أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةرآياستشراف إطار قانوني وأخلاقي لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام المغربي

استشراف إطار قانوني وأخلاقي لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام المغربي

المطلب الثاني: استشراف إطار قانوني وأخلاقي لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام المغربي

يشهد العالم تحولات جذرية بفضل (AI)، ويعد المغرب من بين الدول التي تدرك أهمية دمج هذه التقنيات في مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك مجال الإعلام. حيث يثير هذا التطور التكنولوجي تساؤلات جوهرية حول كيفية ضمان استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام بطريقة مسؤولة وأخلاقية تحافظ على حرية التعبير وحقوق الإنسان.

وعليه، ارتأينا الحديث في هذا المطلب عن نظرة استشرافية حول وضع إطار قانوني لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام المغربي (الفقرة الأولى)، ومحاولة طرح رؤية تقارب المستوى الأخلاقي أثناء استخدام الذكاء الاصطناعي في وسائل الإعلام المختلفة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: استشراف إطار قانوني لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام المغربي

يعتبر وضع إطار قانوني واضح وفعال من أهم العوامل لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام بطريقة مسؤولة وأخلاقية. حيث يمكن لقوانين الذكاء الاصطناعي أن تحدد المسؤوليات والواجبات المرتبطة باستخدام هذه التقنيات، وأن توفر حماية للبيانات الشخصية وضمان حقوق المستخدمين. كما يمكن للإطار القانوني أن يعالج مخاطر التضليل والرقابة الآلية من خلال وضع معايير واضحة لحذف المحتوى وضمان شفافية الخوارزميات المستخدمة في تحديد المحتوى. أيضا، يمكن للمغرب أن يستفيد من تجربة الدول الأخرى في هذا المجال وأن يعزز من قوانين حماية البيانات الشخصية لتشمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي الحديثة.[1]

لذلك، من المتوقع أن يشهد المغرب تطورا ملحوظا في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في قطاع الإعلام خلال السنوات القادمة. وسيتطلب ذلك وضع إطار قانوني متكامل لتنظيم هذا الاستخدام وضمان الاستفادة القصوى منه مع تجنب المخاطر المحتملة. ومن المرجح أن يتضمن هذا الإطار قوانين لحماية الخصوصية وضمان الشفافية في استخدام البيانات الشخصية، إلى جانب ضوابط لمكافحة الأخبار الزائفة والمحتوى المضلل الذي قد ينتجه الذكاء الاصطناعي. كما سيكون من الضروري وضع معايير أخلاقية واضحة لاستخدام هذه التقنيات في إنتاج وتوزيع المحتوى الإعلامي، مع التركيز على قيم الموضوعية والمصداقية والمسؤولية الاجتماعية للإعلام[2] كما سيأتي بيانه.

وفي ضوء التطورات التكنولوجية واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في قطاع الإعلام، يمكننا اقتراح تعديل للمادة 9 من القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر، التي تعنى بحماية حقوق الأشخاص والخصوصية. حيث يمكن تعديلها على النحو التالي:

“يمنع نشر أو بث أي معلومات أو بيانات شخصية دون موافقة صاحبها الصريحة، بما في ذلك البيانات التي يتم جمعها أو تحليلها بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي. ويجب أن تتضمن جميع تقنيات معالجة البيانات المستخدمة في المحتوى الصحافي آليات تضمن الشفافية الكاملة في كيفية جمع البيانات الشخصية واستخدامها. كما يحظر استخدام الذكاء الاصطناعي لإنتاج محتوى مضلل أو زائف، ويتعين على وسائل الصحافة والإعلام الالتزام بمعايير أخلاقية تضمن الموضوعية والمصداقية في إنتاج محتواها الإخباري”.[3]

وكما هو واضح من التعديل الذي اقترحنا، فالغاية منه هي ضمان الشفافية في استخدام البيانات الشخصية، ومكافحة الأخبار الزائفة الناتجة عن الذكاء الاصطناعي، وتعزيز المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام في مواجهة التطورات التكنولوجية.

الفقرة الثانية: رؤية حول مراعاة ما هو أخلاقي أثناء استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام المغربي

بالإضافة إلى الإطار القانوني، يعتبر الإطار الأخلاقي أساسيا لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام بطريقة تحافظ على القيم المشتركة وتعزز من المسؤولية والشفافية. على أنه يمكن للمجتمع المدني أن يلعب دورا هاما في مراقبة استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام المغربي، ودعم حرية التعبير وحقوق الإنسان. كما يمكن للمؤسسات المدنية أن تساهم في توعية الجمهور بمخاطر وفرص الذكاء الاصطناعي، وتقديم اقتراحات للإصلاح القانوني والتنظيمي لضمان استخدام هذه التقنيات بشكل مسؤول وأخلاقي، حيث يمكن للإطار الأخلاقي أن يحدد مبادئ ومعايير لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام، مثل حماية الخصوصية ومنع التضليل وضمان العدالة في نشر المعلومات. كما يمكن أن يساهم الإطار الأخلاقي في تعزيز ثقافة الوعي والمسؤولية في استخدام الذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال توعية الصحافيين والمواطنين بأهمية استخدام هذه التقنيات بطريقة أخلاقية.[4]

وبناء عليه، من المتوقع أن يتم إنشاء هيئات رقابية متخصصة لمراقبة تطبيق هذه المعايير الأخلاقية في المؤسسات الإعلامية المغربية. على أننا نشير إلى أنه من المهم أيضا تطوير برامج تدريبية تستهدف الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام لتعزيز مهاراتهم في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي ومسؤول. كما سيتم على الأرجح تشجيع التعاون بين المؤسسات الإعلامية والأكاديمية والتقنية لتطوير حلول مبتكرة تستفيد من إمكانيات الذكاء الاصطناعي مع الالتزام بالمعايير الأخلاقية والمهنية للعمل الإعلامي.[5]

خاتمة:

لقد أصبح واضحا أن الذكاء الاصطناعي يمثل نقطة تحول هامة في الفضاء الإعلامي المغربي، حيث يوفر فرصا غير مسبوقة لتحسين جمع المعلومات ونشرها بطريقة فعالة وموجهة. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل التحديات القانونية والأخلاقية التي يفرضها هذا التطور، وخاصة فيما يتعلق بحماية حرية التعبير وحقوق الإنسان. فالذكاء الاصطناعي، رغم إمكانياته الكبيرة، يمكن أن يستخدم كأداة للرقابة وتوجيه المعلومات، مما قد يحد من التنوع والتعددية في الرأي العام.

ولحماية هذه الحقوق الأساسية، يتعين على المغرب أن يضع إطارا قانونيا وأخلاقيا صارما يواكب هذه التحولات التقنية، كما ينبغي أن يتضمن هذا الإطار تنظيما دقيقا لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام، مع مراعاة حماية البيانات الشخصية وضمان الشفافية في خوارزميات التحكم بالمحتوى.

لذلك، وانطلاقا من قناعتنا بما توصلنا إليه في هذه الورقة البحثية، نرى أنه من الواجب علينا تقديم المقترحات الآتية:

  • إنشاء لجنة وطنية متخصصة لدراسة تأثير الذكاء الاصطناعي على حرية التعبير، وضمان عدم المساس بحقوق الأفراد في الوصول إلى المعلومات.
  • تعزيز التعاون بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني لوضع معايير أخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام، بما يضمن التوازن بين الابتكار وحماية الحقوق.
  • تطوير برامج تدريبية للصحافيين والعاملين في مجال الإعلام حول كيفية استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول، مع التركيز على المبادئ الأخلاقية والنزاهة المهنية.
  • تحديث القوانين المتعلقة بحماية البيانات الشخصية لتشمل أحدث تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وضمان حماية خصوصية المستخدمين من التجاوزات التقنية.
  • [1] المجلس الأوروبي، الذكاء الاصطناعي: مجموعة من القواعد لتطوير تقنية موثوقة وآمنة، سنة 2019، ص 12-18.

    انظر أيضا:

    • اللجنة الأوروبية، مبادئ أخلاقية للذكاء الاصطناعي، سنة 2020، ص 20-25.
    • منظمة التعاون والتنمية في المجال الاقتصادي (OECD)، مبادئ أخلاقية للذكاء الاصطناعي، سنة 2019، ص 35-40.

    [2] المجلس الوطني للصحافة بالمغرب، توصيات حول استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام الرباط، المغرب، سنة 2023.

    [3] النص الأصلي للمادة 9 من القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر:

    “لا يجوز نشر أو بث أي خبر أو مقال أو صورة أو تعليق أو تقرير يتعلق بالحياة الخاصة للغير أو ببيانات شخصية إلا بإذن صريح من الشخص المعني. كما يمنع استعمال الوسائل الاحتيالية أو غير المشروعة للحصول على هذه البيانات”.

    [4] مجلس الاتحاد العربي لحماية البيانات الشخصية، التوصيات والمبادئ الأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلام في العالم العربي، سنة 2023، ص 22-28.

    انظر كذلك:

    • اتحاد الصحافيين العالمي، مبادئ أخلاقية للصحافة في عصر الذكاء الاصطناعي، سنة 2022، ص 15-20.
    • معهد الضغط العالمي، مبادئ أخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلام بالمغرب، سنة 2023، ص 68-75.

    [5] الاستراتيجية الوطنية للانتقال الرقمي 2030 تروم جعل الرقمنة رافعة للتنمية السوسيو-اقتصادية، مقال منشور على وكالة المغرب العربي للأنباء، بتاريخ 05 شتنبر 2024، اطلع عليه بتاريخ 05/09/2024، على الساعة 22:07 ليلا (الرابط مختصر): https://n9.cl/0edck

    إقرأ الخبر من مصدره

    مقالات ذات صلة