أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةرآيقراءة في قرار محكمة العدل الأوربية على ضوء معاهدة لشبونة

قراءة في قرار محكمة العدل الأوربية على ضوء معاهدة لشبونة


رضوان بوسنينة

أصدرت محكمة الاستئناف الاوروبية بتاريخ 04/10/2024 قرارها في الطعن الذي تقدم به كل من اللجنة الأوروبية والمجلس الأوروبي ضد الحكم الذي سبق للمحكمة الاوروبية الابتدائية ان اصدرته بتاريخ 26/09/2021 المتعلق بالاتفاق حول تبادل الرسائل بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المغربية المتعلق بالتعديلات على بروتوكول رقم 1 ورقم 4 للاتفاق الأوروبي المتوسطي الذي أنشا شراكة بين الاتحاد الأوروبي ودوله من جهة والمملكة المغربية من جهة أخرى التي ابرمها الاتحاد الأوروبي مع المغرب بخصوص الصيد البحري.

تتبعت مثل العديد من المهتمين قرار محكمة العدل الاوربية في رأيها الذي كرس سلوك التجاوز المعيب لسلطاتها مخالفا لقواعد القانون الدولي وكذا مبادئ السيادة والاتفاقيات المبرمة بين أعضاء الاتحاد والمغرب، وكذا اهم معاهدة أساسية التي تشكل روح المؤسسة القضائية منذ بدايات تأسيسها وهي معاهدة لشبونة .

ولذلك تسعى هاته القراءة التي سترسل الى المؤسسات الدولية المهتمة بالقانون والقواعد الإجرائية، لعلها تكون وسيلة للكشف على التجاوز غير المبرر للقضاة بهاته المحكمة، والاخطاء القانونية التي تعصف بمصداقية هاته المؤسسة وتاريخها القانوني .

وتشكل معاهدة لشبونة، وهي اتفاقية محورية في تاريخ الاتحاد الأوروبي. وقد جلبت هذه المعاهدة، التي تم إقرارها في عام 2009، تغييرات وإصلاحات كبيرة، وأعادت تشكيل الإطار المؤسسي للاتحاد الأوروبي وسياساته. لفهم تأثير معاهدة لشبونة بشكل كامل، من الضروري التعمق في مكوناتها الرئيسية وتقييم آثارها من وجهات نظر مختلفة.
وكان من بين التغييرات الأساسية التي أدخلتها معاهدة لشبونة تعزيز محكمة العدل الأوروبية. لتلعب دوراً حاسماً في تفسير قانون الاتحاد الأوروبي وضمان تطبيقه الموحد عبر الدول الأعضاء. وبموجب معاهدة لشبونة اكتسبت محكمة العدل الأوروبية صلاحيات إضافية، الأمر الذي عزز من سلطتها باعتبارها الهيئة القضائية العليا للاتحاد الأوروبي.

فهي هيئة قضائية أوروبية صرفة وليس لها امتداد على خارج النطاق الأوربي ، مما تعد محكمة تخص الإقليم او الاختصاص القضائي المكاني لها .

عدم انتباه المحكمة الأوروبية الى انها ليس محكمة دولية

ان محكمة الاستئناف الاوروبية ليست هي محكمة العدل الدولية التي تعتبر مختصة في اصدار احكامها ضد كل الدول باعتبارها الية تابعة للأمم المتحدة. بل هي، أي المحكمة الأوروبية, مقصور اختصاصها مجال النفوذ الترابي للدول الاوربية و في الاشخاص المنتمين للدول الاوربية.

وان ما لم تنتبه له تلك المحكمة هو أن اهم واكبر الدول الأوروبية التي أسست الاتحاد الأوروبي وأسست تلك المحكمة كلها اليوم تعترف بسيادة المغرب على اقاليمه الصحراوية. وعلى رأسها اسبانيا المانيا وبلجيكا وأخيرا فرنسا. وهو ما يجعل تلك المحكمة متناقضة مع المواقف الرسمية لأكبر الدول المكونة للاتحاد الأوروبي.

ميثاق الحقوق الأساسية

كان إدراج ميثاق الحقوق الأساسية كوثيقة ملزمة قانوناً ضمن معاهدة لشبونة بمثابة تطور كبير في قانون الاتحاد الأوروبي. ويحدد هذا الميثاق مجموعة واسعة من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويضمن أن الاتحاد الأوروبي ومؤسساته يحترم ويحمي الحقوق الأساسية لمواطنيه. وكان هذا التحول سبباً في تعزيز التزام الاتحاد الأوروبي بحقوق الإنسان وتزويد الأفراد بآلية أكثر مباشرة لإنفاذ حقوقهم على مستوى الاتحاد الأوروبي.
كان على المحكمة الاوربية ان تتصدى لوضعية الرعايا المفترضين للكيان المزعوم والتقارير المرصودة في الاتجار في البشر والأطفال ووضعية الاسرى المحتجزين في إقليم جزائري معد لميليشيات تهدد السلم والامن الأوربي القريب من دائرة النزاع المفتعل ، مادامت انها أعطت لنفسها حق التدخل في الدول التي هي خارج مدارها القضائي.

كما ان القرار التفسيري جانب الصواب لمعارضته لمبدأ السيادة الوطنية،لتسقط في التحيز لجهة على جهة ،مما جعل من القرار الأخير مشوب بتجاوز قانون ومعاهدة لشبونة .

الاختصاص القضائي بموجب معاهدة لشبونة

عملت معاهدة لشبونة، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2009، على توسيع نطاق اختصاص محكمة العدل الأوروبية. فقد سمح للأفراد والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ومؤسسات الاتحاد الأوروبي برفع القضايا أمام المحكمة، مما أدى إلى توسيع نطاقها بشكل كبير.

اعتبر هذا التوسع في الاختصاص القضائي بمثابة خطوة إيجابية من قبل أولئك الذين آمنوا بتعزيز الوصول إلى العدالة داخل الاتحاد الأوروبي. ويضمن أن الأفراد والكيانات لديهم وسيلة للطعن في قرارات الاتحاد الأوروبي التي تؤثر على حقوقهم.

والحال ان التاريخ الديبلوماسي المغربي اعمق من تاريخ هاته المؤسسة القضائية التي تحتاج الى الاطلاع على الاتفاقيات المبرمة بين المغرب والدول التي تشكل الان ما يسمى بالاتحاد الأوربي .

ان هذا القرار يضرب في قانونية المعاهدات المبرمة بين المغرب والدول الاوربية وخاصة فرنسا واسبانيا .
وانه يتبين ان دستور الاتحاد هو نفسه يمنع على المحكمة الأوروبية التدخل في المقتضيات المتعلقة بالسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي.

وانه من غير المنازع فيه ان المعيار في تحديد التفرقة بين السياسة الخارجية والسياسة الداخلية هي ان هذه الاخيرة تهم العلاقة بين الدول الأعضاء في الاتحاد. بينما السياسة الخارجية تتعلق بالأعمال التي يقوم بها الاتحاد او الاتفاقيات التي يبرمها الاتحاد الأوروبي كمجمع للدول مع دولة اجنبية على أعضاء الاتحاد.

غير ان المحكمة الأوروبية تدخلت في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبية من جهة. كما حشرت ما يسمى “جبهة البوليزايريو” في قضية وكأنها دولة اوربية. مع انه تبث لها بكونها لا تتوفر على الشخصية القانونية لأي دولة من دول العالم. وهو ما اعترفت به تلك الجبهة كما سبق بيانه.

غير انه من الملفت ان في ذلك الحكم ان المجلس الأوروبي واللجنة الأوروبية لم يتمسك أيا منهم بكون المحكمة الاوربية غير مختصة وخرقت الفصل 275 المشار اليه أعلاه. وهو امر مثير التساؤل.

قرار قضائي بأجندة سياسية

ان القرار القضائي الأخير في طبيعته هو تفسير سياسي لتوجه يسعى الى بسط نفوذ الدول الاوربية غير المستفيدة من الثروات الطبيعية للمغرب ،والخروج عن التفسير الى التصدي القانوني هو خرق مسطري جوهري وقع فيه قضاة المحكمة الاوربية ،وخروج عن مبادئ معاهدة لشبونة التي جاءت لتؤسس دينامية قانونية ضمن مجموعة من المبادئ التي تتأسس عليها الممارسة القضائية لهاته المحكمة .

أن اهم معيار للتحقق من إضفاء الشرعية على أي حكم قضائي لأي هيئة قضائية وطنية او إقليمية او دولية هو البحث في مدى احترامها للأحكام التي سبق لها أن أصدرتها وان لا تناقض معها. حتى لا تفقد مصداقية ذلك الحكم وبالتالي تفقد الشرعية التي تغطيه.

غير ان الامر مختلف عندما نعود الى القرار الصادر في 04/10/2024 والذي اعتبر ان ما يسمى ب ” البوليزاريو” هو ممثل للمغاربة المقيمين في الأقاليم الصحراوية. بدون ان يستحضر ما سبق لنفس المحكمة ان وقفت عليه بخصوص الوضعية القانونية لما يسمى ب”البوليزارو”.

أنه بالاطلاع على حكم سابق لنفس المحكمة الأوروبية صدر في 10/12/2015 عن الغرفة الثامنة بلوكسمبورغ تحت رآسة القاضي D.GRATISIAS والذي هو نفس القاضي الذي عين كمقرر في الحكم الابتدائي للمحكمة الاوروبية بتاريخ 26/09/2021. يتبين منه انه وقف على ان ما يسمى ب” البوليزاويو” ليس لها اي وضعية قانونية تؤهلها لرفع أي دعوى امام المحكمة الأوروبية.

وانه بالرجوع الى الحكم الأول الصادر في 2015 يتبين منه أنه وقف على انتفاء صفة وأهلية ما يسمى “بجبهة البوليزاريو” بعدما تحقق من كونها ليست لها الشخصية القانونية. وهو الامر الثابت مما ضمنه حكم المحكمة الأوروبية الصادر في 10/12/2015 المشار إليه أعلاه ان من بين الشروط المنصوص عليها في المادة 263 منTFUE (Traité De Fonctionnement De Union Européenne) أن تكون الجهة التي تطعن في أي قرار من قرارات المجلس الأوروبي معنية بصفة مباشرة وفردية به. إذ تنص تلك المادة على ما يلي:
“Les actes dont elle ont destinataire ou qui la concernent directement et “individuellement.

والغريب في الأمر أن المحكمة الاوروبية تحققت من عدم توفر ما سمي ب ” جبهة البوليزاريو” على اي من الشروط المذكورة في المادة 263 في حكمها الاول.

وبالفعل فإنه بالرجوع إلى الفقرة 23 من قرار المحكمة الاوروبية الصادر في 10/12/2015 يتبين منه أن هذه الأخيرة لاحظت أن ما سمي ب “جبهة البوليزاريو” لا تتوفر على الشخصية القانونية وهو ما دفع بالمحكمة الاوروبية الى مطالبة هذه الأخيرة بإثبات أنها تتوفر على وضعية قانونية التي تؤهلها لتقديم الطعن. هو ما ضمنته في تلك الفقرة التي ورد فيها ما يلي:
” 23- A la suite du dépôt, le 16 Novembre 2013, du mémoire en défense du conseil, le Tribunal a demandé au requérant, dans le cadre d’une mesure d’organisation de la procédure de répondre à certain questions, dans ce contexte , il a notamment “invité à indiquer, preuve à l’appui, s’il était constitué en personne moral selon le droit d’un état internationalement reconnu.

غير أن ما سمي ” بالبوليزاريو” لم تستطع تقديم أي حجة على كونها تتوفر على الشرط القانوني المذكور في المادة 263 المشار اليها أعلاه. وهو العجز الذي أشهد عليه حكم المحكمة الأوربية الأول في الفقرة رقم 38 التي ورد فيها:
“Le requérant n’avant pas joint à sa requête de document tels que ceux prévues à l’article 44, paragraphe 5 du règlement de procédure du 2 mai 1991 à la suite de la fixation d’un délai par le greffe aux fins de régularisation de la requête il a produit des extraits de ses statuts, un mandat à son avocat établit par une personne habilité à cet effet par les dits statuts, à savoir par son secrétaire général, ainsi que la preuve de l’élection de ce dernier.
En revendre, il n’a pas produit de document additionnels pour prouver qu’il disposait de la personnalité juridique.

بل أن حكم المحكمة الأوربية الأول تضمن تأكيد واعتراف من قبل ما سمي ب ” جبهة البورليزاريو” بكونها لا تتوفر على أي وضع قانوني إذ ورد في الفقرة 40 من القرار ما يلي:
“40, En réponse aux questions du Tribunal, le requérant a déclaré ce que suit :
Le front Polisario n’est constitué en personne moral selon le droit d’aucune Etat internationalement reconnu ou pas, pas plus qu’un état étranger ou que l’Union Européenne, elle- même, le Front Polisario ne serait tiré son existence légale du droit interne d’un état.

وبالرغم من اعتراف ما يسمى بجبهة البوليزاريو بكونها لا تتوفر على الشخصية القانونية, وبالرغم من إشهاد المحكمة على كل ذلك، إلا أن هذه المحكمة الأوروبية ستبحث لها على تبريرات من ملفات تتعلق بشركات ذات طابع تجاري.

ذلك انه بالرجوع الفقرات 46 إلى 54 من حكم المحكمة لسنة 2015 سنلاحظ أن المحكمة الأوربية ذهبت الى الاعتماد على “اجتهادات وسوابق” jurisprudences” قصد البحث لما سمي”بجبهة البوليزاريو” على ما يبرر قبول طعنها بالرغم على كل ما سبق بيانه.

لكن بالاطلاع على كل الاجتهادات التي اعتمدتها المحكمة الأوربية سيلاحظ أنها تتعلق:
1- بشركات تجارية أو مقاولات وليس بنزاع بين الاتحاد الاوروبي ودول اخرى
2- أن كل هذه الشركات والمقاولات هي أوربية كانت في نزاع مع مؤسسات الاتحاد الأوربي

بينما الاتفاق بين المغرب والاتحاد الأوربي ليس بين شركات أوربية فيما بينها. وليس بين المغرب و شركة تجارية أوروبية خاصة. وإنما هو نتيجة علاقة سياسة خارجية مندمجة بين الاتحاد الأوربي كفضاء لكل الدول الاوروبية من جهة. والمملكة المغربية غير العضو فيه من جهة أخرى.

مما يحتاج الى التصدي وتفسير الاتفاقات المبرمة بين هاته الدول والمغرب قبل الحماية والتي تعترف بالسيادة المغربية على جميع أراضيه بدون تقسيم او تشطير مفتعل من بعض الدول التي تربط معها اتفاقيات حسن الجوار والانتماء للعديد من المؤسسات الدولية كالمغرب العربي والاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية .

الاستقلال والمساءلة

أحد الاهتمامات الرئيسية فيما يتعلق بمحكمة العدل الأوروبية هو استقلالها ومساءلتها. ويزعم المنتقدون أن قضاة المحكمة، الذين يتم تعيينهم من قبل الدول الأعضاء، قد يتأثرون بالمصالح الوطنية، الأمر الذي قد يعرض حيادهم للخطر. فضلاً عن ذلك فإن الافتقار إلى آلية واضحة لمساءلة المحكمة كان سبباً في إثارة التساؤلات حول شرعيتها.
وقد اتُهمت محكمة العدل الأوروبية بالانخراط في النشاط القضائي، وتجاوز دورها كمفسر لقانون الاتحاد الأوروبي واتخاذ قرارات لها آثار سياسية بعيدة المدى.

إن حل المنازعات الدولية في الوقت المعاصر يعتمد أساسا على تطبيق قواعد القانون الدولي المنبثقة من التشريعات الدولية و الأعراف و المعاهدات الدولية، وذلك في إطار قانوني معين كأن يكون أمام محكمة العدل الدولية أو محكمة تحكيم دولية ، غير أن اللجوء إلى هذه الوسائل يتوقف على إرادة الدول، ومن ثم يستوجب أن تنال هذه الأجهزة ثقة الدول سواء كانت كبيرة أم صغيرة ، وهذه الثقة يجب أن تكون في الأدوات المستخدمة أكثر منه في الإطار القانوني . إن هذه الأدوات تتمثل في القواعد المقررة في القانون الدولي العام ، ومن ثم يجب أن تكون مسايرة لتطور المجتمع الدولي لا أن تبقى رهينة مفاهيم تقليدية تجعل الدول حديثة الإستقلال تنفر من هذه الهيئات ، وهذا لا يخدم بدون شك الأمن و السلم الدوليين مادام النزاع بعيد عن أي إطار للمعالجة وغير خاضع لأية قاعدة قانونية من قواعد القانون الدولي العام ، في حين يستوجب على الدول الإلتزام بهذه القواعد لاسيما في حال نشوب نزاعات بينها . لكن يبزر الخلاف بين الدول المتنازعة بشأن تحديد الإطار القانوني المؤهل للفصل في النزاع رغم أنها تدعي دائما الإلتزام بقواعد القانون الدولي العام .مما يطرح مسألة الإطار القانوني لهذا الإلتزام و الإجراءات السابقة له و الوسائل الكفيلة لضمان ذلك عبر الهيئات الدولية المتخصصة والمتمثلة أساسا في محكمة التحكيم الدولية أو محكمة العدل الدولية أو هيئة سابقة لمنظمة الأمم المتحدة .

وأن ما قضت به المحكمة الأوروبية لم يقف عند تناقض هذه الأخيرة مع حكمها السابق ولم يفق عند تناقضها مع القانون الأساسي للاتحاد الأوروبي، بل أن ما قضت به تناقض حتى مع قرارات أهم مؤسسة في الاتحاد الأوروبي وهي البرلمان الأوروبي, باعتبار ان هذا الأخير هو المعبر عن إرادة الأمة الأوروبية. على جميع افراد الاتحاد الأوروبي.
ويتجلى ذلك التناقض في كون البرلمان الأوروبي يعترف بسلطة المغرب على كل أقاليمه بما فيهم الاقاليم الصحراوية. وهو الاعتراف المتجلي:

1- في اشهاده على صحة ومصداقية الاستفتاء على دستور 2011 الذي شارك فيه المواطنون المغاربة في اقاليم الصحراوية.

2- في اعتباره أن الانتخابات التشريعية والإقليمية والجهوية التي أجريت في اقاليمنا الصحراوية هي انتخابات صحيحة ومطابقة للشرعية ومعبرة على الإرادة العامة لسكانها.

وبالفعل فإنه بالرجوع إلى التقرير الذي قدمه المجلس الأوربي “Conseil” إلى البرلمان حول تقييمه لحقوق الإنسان في العالم لسنة 2014 نجده يتضمن الخلاصة التي وصل إليها خبراء الاتحاد الأوربي الذين ساهموا في أنجاز تقرير حول حقوق الانسان في المغرب قدم للبرلمان الأوربي , والذين وقفوا على واقع حقوق الانسان في التراب المغربي بما فيه أقاليم الصحراء المغربية, معتمدين على المعايير الدولية في صياغة التقارير التي ينجزها الخبراء والتي تعتمد في نقل الوقائع كما هي على ارض الواقع بدون اي تحيز و بكل موضوعية.

فالتقرير الذي يتكون من 384 صفحة انجزه الممثل الخاص للاتحاد الاوربي لحقوق الانسان السيد Stavros Lambrinidit والذي اشتغل تحت سلطة وإشراف نائب رئيس المجلس الأوربي معتمدا على التوجيهات التي رسمها السفراء أعضاء اللجنة السياسية والأمنية COPS بالمجلس الأوربي وبتنسيق مع SEAE (Le service européen pour l’action extérieure) ومصالح اللجان والبرلمان الأوربي.

فذلك التقرير لا ينقل خواطر لبعض الأطراف التي قد تكون لها ميول أو حسابات سياسية، وإنما هي خلاصة لعمل علمي لمؤسسات البحث والتقصي مختلفة عن بعضها البعض اعتمد عليها الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لحقوق الانسان لإنجاز تقريره حول حقوق الإنسان في العالم من منظور الاتحاد الأوروبي لسنة 2014, بما فيها المغرب الذي خص بالصفحات 184 ونصف الصفحة 185.

كما تناول ذلك التقرير وضعية حقوق الانسان فيما سماه “Sahara occidental ” وخصص لها نصف الصفحة 185 والصفحة 186، اي مباشرة بعد تناوله للمغرب مع خلاصاته حول وضع حقوق الانسان بالمغرب، اي ان المقرر اعتبر ان تناول حقوق الانسان في المغرب مع ما سماه بالصحراء الغربية هو وحدة لا تتجزأ.

غير أن الملفت في هذه الفقرة هو أن التقرير يعترف بسلطة الدولة المغربية ومؤسساتها على ما سماه ب “Sahara occidental ” وهو الاعتراف الواضح مما ضمن في تلك الصفحات كما يتبن فيما بعد.

فبعدما أكد التقرير على الانشغال بطول أمد الصراع في القضية الصحراء شدد على ما يخلقه ذلك الوضع من آثار على الأمن وعلى احترام حقوق الانسان والتعاون في المنطقة، معتمدا على الخصوص على قرار مجلس الأمن رقم 2099 (2013) الذي اكد على ان حل النزاع المفتعل في الصحراء لن يكون إلا سياسيا و مقبولا من طرف الجميع مشيرا الى الاقتراح الذي تقدم به المغرب من أجل وضع حد لهذا النزاع .

غير إنه بالرجوع الى قرار المحكمة الأوروبية نجده نقل في حيثياته عدد من القرارات والتقارير بينما لم يشر لهذا التقرير المهم مع انه له صله بالنزاع المعروض عليه.

وبالفعل فإن البرلمان الاوروبي أو أي دولة أو هيأة دولية عندما تعترف بمشروعية اجراء انتخابات في منطقة معينة ومن طرف دولة معينة, فإنها تعترف بكون تلك الدولة التي نظمت تلك الانتخابات لها السيادة على تلك المناطق.

وتملك شرعية تمثيلية مواطني تلك المناطق. وشرعية تواجدها في تلك المناطق وتملك شرعية بسط سلطتها على تلك المناطق.

وبالعودة للبرلمان الاوروبي نجده اعترف بشرعية تنظيم المغرب للانتخابات في أراضيه الصحراوية سنة 2011 وهو ما يعني، في القانوني الدولي, بكونه يعترف للمغرب ببسط سيادته وسلطته على تلك المناطق.

فهذه الخلاصة هي اعتراف من البرلمان الاوروبي بسيادة و سلطة المغرب على كل ترابه لان دستور 2011 استفتي فيه الشعب المغربي بما فيه اخواننا في المناطق الصحراوية .

فالبرلمان الأوروبي عندما اعترف بشرعية الانتخابات التشريعية التي نضمها المغرب في سنة 2011 فهو يعترف بسيادة وشرعية تواجد الدولة المغربية من جهة. ويعترف بان المنتخبين في تلك الانتخابات هم الممثلون الشرعيون لكل مواطني الأقاليم الصحراوية.

وفي هذا السياق اي سياق الاعتراف بسيادة المغرب وبتواجد واشتغال المؤسسات الدستورية للمغرب (المجلس الوطني لحقوق الانسان). من جهة. والاعتراف بحق الدولة في تنظيم الاستفتاء والانتخابات البرلمانية والإقليمية في المناطق الصحراوية، يكون البرلمان الأوروبي قد اعترف بحق المغرب في التواجد وتمثيل كل التراب المغربي بما فيه المناطق الصحراوية. وحقه في مراقبة وضمان حقوق الانسان مثلما يقوم به في باقي مناطق المملكة.

وهذه الحقائق الثابتة في وثائق البرلمان الأوروبي ابعدها حكم المحكمة الأوروبية. ولم يلتف اليها مع انها توجد رهن اشارته. في الوقت الذي بدل جهدا للبحث على ما يثبت توفر ما يسمى بجبهة البوليزاريو على الشخصية القانونية. وعندما استحال عليه الامر تجاوز كل الحجج واسند لها تلك الشخصية القانوني من عنده. كما سبق بيانه أعلاه.
ماذا بعد؟

ان الايمان بالوحدة الوطني تجاوز الانتماء والهوية عند المغاربة وعند الجميع المنصفين في العالم ،الا ضحايا القهر والتهجير التي ارتكبت في حق هؤلاء المواطنين العزل والمحتجزين بمخيمات تندوف الجزائري ،مما يستدعي الوقوف وإصدار ليس حكما واحدا ولكن احكام كثيرة من مؤسسات دولية حقوقية للوضع الكارثي الذي تعيشه هاته الفئة من المواطنين المغاربة ،بسبب القهر والاستعباد وما شهادة شهود العائدين الى الوطن كحجة دامغة لمن سولت له النيل من الاجماع الوطني .

ولذلك يبقى الدور المطلوب من الهيئات الحقوقية والقانونية الوقوف امام هاته القرارا ت الشاذة عن الواقع والمخالفة للقانون والتاريخ والاجتهاد القضائي الدولي .

ان هفوات المرتكبة في حق الشعوب تحتاج الى وقفة تأمل في موقف هاته المحكمة من العقود الحمائية التي ارتكبت باسمها جرائم حرب تجاه الإنسانية وما نصيب الضحيا من التعويض الذي يجب ان تشتغل عليه المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية .

ان ملف الصحراء قانونيا لا يحتاج الى محكمة اوربية تاريخا القضائي في المحك ،بل ان القضية الان هي التنمية والاستثمار في المستقبل والحرية والكرامة التي يعيشها المواطن باقاليمه التي تحلم قوى التخلف والرجعية في تقسيمها واذكاء الفتنة .

مما يجب الحذر من الوقوع في هاته المواقف التي لا تؤثر على سياسة المغرب الواضحة والتي اتسمت بالانفتاح مع الجميع لكن تحت احترام متبادل وحسن جوار وحسن التعاقد والاتفاق غير المشوب بالتدليس والاكراه.

ان المحكمة الاوربية قد جانبت الصواب ونترك للتاريخ القضائي في هاته المؤسسة ان تراجع نفسها ، لتصحيح خطأ قضائي جسيم لايؤثر في تماسك الدولة وسيادتها لأن تاريخ المغرب اعظم واكبر من تاريخ مؤسسة مازالت تعيش أزمات الاستقلال واحترام القانون ،لانها محكمة قانون وليست مؤسسة سياسية ترسم معالم الدول في تعاملها السياسي والديبلوماسي ،مما يجعلها قاب قوسين من التآمر والتجريح واحتقار القانون .

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة