أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةسياسةالحزم والاستباقية بملف الصحراء المغربية.. ماذا بعد الخطاب الملكي؟

الحزم والاستباقية بملف الصحراء المغربية.. ماذا بعد الخطاب الملكي؟

بشكل صريح لا يقبل التأويل، أكد الملك محمد السادس، في خطاب تاريخي وجهه أمس الجمعة بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، أن المغرب انتقل من مقاربة رد الفعل في ملف الصحراء المغربية إلى أخذ المبادرة، والتحلي بالحزم والاستباقية، داعياً لرص الصفوف للدفاع عن عدالة القضية الوطنية الأولى والتصدي لمناورات الخصوم.

العاهل المغربي حدد من خلال خطابه معالم التعاطي مع قضية الصحراء، والتي عرفت تزايد أعداد الدول الداعمة لمغربيّتها، وبالتالي أفول أعداد دول أخرى قليلة تسير ضد منطق الحق والتاريخ، مشدداً على دور الدبلوماسية الحزبية والبرلمانية في إقناع هذه الأخيرة وكسب المزيد من الاعترافات وتوسيع الدعم لمبادرة الحكم الذاتي.

لترجح الأمم المتحدة كفة الشرعية التاريخية والقانونية

في قراءته لدلالات دعوة الملك للانتقال من مقاربة رد الفعل في ملف الصحراء المغربية إلى أخذ المبادرة، والتحلي بالحزم والاستباقية، سجل أحمد نور الدين، الخبير في العلاقات الدولية، أنه في المراحل السابقة، كانت الخارجية المغربية تكتفي بمقاربة تدبيرية لملف الصحراء، وكانت في موقع دفاعي بحث يحاول صدّ العدوان الجزائري على سيادة المغرب، كما أنها كانت تتبنى نهجاً مسالماً مع العدو، إلى درجة جعلت حتى بعض الدول الصديقة للمغرب تلوذ بالصمت في المحافل الدولية أو تتبنى موقفاً محايداً، لأنها كانت تشعر أنها أصبحت “ملكية أكثر من الملك”.

وأشار نور الدين إلى أنها كانت تتلقى هجوماً لاذعاً من الجزائر إذا عبرت عن موقف مساند لمغربية الصحراء، بينما كان المغرب لا يعاتب أي دولة تتخذ مواقف معادية، بل الأدهى والأمر، أن أصدقاء المغرب كانوا يقولون في الكواليس “لماذا نعادي الجزائر ونجلب لأنفسنا مشاكل بسبب الصحراء، إذا كان المعني الأول وهو المغرب يغازل الجزائر ويتبادل معها الود والعلاقات التجارية إلى درجة أصبح فيها المغرب أول زبون تجاري للجزائر في إفريقيا كلها سنة 2018 على سبيل المثال، وبحجم مبادلات ناهز مليار دولار؟”.

واعتبر أحمد نور الدين، الخبير في العلاقات الدولية، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن هذا الوضع كان غير سليم ويلقي بالضبابية على القضية الوطنية على الساحة العربية والإفريقية والدولية بصفة عامة، ولم يكن ممكناً تحقيق تمايز في المواقف إذا لم يتخذ المغرب المبادرة ويتحلى بالحزم اللازم.

وأوضح أن هذا التحول بدأ بالفعل شيئاً فشيئاً في الخطاب والممارسة، “وتذكرون مثلاً أن الملك في إحدى خطبه منذ عشر سنوات قال إنه لا يمكن الوصول إلى حل دون تحميل المسؤولية للجزائر.. وأظن أن ذلك الخطاب شكل منعطفاً دبلوماسياً حقيقياً إلى أن وصلنا إلى خطاب 2022 الذي قال فيه بكل وضوح إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم وأضاف أنه ينتظر من كل حلفائه توضيح مواقفهم، وأن المغرب لن يبرم أي شراكة مع من لا يعترف بسيادته على الصحراء”.

وشدد في حديثه للجريدة على أن “هذا الحزم جعل كل أصدقاء المغرب يتنفسون الصعداء، لأنه حررهم من الضبابية وجعل باقي الدول أمام خيارين: إما أن تختار معسكر المغرب الذي يمثل الشرعية التاريخية والقانونية والإثنية والثقافية والجغرافية، وإما أن تختار معسكر الجزائر الذي يمثل التآمر الاستعماري لتفتيت الدول، ويمثل العدوان وخيانة العهود والمواثيق، ويفتح الطريق أمام بعبع الانفصال ليخرج من قمقمه في كل الدول الإفريقية والعربية وحتى في مناطق أخرى من العالم”.

ويرى أن هذا الوضوح سيساعد الأمم المتحدة نفسها على ترجيح كفة الشرعية التاريخية والقانونية على الكفة الاستعمارية التي خلقت المشكل من أساسه، مستشهداً بمذكرات جيمس بيكر، وهو مبعوث سابق إلى الصحراء “حين نقرؤها نجد أنه يقول بأنه حين كان يستمع إلى المسؤولين المغاربة كان لا يفهم ما يريده المغرب تحديداً.. وهذا كلام خطير جداً من مسؤول أممي ووزير خارجية أمريكي سابق”.

واسترسل موضحاً: “لذلك رأينا بعد ذلك تغير المقاربة نحو الفعل بدل رد الفعل، ونحو الحزم في الموقف، لقد تغير الوضع بشكل جذري إلى أن وصلنا إلى اعتراف دولتين عضوين دائمين في مجلس الأمن، واعتراف على استحياء من إسبانيا، وهو لا يقل عن الدولتين السابقتين لأنها تملك من الحجج التاريخية والوثائق ما يجعل كل الدول الأوروبية والعالم يقر بمغربية الصحراء، لأنها ببساطة هي من تآمر مع فرنسا كقوتين استعماريتين على تقسيم أراضي المملكة المغربية إلى مناطق نفوذ أدت بعد ذلك إلى بروز قضية الصحراء إلى الوجود”.

وفيما يتعلق بالخطوات القادمة المتوقعة للمغرب في الملف، خاصة بعد تزايد الدعم الدولي، يرى أحمد نور الدين أن أول ما يجب على الرباط الاشتغال عليه هو طرد “جمهورية ابن بطوش” من الاتحاد الإفريقي، وكل الحجج والأسانيد القانونية والتاريخية متوفرة، والمناخ السياسي أكثر من مناسب، ثم إنهاء مهام مينورسو، لأن وظيفتيها الوحيدتين لم يعد لهما وجود، “وأعني بهما تنظيم الاستفتاء، ومراقبة وقف إطلاق النار”.

كما يؤكد المتحدث على ضرورة اتخاذ مبادرة مغربية داخل اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار، والقطع مع المقاربة الحالية التي تكتفي بإدخال تعديلات على التوصية التي تقدمها الجزائر، متسائلاً في السياق ذاته: “فهل سمعتم بدولة في العالم تتوافق مع مشروع يقدمه بلد يجاهر بأنه عدوها الاستراتيجي والكلاسيكي، ويسلح الميليشيات التي تهاجمها انطلاقاً من أراضيه، وحوّل كل المنظمات الدولية إلى ساحات للحرب الدبلوماسية المفتوحة والمكشوفة ضد المغرب؟”.

الرهان على الموقف الفرنسي والأمريكي

بدوره، اعتبر نوفل البعمري، الباحث المتخصص في شؤون الصحراء، أن الإشارة الملكية لطبيعة الخطوات التي يجب اتخاذها هي دعوة لتجديد الميكانيزمات التي تشتغل بها الدبلوماسية المغربية، خاصة البرلمانية منها، و”هو تجديد مرتبط بأهمية الانتقال من رد الفعل، أي انتظار وقوع الحدث للتحرك بعد وقوعه، إلى الفعل، بمعنى أن نكون استباقيين في تحركنا الدبلوماسي، بحيث يتوقع ويستقرأ الحدث قبل وقوعه، ويكون هناك ضغط ناعم دبلوماسي من أجل تفاديه، خاصة ما يتعلق بالقرارات التي قد تمس بالوحدة الترابية أو تهدد مصلحة من المصالح الوطنية المرتبطة بهذا الملف”.

وشدد نوفل البعمري على أن دعوة الملك كانت دعوة صريحة للتحرك العاجل، الاستباقي المبني على التحليل الاحتمالي والاسترشادي للأحداث والوقائع الدولية، “وبما أننا في شهر أكتوبر، حيث تزامن افتتاح الدورة التشريعية والخطاب مع مناقشة ملف الصحراء داخل مجلس الأمن، إذن هي دعوة للتحرك القبلي والحازم والاستباقي قبل صدور القرار المقبل ليكون داعماً لملف الصحراء وفق المقاربة المغربية”.

ولفت في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن الخطاب أشار بالذكر إلى دول كفرنسا التي يمكن الرهان عليها بعد تغيير موقفها، وباعتبارها عضوا دائما إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا، للعب دور أكبر على مستوى القرار المقبل الذي سيصدر عن مجلس الأمن، “هي الخطوة الدبلوماسية المنتظرة من المغرب ومن دبلوماسيته للتحرك العاجل بالتوازي مع الأجندة الأممية وصولاً لنهاية الشهر”.

كما أشار إلى أن الخطاب الملكي، في شقه الذي توجه فيه للبرلمان المغربي، دعاه للعب كامل أدواره على مستوى الدبلوماسية البرلمانية قصد القيام بمهامها في الترافع وفي تعزيز حضورها الدولي لتعزيز المكاسب التي حققتها المملكة على مستوى ملف الصحراء، من خلال الاعتماد على الكفاءات في اختيار الوفود التي ستقوم بمهمة الدبلوماسية البرلمانية، خاصة أثناء اللقاءات الثنائية في المحافل الدولية والجهوية.

وأردف: “إذن هي دعوة فيها نوع من التوجيه للبرلمان المغربي قصد تطوير عمله الدبلوماسي سواء على مستوى التنسيق بين الغرفتين، وضرورة خلق آليات للتنسيق بينها، وهي الآليات التي ستمكن البرلمانيين المغاربة من تحقيق مكاسب سياسية إضافية للمغرب على مستوى ملف الصحراء”.

إنجازات لا تتعلق بنوايا أو أوهام بل بعمل مخلص ونتائج واضحة

محمد بودن، خبير في الشؤون الدولية المعاصرة، سجل أن الخطاب الملكي جاء مرسخاً للخيارات الوطنية الكبرى في ملف الصحراء المغربية، وقدم استراتيجية عمل واضحة ترتكز على ثقافة استراتيجية ومعرفة عميقة بمقتضيات المرحلة، وبعد نظر في الحكم على الوقائع والتطورات، وجدد أولويات المرحلة من أجل استثمار المكاسب المحققة واستكشاف جوانب جديدة لإضافة مصادر زخم جديدة لقضية الأمة المغربية وتعزيز ديناميتها الدولية.

وقال إن الخطاب الملكي مسار واضح بشأن ملف الصحراء المغربية في المستقبل، وقد لامس الخطاب الملكي في هذا الصدد ثلاثة عناصر جوهرية، أولها إبراز دينامية التغيير في ملف الصحراء المغربية في إطار معادلة المحددات الثابتة والمقاربات المتحركة، “وقد حقق هذا التوجه اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على صحرائه، بما يعكسه موقف هذا البلد الوازن من قيمة استراتيجية بالنظر لكونه شاهداً تاريخياً ومطلعا على تاريخ المنطقة المغاربية”.

ولفت إلى أنه في إطار هذه الدينامية، تعزز الاتجاه الدولي لدعم الحكم الذاتي بمواقف غير مسبوقة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا، فضلاً عن عدد من الدول من مختلف المناطق الجيو-سياسية بالعالم، والتي يصل عددها حوالي 110 بلدان تدعم الأساس القوي الذي تمثله مبادرة الحكم الذاتي، فضلاً عن استمرار فتح القنصليات العامة بكل من العيون والداخلة، والتي بلغ عددها 30 قنصلية، في تجسيد للدعم التام لسيادة المغرب على صحرائه.

وبحسب بودن، فالعنصر الثاني يتمثل في تأكيد الدور الفاعل للمملكة المغربية في محيطها الإقليمي من خلال المبادرات الاستراتيجية للملك، لاسيما المبادرة الملكية الأطلسية، والمبادرة الملكية لفائدة بلدان الساحل، والمشروع الأطلسي الهيكلي خط أنابيب الغاز نيجيريا- المغرب، والتي تمثل ترجمة للبعد الأطلسي الاستراتيجي المتوفر للصحراء المغربية.

والعنصر الثالث يتمثل، وفق تصريح الخبير في الشؤون الدولية المعاصرة، في أهمية مشاركة مختلف المتدخلين والفاعلين في العمل الدبلوماسي الموازي، والانتشار المكثف والنوعي للدبلوماسية البرلمانية والحزبية والمدنية وغيرها، بما يحد من استغلال هذه المساحة من طرف خصوم الوحدة الترابية، مؤكداً أنه في مسار انتقال ملف الصحراء المغربية من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير تحققت العديد من المتغيرات.

ومن بين هذه المتغيرات، أشار بودن في حديثه للجريدة إلى التغيير التنموي في واقع الصحراء المغربية بمعزل عن المسار الأممي للملف، وقد تعزز الواقع التنموي المزدهر بالأقاليم الجنوبية مع إطلاق الملك للنموذج التنموي في سنتي 2015 و2016، بغلاف مالي بلغ 77 مليار درهم.

كما عرج على حصول متغيرات عديدة في لغة الأمم المتحدة ومجلس الأمن منذ سنة 2007، وفي مواقف الدول التي أخذت مبادرة الحكم الذاتي مساحة أكبر في بياناتها وخطاباتها المتعلقة بملف الصحراء المغربية، كما أن دعم مبادرة الحكم الذاتي لم يعد نقطة خلاف في المجتمع الدولي، ومنذ عودة المغرب للاتحاد الإفريقي في سنة 2017 حصل تحول كبير في دور الاتحاد الإفريقي بشأن الملف.

وأكد أنه من المتغيرات الواضحة في مسار النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية يمكن تسجيل توقف الاعترافات بالكيان الوهمي، بحيث بلغ عدد الدول التي لا تعترف أو لم يسبق لها الاعتراف به 164 عضواً بالمنظمات الأممية، مبرزاً أن الصحراء المغربية أصبحت منطقة جذب للاستثمارات الدولية وقطباً قنصلياً منذ سنة 2020، كما أنها تمثل نقطة ارتكاز هامة في العلاقات التجارية عبر الأطلسي وفي التعاون الأمني لمكافحة مختلف التهديدات.

وأردف في السياق ذاته أن “الهدف بالنسبة للمغرب ليس تدبير الملف لكسب الوقت أو إطالة النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، بل قيادة تغيير واضح المعالم وأخذ زمام المبادرة في إطار السيادة المغربية، بالبحث عن حل، والتغيير المنشود جاء عبر مبادرة الحكم الذاتي التي تجد صداها في معايير الحل المحددة في البند الثاني من القرارات الأممية الأخيرة”.

وخلص المتحدث إلى أن “المغرب بقيادة الملك محمد السادس يركز على النتائج والمبادرات الملموسة، وليس على إنتاج الحلقات المفرغة والخطوات العقيمة التي تقوم بها الأطراف المناوئة”، معتبراً أن ثما يقوم به المغرب كما ورد في الخطاب الملكي لا يتعلق بنوايا أو أوهام، بل بعمل مخلص ونتائج واضحة تتجلى أمام الرأي العام المحلي والدولي، في إطار منطق يخلص إلى أن سيادة المغرب حق راسخ وحقيقة ثابتة، وأن النزاع المفتعل حولها سينتهي في أسرع وقت، وشروط ذلك متوفرة وتتعزز كل يوم”.

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة