أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةرآيطبيب احتياطي

طبيب احتياطي

حسن البصري

غاب الطب النفسي الرياضي عن أشغال الندوة العلمية التي نظمت في مصحة الوادي للطب النفسي والإدمان، بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية. دار نقاش معمق بين أطباء وأخصائيين في ترميم الاضطرابات النفسية، وانشغل الحاضرون في البحث عن أحدث الطرق لتحقيق «ليجيان» المأمول لتحقيق التوازن الذهني.
الأرقام التي قدمتها المناظرة صادمة إلى حد القلق، إذ إن 48 في المائة من المغاربة يعانون أو عانوا من اضطرابات نفسية، وأن عدد الأطباء النفسانيين في بلدنا لا يتجاوز 466 طبيبا، وأن المصحات الخاصة التي تؤوي المرضى النفسانيين لا تتجاوز أصابع اليد.
من هذا المنطلق سنجد مبررا لغياب نقاش معمق حول الطب النفسي في شقه الرياضي، وسنتفق على أن العاديين أولى بالرعاية النفسية، خاصة إذا تحالفت الهشاشة مع الاضطرابات النفسية، فتمخض عنها هبوط اضطراري في الأولياء الصالحين المتخصصين في ترميم العقول، أو هكذا يبدو لأهالي المرضى.
صحيح أن الطب النفسي يساعد لاعبي كرة القدم والرياضيين عامة في التغلب على التشويشات العقلية ويدفع نحو تحسين أدائهم في الملاعب، لكنه، في واقع الأمر، مجرد «خضرة فوق طعام»، أو هكذا يبدو للمسؤولين عن الأندية المغربية.
حين شارك المغرب في أولمبياد باريس الأخير، لم يرافق البعثة أي طبيب نفساني وكأن شعار المشاركة «عالج نفسك بنفسك»، بل إن مهاجرا مغربيا مقيما في فرنسا تطوع لسد هذا الخصاص حبا في الوطن.
في كرة القدم، الطبيب النفسي ليس عنصرا أساسيا في اللعبة، وغالبا ما يتحول طبيب العظام إلى طبيب عام، أو يتقمص المدرب دور المحفز الذهني حين يشعر بأن لاعبا اختلت موازينه وانهالت عليه زخات الصفير.
صحيح أن بعض الفرق «المحترفة» تؤثث طاقمها بطبيب نفساني، لكن دفتر التحملات لا يلزمها بوجود هذا العنصر الذي يعتقد المسيرون أنه يصاب بالتوتر إذا لم يصَب به الآخرون. هناك موضة الاستعانة بالطب النفسي في المباريات عالية التوتر أو حين يأتي الغضب الساطع من المدرجات ويصبح كرسي الرئيس تحت رحمة الشتائم.
إذا كان الطب النفسي الرياضي مسؤولا عن مشاكل الصحة العقلية للاعبين، كالقلق والاكتئاب واضطرابات الأكل والنوم، فإن المسير مطالب بدوره بتوفير مناخ العمل ونزع فتيل التوتر من الفريق، فلا يمكن تحسين الأداء وتقوية الجانب النفسي حين يخلف الراتب الشهري موعده، وحين تتعطل المنح والحوافز وتطوق الديون أعناق اللاعبين وتقيد أقدامهم.
يقول امحمد فاخر، مدرب المنتخب الوطني سابقا، إن أحسن طبيب نفساني في البطولة المغربية هو «البريم»، فإطلالة منه تزيل الغم والهم والآهات، وتفتح شهية اللاعبين على الركض خلف الكرة.
لكن هناك اجتهادات من بعض المدربين، أذكر أن رشيد الطاوسي كان فاجأ لاعبي منتخب الشبان بعد تناول وجبة العشاء في أحد فنادق مدينة إفران، حين بشرهم بسهرة دافئة مع فرقة غنائية أطلسية، أبان فيها «أشبال الأطلس» عن مهاراتهم في الرقص والغناء، لكنهم فازوا باللقب الإفريقي.
قبل أن يواجه المنتخب الليبي نظيره المغربي، ظلت البعثة الليبية على موعد كل ليلة مع فيلم «عمر المختار»، حتى كاد بطل الفيلم أن يصاب بالضجر.
اليوم، يجب على إدارات الفرق الرياضية التحلي بوعي أعمق من هذا بكثير، فتولي الأمور إلى أصحاب الخبرة والعلم في مساعدة اللاعبين والمدربين على تحقيق الفوز بالبطولات والحفاظ على صحتهم النفسية والعقلية.
حين كان سعد الدين العثماني رئيسا للحكومة المغربية، لم يصدر قرارا يلزم الفرق بالاستعانة بالأطباء النفسانيين، رغم أنه بمجرد انتهاء مهامه الحكومية عاد إلى عيادته. كنا أحوج إلى قرار حكومي يحفظ العقل السليم ويبقيه في الجسم السليم.

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة