كائنا أليفا رخوا عاجزا عن المبادرة وراغبا في باقة ورود مع علبة شوكولاته فاخرة. تخلى الذكر عن دوره الغريزي في توفير الحماية والأمن المادي، إلى مطالبة أنثاه بدفع فاتورة العشاء. إن الخلل الفظيع الذي أصاب ميزان الذكورة والأنوثة أمر يبعث على الحيرة والقلق.

فهل أصبح الذكر المغربي عاجزا عن القيام بدوره الطبيعي في قيادة الأسرة دون الحاجة إلى راتب زوجته؟ يستخدم الكائن الأحفوري، القابع في جحور المجموعات الفيسبوكية، مغالطة منطقية مضحكة في محاولة يائسة لحشر النساء في الزاوية. يطرح الذكر السؤال الشهير: ماذا ستجلبين للطاولة؟.. أخي الذكر «تكون عندك طاولة حرة فسميتك، وداك الساعة نشوفو شنو نجيب معايا»..

إذ كيف يستقيم في عقل هؤلاء المهرجين أن يطالبوا المرأة بالتخلي عن وظيفتها والتضحية بسنوات عجاف من الدراسة والتكوين، لتتحول إلى عاملة منزلية بدون مقابل في غرفة مهترئة على سطح منزل والد الزوج؟ لماذا يتخلى الذكر المعاصر عن القوامة المادية والمعنوية والروحية، ثم يطالب المرأة بكل وقاحة بأن تلتزم بالأدوار التقليدانية السلبية من عبودية وخضوع ورضوخ وانصياع للمعاملة المذلة للزوج والحماة؟ كيف ترغب في حياة زوجية سعيدة وأنت كتلة من العقد والعاهات العقلية والنفسية؟ بأي حق تشترط على الزوجة الطاعة العمياء والتبعية المطلقة، وتطالبها في الوقت نفسه بدفع نصف راتبها لتسديد ديونك؟ الطاعة مشروطة بالإنفاق، نوض على سلامتك.

من المؤسف أن نشاهد أجيالا من الذكور يفقدون البوصلة الأخلاقية والدينية كلما تعلق الأمر بالتعامل مع مفهوم الأسرة ومؤسسة الزواج. من غير الممكن أن تطمح إلى ممارسة دور شهريار وأنت تملك من متاع الدنيا سداري في صالون والدك الذي حافظ على طاقته الذكورية السليمة والمتزنة، لكنه، للأسف، فشل في تمرير هذا النوع النادر من الجينات لك.

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة