أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةرآيفي نقد أطروحات «ماذا بعد طوفان الأقصى»؟

في نقد أطروحات «ماذا بعد طوفان الأقصى»؟

مع ذكرى السابع من أكتوبر تواترت تقييمات الباحثين والخبراء الاستراتيجيين، وانتظمتهم ثلاثة توجهات رئيسية:

الأول، لا يرى في الصورة سوى حالة غزة بعد سنة من العدوان الصهيوني عليها، ثم الضربات التي تلقاها حزب الله، فوجد من ذلك مبررا لإعادة إنتاج أطروحته السابقة، التي تبناها حتى قبل طوفان الأقصى، فرأى فيما يجري إيذانا بنهاية المشروع الإيراني في المنطقة، وأن فصائل المقاومة، بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي، ليست إلا ذراعا لإيران تستخدمها لخدمة المصالح الإيرانية القومية.

وتوجه ثان، على المقابل، يرى أن طوفان الأقصى، سيعيد تشكيل الشرق الأوسط وفق معادلة تتغير فيها موازين القوى لصالح المقاومة، وأن حماس، وهي تخطط لحدث طوفان الأقصى، أخذت وقتها ليس فقط للإعداد للعملية الأمنية والاستخباراتية والعسكرية، وإنما استحضرت في توقعها لرد الفعل الإسرائيلي كافة السيناريوهات، بما في ذلك السيناريو الذي يجري على الأرض، أي تغيير العدو الصهيوني لعقيدته في الحرب من الحرب خاطفة بمديات زمنية قصيرة إلى حرب طويلة المدى، وسياسته في إبادة القطاع بمن فيه، غير مبال بالمطلق بالمنتظم الدولي، ولا بقرارات مجلس الأمن، أو الإجراءات المؤقتة لمحكمة العدل الدولية، ولا بالقوانين والأعراف الدولية، وأن المقاومة جهزت جوابها عن كل هذه السيناريوهات.

أما التوجه الثالث، فيوجد على مسافة مقابلة للأطروحة الأولى من حيث تقدير دور المقاومة في إفشال مخططات العدو، لكنه يترك في الآن ذاته لنفسه حرية تقييم فعل المقاومة، ودراسة جدوى تحولها من استراتيجية الدفاع، إلى استراتيجية الهجوم، فضلا عن نقد تجربة حزب الله، الذي انتقل بعد الحراك الإقليمي العربي، من حركة مقاومة للاحتلال الصهيوني وعدوانه على لبنان، إلى حركة طائفية عابرة للحدود (دوره في سوريا والعراق)، وأن الوضع الذي نشأ عن هذه الأخطاء، لا يبرر وضع المقاومة في دائرة المساءلة، وإنما يقتضي إسنادها من جهة، والبحث من جهة أخرى عن حراك سياسي، يفتح الإمكانية لحوار عربي إيراني، يستثمر ضعف طهران لتحقيق هدفين: تشكيل فاعل رئيسي ضاغط في الشرق الأوسط، بعدما سادت في الاستشرافات الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية أطروحات تتحدث عن دور مركزي لإسرائيل في صياغة الشرق الأوسط الجديد وذلك في ظل الفراغ الذي يوجد في الشرق الأوسط، ثم ممارسة ضغط على إيران لإعادة النظر في سياستها الإقليمية التي تعمل على استثمار جوانب الهشاشة في المنطقة العربية لإنهاء دور الدولة والتمكين لأذرعها لتحل محلها.

في الواقع، لا نود مناقشة الأطروحة الأولى، فيكفي أن نقيس إنجازات سنوات طويلة من الرهان على مسار التسوية مع الكيان الصهيوني (اتفاق أوسلو)، بإنجازين مركزيين حققتهما المقاومة في فلسطين (الانسحاب من قطاع غزة) ولبنان (تحرير جنوب لبنان في عام 2000 وتمدد حزب الله في شمال الليطاني بعد هزيمة إسرائيل في حرب تموز 2006).

المعطيات التي تكشفت قبل الحرب وبعدها عن خطوط الاستراتيجية الإسرائيلية، تتحدث عن تصور لشرق أوسط جديد، تغيب فيه بالمطلق فلسطين وقواها المقاومة، وتدمر فيها محاور المقاومة

الأطروحة الثانية، تبدو مغرقة في العاطفية والانتماء، فالرمزية التي تحملها المقاومة، وشرف الوظيفة التي تقوم بها، وحجم التضحيات التي تقدمها في المعركة وسط تخاذل عربي شامل، كثيرا ما يجعل نقد فعلها في الميدان أمرا مدانا أو مفسرا بتقديم خدمة للعدو الصهيوني، ففي خضم المعركة، تعتبر مثل هذه التقييمات جزءا من المعركة النفسية التي قد يستعملها العدو لتبرير جرائمه، والإقناع بمصداقية إنجازاته في المعركة.

في الواقع، من المشروع جدا تقييم تحول استراتيجية المقاومة من الدفاع إلى الهجوم، لكن، من الصعب جدا أن يكون هذا التقييم علميا من غير التحقق من دواعي المقاومة للتحول إلى استراتيجية الهجوم، فحماس تستحضر مسارا من التكتيكات العدوانية الإسرائيلية في القدس والضفة الغربية، وتتحدث عن معلومات دقيقة توصلت بها عن خطة للعدو الصهيوني لضرب قدرات المقاومة وبنيتها العسكرية والتنظيمية في غزة.

مؤكد، أن السؤال سيبقى دائما مطروحا، عن إمكان تجديد استراتيجية الدفاع بدل التحول للهجوم، ويضاف إليه سؤال آخر، يرتبط بحدود التوقع عند فصائل المقاومة، وهل كان في وارد سيناريوهاتها ما حصل من رد فعل إسرائيلي جنوني في قطاع غزة؟

البعض يجزم بأن حماس لم تتوقع هذا السيناريو المؤلم، وأنها لو توقعته لما أقدمت على “طوفان الأقصى”، لكن في المحصلة، ثمة سؤال مقابل يطرح على هذا التقييم، يتعلق بحدود العلاقة بين “طوفان الأقصى” وبين رد فعل جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهل كانت الاستراتيجية الإسرائيلية، ستتعطل لو اكتفت حماس بتجديد استراتيجيتها في الدفاع وتقويتها بدل التحول لاستراتيجية الهجوم؟

المعطيات التي تكشفت قبل الحرب وبعدها عن خطوط الاستراتيجية الإسرائيلية، تتحدث عن تصور لشرق أوسط جديد، تغيب فيه بالمطلق فلسطين وقواها المقاومة، وتدمر فيها محاور المقاومة، وتقوم فيه إسرائيل بدور مركزي، يخلق ناتو جديدا يضم إلى جانبها العواصم العربية المطبعة.

المشكلة في هذا التقييم، أنه يلغي من الاعتبار أن تتجه إسرائيل إلى ما تقوم به اليوم، ويعتبر أن “طوفان الأقصى”، ونقل الاستراتيجية من فعل مقاومة تدافع عن أرضها إلى هجوم دولة على دولة أخرى، زاد من تعقيد الملف، وحرر الدول الغربية من القيود القانونية والأخلاقية في دعم العمل الإجرامي الصهيوني، وهو ما لم يكن من الممكن حصوله لو لم يقع “طوفان الأقصى”.

والحقيقة، أن نضج الاستراتيجية الإسرائيلية بخصوص الشرق الأوسط، والمسارعة الأمريكية إلى دعم صفقة القرن وتكثيف الضغط على الدول العربية للانضمام إلى التطبيع، وإطلاق يد الدولة العبرية في الاستهدافات المسترسلة على القدس والضفة الغربية، لم يحرك هذه البواعث القيمية والأخلاقية لدى الدول الغربية للوقوف ضد تل أبيب، بل ساعدها على المضي أكثر في خطواتها حتى بدا اليمين المتطرف يمني النفس بإعادة احتلال قطاع غزة وبناء مستوطنات فيها.

يبقى في الأخير أن نسائل الخيارات البديلة، أي وجود حراك سياسي عربي، وحوار عربي مع إيران، يفترض هذا التوجه أنه كان بإمكانه أن يسد الفراغ، ويقنع واشنطن والعواصم الأوروبية أن هناك فاعلا قويا في المنطقة، يصعب تحرك بعضه ضد بعض، وأن رؤيته لاستقرار وأمن المنطقة موحدة، تشترط المرور إلى “حل الدولتين” والانتقال من الأقوال إلى الأفعال بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967.

المهم في الاستراتيجيا ليس هو الأماني، بل الوقائع. مؤكد أن جزءا من هذا التصور كان من الممكن تطويره، لاسيما بعد نجاح الحوار الإيراني السعودي، وبروز مؤشرات على عافية العلاقات بين تركيا والإمارات والسعودية ومصر، لكن مع ذلك، فالوقائع الحية، التي تجري على الأرض، وتزكيها التوترات في كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان، تجعل الحوار العربي الإيراني بعيدا، فثمة عقيدة استراتيجية وأمنية عربية تكونت، تعتبر أنه إذا كانت مشكلة الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط تتلخص في إيران وإسرائيل، فالتطبيع مع إسرائيل ينهي المشكلة مع تل أبيب، لكن بالنسبة إلى طهران، فلا يوجد معها حل بالمرة، وأن ما قامت به الرياض، هو سياسة الاضطرار التي لا يمكن البناء عليها، وأنها لجأت لذلك فقط لإنهاء ضربات الحوثي لمصالحها الاستراتيجية وابتزاز واشنطن لها وعدم مصداقيتها في تأمين حدودها.

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة