أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةرآيمهمة المساحين القانونيين على الصعيد العالمي

مهمة المساحين القانونيين على الصعيد العالمي

تدل كلمة ” المساحة ” في معظم بلدان العالم على علم “الجيوديسيا ” (أو المساحة التطبيقية) وما يتعلق بهذا العلم من مهارات في القياس لإعداد الخرائط والتصاميم والمخططات، وتنظيم الأعمال الهندسية والعمرانية. ومن ثم فإن المساحة تشمل ميادين متعددة من أوجه النشاط. فالمسح الطوبوغرافي، مثلا، يهتم بتحديد المعالم السطحية للأرض على الخرائط، فضلا عن البيانات الأخرى التي يتطلبها تخطيط تنمية الموارد وتنفيذها. في حين أن المسح الهندسي يمكن من إعداد التصاميم المطلوبة في مجال تنفيذ المشروعات العمرانية. أما المسح التعديني فيهتم بتخطيط عمليات استخراج المعادن ورسم التصاميم الدقيقة وتوفير وسائل الأمان أثناء العمل وبعده. وثمة نوع آخر من المسح هو المسح الهيدروغرافي (أي مسح المياه). ويهتم بقياس البحار والبحيرات والأنهار ووصفها وإعداد مخططات ورسوم لها لخدمة الملاحة وتطهير الأعماق وبناء الموانئ وتحديد مواقع منصات حفر آبار النفط في المناطق المغمورة وغير ذلك من الأغراض. وتقتضي جميع أوجه النشاط هذه استخدام الوسائل العلمية والأجهزة المتقدمة.

هذا هو مفهوم ” المساحة ” بوجه عام. غير أن لها في الغرب مفهوما أوسع نطاقا. فهي تشمل كثيرا من التخصصات الأخرى. وقد اتضح هذا التوسع منذ عام 1523 عندما عرف ” المساح ” في أول كتاب بالإنجليزية ورد فيه ذكره بأن وظائفه الأساسية هي إدارة شؤون الأرض، وتنميتها، وتشييد المباني وصيانتها. وجاء في الكتاب نفسه أن لتلك الوظائف الأسبقية على مجرد رسم الخرائط.

ومن هنا نجد أن المساحة في الغرب قد أخذت منذ ذلك الحين المبكر تمد نطاق مهارتها الأساسية بحيث صارت تشمل عددا كبيرا منوعا من المهام، مثل إدارة الأرض وتخطيط استخدامها، ودراسات المشاريع القابلة للتحقيق، وتنمية الأرض، واقتصاديات البناء، وصيانة المباني والمحافظة عليها، وإدارة المشروعات وما إلى ذلك من عمليات.

وواضح أن الأرض (بما في ذلك المباني والمنشآت الأخرى المقامة عليها والمعادن المتوفرة سواء فوقها أو في باطنها ) تشكل موردا مهما في جميع البلدان، وواضح أيضا أن الإفادة من الأرض تقتضي أن تتم إدارتها وتنميتها بحكمة وحصافة بحيث تدرس مشروعات التنمية من حيث صلاحيتها الاقتصادية وجدوى تنفيذها دراسة وافية خاصة. وقد ازدهرت مساهمة المساحين البريطانيين في أوجه النشاط هذه منذ القرن السادس عشر عندما ظهرت ملكيات خاصة شاسعة عهد إليهم بإدارتها. ولم تلبث هذه المساهمة أن نمت نموا مطردا أثناء الثورة الصناعية حينما أدت بواكير التطور في المجتمع إلى احتياج متزايد لمهارات المساحين. وأخذت مهنة المساحين في العصر الحديث تلعب دورا حيويا في إدارة الملكية الوطنية بأكملها، بما في ذلك تقديم المشورة فيما يتعلق بسياسات الأرض الوطنية، ووقاية البيئة وتحسينها، وتنمية الموارد الإنشائية الوطنية.

وحري بنا الآن أن نستعرض بعض الأمثلة التي توضح مهمة المساح، وخاصة في البلاد العربية ولنبدأ من البحرين، فقد واجهت البحرين في السنوات الأخيرة عددا من المشكلات في مجالات التخطيط الريفي والحضري والهندسة المدنية وحيازة الأرض. وترجع تلك المشكلات إلى التضارب بين عمليات المسح المحلية التي أجريت وفقا لمواصفات شتى على مدى فترة طويلة من السنين. ثم قررت الهيئة المسؤولة عن المساحة أن من الضروري القيام بمحاولة جديدة كل الجدة، فكان أن كلفت مجموعة من المساحين القانونيين بوضع خرائط جديدة للدولة بأسرها ترتكز على أطر أفقية وراسية منسقة ودائمة.

وتتوفر لدى البحرين خرائط ذات مقاييس هندسية وطوبوغرافية لمراكز المدن والمناطق المنماة وغير المنماة في سائر أنحاء البلاد.

وإذا انتقلنا إلى المملكة العربية السعودية، وإلى ميناء الجبيل على وجه التحديد التي جرى تطويره، لوجدنا أن مشروع هذا الميناء يقتضي بناء فرضة ذات مراس عميقة لاستقبال سفن الشحن وناقلات النفط الضخمة. وقامت شركة ” هيدروغرافك سيرفيورز ” بعمليات المسح الهيدروغرافي، وتكون فريق مساحي هذه الشركة من مساحين هيدروغرافيين ومهندسين إلكترونيين يقيمون على ظهر سفينة للمسح. ويخضع المشروع بأكمله لإشراف مساح قانوني.

وكان من الضروري قبل البدء بالأعمال البحرية مراجعة البيانات الجيوديسية ووضع مزيد من النقاط الإحداثية للنظام الإلكتروني لتحديد موضع سفينة المسح. واستخدمت الأساليب التقليدية للمسح الأرضي كلما كان ذلك ممكنا. واستعان فريق المساحين أيضا بأجهزة الاستقبال طراز “دوبلر” للمسح بالأقمار الصناعية. وطبق استخدام هذه الأجهزة القابلة للحمل على جزء يقع بمحاذاة الشاطئ. وتطلب استخدام الأساليب التقليدية بناء أبراج للمراقبة.

وثمة مشروع آخر في المملكة العربية السعودية يقتضي وضع خرائط به بمقياس رسم ضخم من أجل تخطيط المدن. وتوفر خرائط من هذا القبيل أمر لابد منه في تخطيط المدن على نحو منظم. وقد كلفت السلطات السعودية شركة “فيري سيرفي” البريطانية بوضع خرائط لجميع المدن والقرى الرئيسية في المملكة مع الاستعانة بوسائل التصوير المساحي الضوئي. واستخدمت الشركة طائرات معدلة تعديلا خاصا ومجهزة بكاميرات للمساحة الجوية الخالية من التشوه في تصوير كل مدينة بمقاييس مختلفة. ثم قام المساحون بزيارة كل مدينة، وبإجراء الدراسات اللازمة لربط الصور بالأرض. كما تم تدريب طيارين ومساحين مسلمين ليتولوا الأعمال الميدانية في المدينة المنورة ومكة المكرمة.

وتم في بريطانيا تحميض الصور الملتقطة بحيث أنتجت خرائط مناسبة. ووسعت هذه الخرائط وجددت بعد فترة السنوات الثلاث التي استغرقها البرنامج الأصلي. كما تم القيام بعمليات مسح خاصة لتناسب تطبيقات بعينها. وقد وسعت الخرائط مثلا في حالة كورنيش جدة بحيث شملت المياه الضحلة الصافية. وقد أمكن بفضل هذا التوسيع مسح قاع البحر المرجاني مسحا مفصلا.

وفي بريطانيا تؤدي المساحة دورا مهما في استخراج النفط من بحر الشمال. فشبكة خطوط ” كورمورانت” لأنابيب البترول صممت وشيدت لترحيل النفط المستخرج من عدد من الحقول المغمورة في القطاع الشمالي من بحر الشمال إلى  جزر شتلاند باسكتلندا. وأسهم المساحون القانونيون في عدة مراحل من تصميم شبكة خطوط الأنابيب هذه وتشييدها. ففي عام1973 تم مسح المسارات الأولى للأنابيب، واستخدمت البيانات المتوفرة آنذاك، بالإضافة إلى مقاييس العمق الصوتية وأجهزة السونار وأساليب السمح الزلزالي. وبناء على تلك الأبحاث تم تجديد المسارات المناسبة.

وفي مطلع عام 1974 تم القيام بمسح أكثر تفصيلا لقاع البحر في منطقة الشاطئ، وتضمن ذلك المسح فحص المناطق المعقدة فحصا مباشرا من غواصة. على أن المساحين أدوا دورا مهما في مرحلة مد الأنابيب ذاتها. وكان عليهم أن يحددوا مواضع الأنابيب في المدى القصير والمدى البعيد وذلك ضمانا لالتزام الأنابيب الممدودة بخط المسار المحدد لها. وقد استخدم فريق المساحين غواصة أخرى في المناطق الصعبة.

ومن المعروف أن دلتا نهر النيجر بنيجيريا قد أصبحت في مدة عشرين سنة منطقة رئيسية من مناطق إنتاج البترول في العالم. واقتضى أمر تنمية  هذه المنطقة بادئ ذي بدء القيام بمسح مفصل للمنطقة ووضع شبكة جيوديسية لرسم الخرائط الخاصة لمواقع الامتيازات والحفر والمسالك الخاصة بخطوط الأنابيب. واشترك المساحون البريطانيون في هذا العمل من مراحله الأولى، وكانت ظروف العمل وقتئذ شاقة. وما إن تم وضع الشبكة الجيوديسية التي كانت الأساس لجميع العمليات التي تلت، حتى بدأ المساحون يؤدون مهمات شتى في صناعة النفط، سواء على اليابسة أو في المناطق المغمورة.

وفيما يتعلق بالعمليات على اليابسة ترتب على المساحين أن يضطلعوا بمسح طرق خطوط الأنابيب ومناطق عبور الأنهار. وتم إجراء كثير من أبحاث السبر على العديد من الجداول، كما تم مسح عدد كبير من مواقف الحفر الجديدة ومناطق المحطات النهائية والمستودعات. وواضح أن مثل هذه الأبحاث تتطلب درجة عالية من الدقة وخاصة عندما يقتضي الأمر تحديد مناطق الامتيازات بمنتهى الحرص.

والله الموفق 24/10/2008

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة