أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةسياسةالمدرسة العمومية.. طموحٌ إصلاحيٌ “مُرتبِك” ومساعٍ لريادة بـ”أفق محدود”

المدرسة العمومية.. طموحٌ إصلاحيٌ “مُرتبِك” ومساعٍ لريادة بـ”أفق محدود”

في وقت تستعد فيه مكونات المنظومة التربوية لإسدال الستار على موسم دراسي عنوانه العريض “الاستثناء” و”الاضطراب” و”التوتر”، شرعت فعاليات تربوية في إخضاع حصيلة الحكومة الحالية ممثلة في وزارة التربية الوطنية إلى التقويم وامتحان الشعارات والمشاريع الإصلاحية التي تَصدرَّت برامجها الانتخابية بتوفير “مدرسة الجودة” لجميع أبناء المغاربة.

ومنذ توليها تدبير الشأن التربوي والتعليمي المغربي، لم تتوقف الوزارة التي يقودها شكيب بنموسى عن مواعدة المغاربة بتحصين تعليم “ولاد الشعب” وتوفير فضاء تعليمي ومدرسة عمومية تضمن اكتساب المعارف الأساسية وتُصوب “أعطاب” و”اعوجاج” البرامج الإصلاحية التي قادتها الحكومات والوزارة السابقة.

ومن هذا المنطلق، أخرجت وزارة التربية الوطنية خارطة طريق إصلاح منظومة التربية الوطنية 2022-2026، والتي تركز، حسب الوزارة، على الرفع من جودة التعلمات ومواكبة التلاميذ الذين يعانون صعوبات في هذا الإطار، مع تدارس تأهيل المؤسسات التعليمية وتجهيزها بالوسائل الرقمية، لرفع جودة التحصيل الدراسي للتلاميذ، ما أثمر “مدارس الريادة” التي بدأ الاشتغال بها منذ الموسم الدراسي التي نشرف على توديعه.

“أي أفق إصلاحية لقطاع التربية الوطنية؟”، سؤال نقلته “مدار21” لأكاديميين وخبراء تربويين لتقييم رؤية “وزارة بنموسى” لإصلاح منظومة تربوية “مأزومة” ومسائلة تدبير أزيد من نصف ولاية حكومية لقطاع يكون ويؤطر جيلاً من سواعد مغرب الغد، تدبير وصفع منتقدون بـ”المُرتبك والعشوائي”، رابطين هذا الارتباك بـ”الخروج عن المقتضيات القانونية المؤطرة لإصلاح المدرسة العمومية”.

إصلاحٌ “مخالفٌ” للقانون

الإجابات الأولى عن أسئلة “مدار21” تلقتها من الخبير في قضايا التربية والتعليم وكاتب الدولة السابق المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، خالد الصمدي، الذي قال إن “السؤال الجوهري الذي يجب طرحه اليوم هو مدى قانونية الإصلاح الذي يجري حاليا في قطاع التربية الوطنية”، مبرزا أن “أي تقييم ينبغي أن يتضمن إحالة على المقتضيات القانونية المعيار للتقويم والتتبع”.

وأوضح صمدي، في تصريح لجريدة “مدار21″، أنه “إذا كنا نطبق القانون فيمكن أن نقوم بتقييم الإصلاح الذي تقوده وزارة التربية الوطنية منذ تولي الحكومة الحالية تدبير الشأن العام”، مستدركا أنه “في المقابل، وإذا لم نكن نطبق القانون فيمكن أن نقييم حصيلة إصلاح قطاع التربية الوطنية حسب الأهواء والانطباعات”.

وتابع المتحدث ذاته أنه على مستوى تنزيل برامج وزارة التربية الوطنية لمقتضيات القانون الإطار 51.17 المنظم لمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي فإنها “جمدتها إلى حدود الساعة”، مسجلا أنه “لم يتم تحويل مضامين هذا القانون إلى إجراءات عملية على الرغم من تحديد المدد الزمنية لتنزيلها”.

ولم ينزع الصمدي حق وزارة التربية الوطنية في الشتغال وفق خارطة الطريق 2022ـ2026، مستدركا أن “مثل هذه الإجراءات والمخططات كانت مقبولة قبل صدور القانون الإطار الذي اعتبره الملك ملزم لجميع الحكومات ولم يترك لها اختيارات اخرى”.

ولدى سؤاله عن إمكانية تقييم ما تم إنجازه خلال السنوات القليلة الماضية، أبرز المصرح ذاته أن “القانون الإطار يتحدث عن دلائل مرجعية للجودة، وبالتالي فمن المفروض على الحكومة ومن خلالها وزارة التربية الوطنية إخراج هذه الدلائل التي تشير إلى مؤشرات ومعايير يمكن من خلالها تقييم جهود الوزارة في إصلاح المنظومة التربوية”.

“غياب الدلائل المرجعية للجودة يعني غياب معايير تقييم المنجز الحكومي في قطاع التربية الوطنية”، يؤكد الخبير في الشأن التربوي، ويردف مشددا في هذا الجانب على أن “التقييمات في هذه الحالة تصبح مجرد انطباعات شخصية تفتقد إلى النظرة الموضوعية فتتحول بذلك إلى وجهة نظر خاصة بصاحبها ولا ترقى إلى مستوى التقييم الموضوعي”.

وانتقد المتحدث ذاته غياب دور المؤسسات المعنية بتقييم جودة وحصيلة الإصلاح في منظومة التربية الوطنية بالإشارة إلى “اللجنة الوطنية للتقويم داخل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والتي من المفروض أن تنتج بشكل سنوي تقريرا حول تطور إصلاح منظومة التربية الوطنية”.

وأَلحَّ الصمدي أنه “إذا كانت أدوات ووسائل ومعايير التقويم غير موجودة بالإضافة إلى غياب الآليات المؤسساتية، فمن الطبيعي أن يظل الحديث عن نجاح أو فشل وزارة التربية الوطنية في قيادة إصلاح المنظومة التربوية مجرد انطباعات عشوائية”.

موسم “الاستثناء بامتياز”

وبالرجوع إلى سياق الموسم الدراسي الحالي في علاقته ببرامج الإصلاح، أورد الصمدي أن “هذا الموسم شهد اضطراب غير مسبوق سبَّبَ توقف الدراسة بشكل متفرق لمدة 3 أشهر دون أن يتم تعويضها بالشكل المطلوب”، مسجلا أنه “في ظل هذه الاستثناءات من حيت الإضرابات ومن حيث التوقفات جاءت النتائج استثنائية كذلك بتسجيل 8 نقاط أكثر من السنة الماضية على مستوى النجاح في قسم البكالوريا”.

ويواصل المهتم بقضايا التعليم أن “هذه نتائج استثنائية في الاتجاه الإيجابي خلال سنة استثنائية في الاتجاه السلبي وهذا ما يوضح تناقض وزارة التربية الوطنية”، موردا أنني “كنت أتوقع على الأقل أن تكون نتائج البكالوريا قريبة من السنوات السابقة التي عرفت تعثرات بسبب فيروس كورونا وما سببه من انقطاع دراسي”.

خطوة الوزارة بإقرار مشروع لتجويد وضعية المؤسسات التعليمية سمته بمؤسسات الريادة “مسألة إيجابي”، حسب المصرح نفسه، مسترسلا أنه “في المقابل فالقانون يحدد 3 سنوات لتأهيل جميع المؤسسات التعليمية وتزويدها بالآليات والوسائل الديداكتيكية اللازمة وتطوير البرامج البيداغوجية وهو ما يطرح عدد من الأسئلة حول إمكانية إنجاح هذا الطموح في هذه المدة الزمنية القصيرة”.

وبلغة الأرقام، أكد صمدي أنه “بعملية حسابية بسيطة فإنه إذا كنا نتوفر على 12 ألف مؤسسة تعليمية وإلى حدود اللحظة لم نؤهل سوى 600 مؤسسة ريادة في أقف الوصول إلى 2000 مدرسة خلال السنة القادمة في المستوى الابتدائي، فكم يلزمنا من الوقت لتعميم هذا البرنامج على جميع المؤسسات والأسلاك التعليمية؟”.

وبإقرار هذا البرنامج الإصلاحي، حسب الوزارة، الذي شمل خلال مرحلته الأولى 600 مؤسسة تعليمية، يسجل الخبير في الشأن التربوي أن “أبناء المغاربة يدرسون وفق 3 نماذج؛ منهم من يدرس في التعليم الخاص ومن يدرس في مدارس الريادة ومن يدرس في مؤسسات التعليم العمومي بصيغتها العادية”.

وفيما يتصل بالمناهج والأدوات البيداغوجية التي استوردتها الوزارة لإنجاح هذا البرنامج، استحضر المهتم بالشأن التربوي أن “هناك لجنة مستقلة عن الحكومة وعن الوزارة تحمل اسم اللجنة الدائمة للبرامج والمناهج تناط بها مهمة متابعة التجارب الدولية لإعداد نموذج يصلح للمغرب وللمغاربة”، مواصلا أن “هذه اللجنة مع كامل الأسف تم تنصيبها شكليا قبل قرابة 6 أشهر دون أن نسمع عن أنشطتها إلى حدود اليوم”.

وسجل الخبير في قضايا التربية والتكوين أنه “من الطبيعي في هذه الحالة  أن تصبح المدرسة العمومية مختبرا للتجارب التي تستوردها الوزارة من بلدان مختلفة دون القدرة على إبداع نموذج ومدرسة خاصة بالمغرب والمغاربة”.

أي لغة لتعليمنا؟

ولم يستثن المصرح ذاته استحضار مسألة لغة التدريس في علاقتها بإصلاح منظومة التربية والتعليم في المغرب، حيث قال إنه “خلال السنوات الأخيرة لم يتوقف النقاش والجدل على مستوى المجلس الأعلى للتربية والتكوين أو على مستوى البرلمان والحكومة بخصوص إبداع إجراءات تحتفظ للغات الوطنية على مكانتها مع الانفتاح على اللغات الأجنبية”.

وأضاف الصمدي أن “النقاش الطويل العريض حول هذه المسألة أفضى إلى إقرار تناوب لغوي والذي نص على تدريس المواد العملية والتقنية باللغات الوطنية بالإضافة إلى تدريس بعض مضامينها باللغة الفرنسية أو الإنجليزية”، مسجلا أن “هذا ما لم تلتزم به وزارة التربية الوطنية خلال السنوات القليلة الماضية”.

واستدعى العضو السابق بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين إلحاح القانون الإطار على “عرض هذه الهندسة اللغوية على نظر المجلس لإبداء الرأي بشأنها وإصدارها بموجب مرسوم وهذا ما لم يتم إلى حدود اللحظة”، مشددا على أن “ما لم يتم تطبيق هذه المقتضيات القانونية فإن ما يتم تطبيقه الآن في الهندسة اللغوية في الإعدادي والثانوي مخالفٌ للقانون ولن يؤدي إلا إلى الرفع من نسب الهدر المدرسي بحكم ضعف مستوى معظم التلاميذ في اللغة الفرنسية”.

والغريب، حسب الصمدي، هو الإشارة في نتائج البكالوريا إلى ما يسمى “خيار فرنسية”، مبرزا في ذات الصدد على أنه “بما أننا نتحدث عن الخيار الفرنسي فإنه لابد أن يكون هنالك خيار آخر”، مردفا أن “هذا ما لا يوجد اليوم على مستوى الهندسة البيداغوجية واللغوية للأسلام والمستويات الدراسية”.

مدرسة رائدة.. طموح بـ”أفق محدود” 

وقبل أيام صادق المجلس الحكومي على مشروع مرسوم بشأن علامة مؤسسة الريادة، الذي تبتغي من خلاله وزارة التربية الوطنية إقرار “مدرسة عمومية ذات جودة” و” ضمان جودة التعليم والتعلم” بالإضافة إلى “الرفع من مستوى التحكم في التعلمات الأساس وتعزيز انفتاح المتعلمات والمتعلمين وكذا للتقليص من نسب الهدر والانقطاع المدرسيين”.

مشروع “المدارس الرائدة” أو “مؤسسات الريادة” وبالنظر إلى الأهداف “الطموحة” التي يحملها ويُنتظر أن يحققها إعداده وتنزيله على مستقبل المنظومة التربوية، فإنه يصبح من بين المداخل الاساسية التي لا يستقيم الحديث بدونه عن تقييم أداء الحكومة الحالية في قطاع التربية الوطنية.

عبد الناصر الناجي، خبير تربوي ورئيس مؤسسة “أماكن” لجودة التربية والتكوين، اعتبر أنه على مستوى إعداد تصور لمشروع مؤسسات الريادة “فقد كانت هناك مشاورات قبل الإعلان عن خارطة الطريق”، مستدركا “أن مفهوم مدارس الريادة لم يبرز في الصيغة الأولى التي تمخضت عن هذه المشاورات مما يعني أن الحاجة إليه ظهرت بعد شروع الوزارة في التفكير بشكل أعمق في تطبيق خارطة الطريق مع تجميع مختلف الأفكار الواردة فيها في مختبر صغير سمته مؤسسات الريادة”.

وتابع الناجي، في تصريح لجريدة “مدار21″، أنه “بذلك بدأ التأسيس لفكرة تجريب هذه الأفكار قبل تعميمها وهي فكرة سليمة من حيث المنطلقات العلمية التي ترتكز عليها”، مسترسلا أنه “بما أن ما تقترحه الوزارة في هذه المدارس ليس جديدا بل يعتبر من بديهيات العمل البيداغوجي للمدرس فإن الاقتصار على تجريب محدود جدا ثم توسيع الاستفادة بشكل تدريجي لن يحقق التعميم الشامل إلا بعد نهاية ولاية الحكومة الحالية”.

من جهته، قال الخبير التربوي، الحسين زاهدي إنه “لابد من التأكيد أولا على أن مشروع مدرسة الريادة يندرج في إطار تجديد النموذج البيداغوجي وهو ما عبر عنه وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في غير ما مرة بالقول إن مدرسة الريادة تمثل مدرسة المستقبل التي نرغب فيها وأن الهدف النهائي هو تعميمها”، مشددا على أنها “تمثل نموذجا جديدا من حيث البرامج والمناهج والعُدد البيداغوجية المعتمدة التي تختلف عن تلك السائدة اليوم في المدارس العمومية العادية”.

وأورد المتحدث ذاته، في تصريح ل”مدار21″، “إننا إذ نقدِّم هذا التوضيح إنما نريد أن نثير الانتباه إلى أن تجديد وملاءمة المناهج والبرامج والتكوينات يعتبر اختصاصا حصريا للجنة الدائمة لتجديد وملاءمة المناهج والبرامج والتكوينات”، مشيرا إلى أنه “لم يعد الأمر كما كان قبل صدور القانون الإطار من مشمولات اختصاصات مديرية المناهج على الصعيد المركزي للسلطة الوزارية المختصة”.

وأحال الخبير ذاته على المادة 28 من القانون الإطار بالإشارة إلى أنها “تنص بصريح العبارة على أنه يتعين على اللجنة المذكورة إعداد إطار مرجعي للمنهاج ودلائل مرجعية للبرامج والتكوينات، والسهر على تحيينها وملاءمتها مع التطورات البيداغوجية الحديثة بكيفية مستمرة”، مواصلا أنه “وقبل أن تضع الإطار المرجعي للمناهج الذي قامت بإعداده في حيز التنفيذ، فإنه يتعَيَّن عليها عرضُه على المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي لإبداء الرأي بشأنه”.

“وعلى خلاف كل ما جاء به القانون الإطار تقوم الوزارة عبر مديرياتها المركزية بإعداد وتجريب برامج ومناهج جديدة”، يسترسل زاهدي منتقدا منهجية اشتغال الوزارة في إقرار مدارس الريادة، ويشدد على أنها “تسعى إلى تعميمها باعتبارها مدرسة المستقبل في غياب تام للجنة الدائمة المذكورة”.

وانتقد المهتم بالشأن التربوي “طلب وزارة التربية الوطنية تقويم جهة دولية مستقلة لمشروع مدرسة الريادة”، مبرزا أن “هذا مسعى غريب ومتعارض تمام مع منهجية الإصلاح التي صادق عليها البرلمان المغربي وصدرت في صورة قانون إطار ملزم للجميع”.

واعتبر المتحدث ذاته أن “نظام التقييم والاعتماد والمصادقة فاللجنة الدائمة هي التي تضعه وتفعّله وليست الوزارة هي من تختار الجهات التقييمية وتعرض عليها ما تشاء”، مستدعيا، في هذا الجانب، المادة 28 من القانون الإطار التي تدعو اللجنة الدائمة إلى “مراجعة الكتب المدرسية ومختلف المعينات التربوية، والعمل على تجديدها وملاءمتها بكيفية مستمرة، استنادا لنظام للتقييم والاعتماد والمصادقة، تضعه اللجنة الدائمة، ويعرض على المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي لإبداء الرأي بشأنه”.

وخلص زاهدي إلى أن “الوزارة أخطأت من جديد طريق الإصلاح وعطّلت إحدى آلياته الرئيسية التي منحها المشرع الاستقلالية والصلاحيات اللازمة حتى يبقى موضوع النموذج البيداغوجي والبرامج والمناهج مندرجا في زمن استراتيجي فوق الأزمنة الحكومية المتعاقبة”، مؤكدا أنه “من المحتمل جدا أن يتم إقبار هذا المشروع التربوي بمجرد قدوم وزير أو حكومة جديدة فتبتلعنا من جديد دوامة الإصلاح وإصلاح الإصلاح”.

عُدَّةٌ بداغوجية في حاجة إلى التَّكيِيف 

وبخصوص العدة البيداغوجية التي استحدثتها الوزارة في تنزيل تصور مدارس الريادة، والتي استوردت بعضها من بلدان أجنبية كمنهجية “TaRL” المعتمدة في المؤسسة الهندية “pratham”، علق زاهدي أنه “من الناحية البيداغوجية الصرفة فما جاء به هذا المشروع جيد وقد يكون مفيدا للتلاميذ والتلميذات خاصة وأنه منح مجالا معتبرا للأنشطة غير الصفية التي تسهم في تفتح وتطور الشخصية الإنسانية للمتعلم”، مسجلا  تثمينه “التركيز على الكفايات الأساس حتى يتسنى للتلاميذ ضبطها والتمكن منها”.

وتابع الخبير في السياسات التربوية “أنا لست ضد الانفتاح على التجارب الدولية المختلفة وتكييفها مع البيئة والمجتمع المغربي”، مستدركا “أنني أرفض نسخ ونقل التجارب حرفيا دون تكييف أو ملاءمة”، مبرزا أن “ما جاء به مشروع مدرسة الريادة لا يخلو من اجتهاد”، ومشددا على أن “مصدر الفشل المحتمل هو أن المشروع جاء خارج منهجية القانون الإطار التي تملك وحدها صفة الإلزامية للجميع”.

وفي نفس الصدد، صرح عبد الناصر الناجي أنه “في عالم أصبح بمثابة قرية صغيرة، فلم يعد الاستئناس بتجارب دولية أمرا مستغربا”، مردفا أنه “أمر مطلوب إذا توفرت الشروط الضرورية لنجاحه؛ ومن بين هذه الشروط أن يكون المنتوج المستورد قد أثبت فعاليته في بيئات مختلفة لكي نضمن قدرته على الانتقال الجيد من بيئة إلى أخرى دون أن يفقد قيمته”.

وأشار الخبير ذاته إلى ضرورة “تقييم واستشراف قدرتنا على مواكبة وتنزيل هذه المشاريع المستوردة تنزيلا صحيحا وبإمكاناتنا الذاتية”، مُلحاً أن “هذه الشروط غير متوفرة كلها فيما تم استيراده خاصة أداة (طارل) والتدريس الصريح اللذان لم يثبتا فعالياتها سوى في بيئات محدودة تتميز بالهشاشة وضعف التحصيل الدراسي”، مشيرا إلى أن “كل حال فهذه الأدوات تعتبر من صميم العمل والكفاءات التي من المفترض أن يتقنها المدرس المغربي بعد تخرجه من مراكز التكوين”.

ريادةٌ اختيارية

وبالنظر إلى السياق الذي جاء فيه مشروع “مدارس الريادة” والذي طبعته احتجاجات الأساتذة بداية الموسم الدراسي ضد النظام الأساسي للمطالبة بتحسين أوضاعهم المادية والإدارية، اعتبر الناجي أننا “اليوم تجاوزنا هذه المرحلة وأصبح لدينا نظام أساسي محفز من شأنه أن يقوي التزام المدرسين بتنفيذ الإصلاح شريطة العمل الجدي على إشراكهم في كل مراحله”.

رأي تقاسمه مع الناجي الخبير التربوي زاهدي حينما قال إن “الوزارة قد خصصت تعويضات للأساتذة المنخرطين في التجربة بالإضافة إلى برمجة تكوينات مستمرة”، مشددا على أن  “الموارد البشرية هي الركيزة الأساسية لتنزيل أي أصلاح ولا بد من تحفيزها وتأهيلها لنجاح أي مشروع تربوي مهما كان”.

وعن احتمال نجاح أو فشل تجربة “المدرسة الرائدة” في تجويد خدمات المدرسة العمومية وتحقيق شعار الجودة الذي ما فتئت الحكومة تردده منذ توليها مهمة تدبير الشأن العام، سجل الناجي أنها “قد تنجح في تحسين نسبة تحكم التلاميذ في التعلمات الأساس”، مبرزا أنها “في المقابل لن تنجح في إعداد الأطر التي يحتاجها المغرب لبلوغ مصاف الدول الصاعدة إلا إذا كانت الحكومة تراهن على التعليم الخاص لملء هذا الفراغ”.

وواصل الخبير في الشأن التربوي والتعليمي أنه “في سنواتها الأولى فبالتأكيد ستنجح مدارس الريادة في تكريس عدم الإنصاف داخل المنظومة التربوية بإحداثها نظاما طبقيا بين مدارس الريادة  والمدارس الأخرى”.

وعن رأيه حول مآلات مدارس الريادة، أوضح زاهدي أن “ما يهدد هذا المشروع بالفشل كونه مشروع اختياري كما جاء في تصريحات الوزير وفي مرسوم علامة الريادة الذي صادق علية المجلس الحكومي قبل أيام”، مواصلا “أنا لا أفهم كيف أن الوزير يؤكد على أن الأفق هو التعميم بعد التجريب في وقت يؤكد فيه على الطابع الاختياري لعملية الانخراط في هذا المشروع”.

وشدد المتحدث ذاته إلى أنه “من المحتمل جدا أن ينتهي هذا المشروع بانتهاء ولاية الحكومة الحالية لكونها جردته من مقومات الحياة والاستمرار التي هي احترام النهج الإصلاحي الذي جاء به القانون الإطار”، ومشيرا إلى أن “الذي يمنع التغييرات المتتالية وحتى العشوائية هو النهج المذكور دون غيره”.

وذكر المصرح ذاته أن “احترام النهج الإصلاحي والالتزام به هو السبب بالضبط الذي انتقلنا بفضله من الميثاق الوطني للتربية التكوين الذي كان مجرد وثيقة مرجعية إلى القانون الإطار الذي منح الرؤية الاستراتيجية للإصلاح طابعها الإلزامي والاستراتيجي ونقل التعليم من نظام يتولاه قطاع حكومي واحد إلى منظومة تدبرها الحكومة برمتها ويقوده رئيس الحكومة شخصيا من خلال ترِأسه للجنة الوطنية لمواكبة وتتبع الإصلاح”.

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة