أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةسياسةالدخول السياسي.. نقاش غائب وصراعات تتصاعد وتعديل حكومي مُعلَّق

الدخول السياسي.. نقاش غائب وصراعات تتصاعد وتعديل حكومي مُعلَّق

على الرغم من الرمزية الكبيرة للدخول السياسي في البلدان التي تشهد دينامية سياسية، إلا أن هذه اللحظة بالمغرب تكاد تمر دون القدر المأمول من النقاش والتدافع السياسي بين الفرقاء السياسيين، مقابل هيمنة نقاشات حول قضايا اجتماعية واقتصادية، وحول قوانين مثيرة للجدل متداولة بالبرلمان.

ويعيد الدخول السياسي الحالي صياغة السؤال حول مدى امتلاك الفاعل السياسي بالمغرب لثقافة تواكب هذه اللحظة بإثارة النقاش السياسي بالشكل والمضمون المطلوبين، أم أن تفاعل السياسيين بالمغرب يبقى مرتهنا بالضرورة بسقف سياسي واضح متجلي في قضايا اجتماعية وقوانين بعينها.

كما يسائل الدخول السياسي الحالي جدوى التعديل الحكومي، الذي طال النقاش حوله دون أن تتم ترجمته على أرض الواقع، وذلك بين من يرى أن الحاجة إليه ما تزال قائمة، وبين من يرى أنه أصبح متجاوزا بالنسبة للحكومة.

ثقافة الدخول السياسي بالمغرب؟!

يحتاج الدخول السياسي إلى أحزاب قادرة على قيادة المجتمع من خلال طبيعة النقاش السياسي المتداول، وقدرتها على التدافع والترافع، غير أن الواقع المسجل قبيل افتتاح السنة التشريعية للبرلمان يشهد نوعا من انسحاب الفاعل السياسي إلى الخلف، رغم ملحاحية عدد من المواضيع، مما يسائل ثقافة الدخول السياسي لدى الفرقاء المغاربة.

في هذا السياق، يرى بنيونس المرزوقي، باحث في قضايا القانون الدستوري والعلوم السياسية، أن “المغرب يمتلك تجربته المتميزة بخصوص الدخول السياسي”، مفيدا أنه “انطلاقا من صدور دستور 1962، أي منذ أول دستور للمغرب المستقل، إلى غاية الفترة الراهنة، لدينا دخول يتمثل في الخطاب الملكي الذي يتم إلقاؤه عند افتتاح السنة التشريعية، وبذلك فإنه قد أصبح تقليديا افتتاح البرلمان في الجمعة الثانية من أكتوبر محطةً تعطي الانطلاق للدخول السياسي”.

ويضيف المرزوقي، في حديثه لجريدة “مدار21″، أن “خطاب الافتتاح قد يحمل توجيهات في مجالات متعددة، وقد يخصص لموضوع واحد، لكن في كل الحالات فالأحزاب السياسية كأحزاب ومن خلال فرقها ومجموعاتها النيابية في مجلس النواب ومجلس المستشارين تبحث في القضايا التي يثيرها الخطاب الملكي، والمجتمع من الطبيعي أن يساير ذلك”.

تأسيسا على ذلك، يتابع المرزوقي، لا يكون لدينا نقاش أو ترافع أو تدافع قبل الخطاب الملكي بل يتم ذلك بعد الجمعة الثانية من أكتوبر، مفيدا أن التجربة لديها خصوصياتها ولكن تحمل دلالات كبرى أكدها دستور 2011 وهي أن “العطلة” السياسية والحزبية والنقابية والمدنية التي قد تلاحظ خلال شهر غشت وشتنبر تنتهي مع خطاب الافتتاح.

بدوره، يؤيد عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الأول سطات، هذا الطرح، مفيدا أنه “عرفيا الدخول السياسي بالمغرب يكون ما بعد افتتاح الدورة الخريفية في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر”.

ويقارب اليونسي الدخول السياسي في مستويين؛ “مستوى النخب التي يكون عندها هاجس الدخول السياسي حاضرا من خلال مناقشة قضايا تتعلق بما هو اقتصادي واجتماعي وسياسي، ومن جهة أخرى مستوى عموم الأفراد الذين يهمهم الدخول السياسي إذا كان بأجندة تهم حياتهم اليومية ومعيشهم أو يحاول أن يجيب عن إشكالاتهم”، مفيدا أن “حضور هذا المستوى مرتبط بالتأطير السياسي للأحزاب والنقابات والمجتمع المدني وكذا وسائل الإعلام”.

سقف النقاش بالدخول السياسي

في كل دخول سياسي بالمغرب، يطغى النقاش بشكل ملحوظ حول قضايا اجتماعية بعينها، أو قوانين جارٍ التداول فيها داخل البرلمان، ما يجعل النقاش السياسي في الغالب محتكما إلى سقف سياسي، لا يتخطاه إلى إثارة نقاشات سياسية أخرى.

بنيونس المرزوقي، في نقاشه مع جريدة “مدار21″، يقر بهذا الأمر، مؤكدا “فعلا الدخول السياسي مؤطر بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية الكبرى”، مستدركا “ولكن مؤطر سياسيا حتى لو كان الموضوع بعيدا عن السياسة”.

وأفاد المرزوقي أنه “لو كان مثلا خطاب الافتتاح مركزا على مدونة الأسرة فإن اهتمام الأحزاب السياسية والفرق والمجموعات النيابية والمنظمات النقابية وجمعيات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية كلها ستتأطر بهذا التوجه وسيكون عليها أن تبرز مواقفها من مقترحات تعديل المدونة، إذن السقف تحدده طبيعة الموضوع”.

ويضيف “في المغرب تكون هناك بعض القوانين التي ينبغي تأطيرها سياسيا، منها مثلا القانون التنظيمي للإضراب أو القانون التنظيمي للدفع بعدم دستورية القوانين”، مؤكد أنهما “سيثيران نقاشا، وكل ما يرتبط بالحماية الاجتماعية سيستمر النقاش حوله”. وهكذا، يضيف المتحدث، فإن النقاش السياسي، وإن جاء في مرحلة لاحقة، فإنه دائما حاضر.

ويشدد المرزوقي على أنه “كان من الأجدى أن يكون النقاش سياسيا وليس اقتصاديا أو اجتماعيا لأن المدخل السياسي هو المدخل الحقيقي لكل الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وغيرها..”.

ومن جانبه، يرى عبد الحفيظ اليونسي، في حديثه لجريدة “مدار21″، أن “ما هو اجتماعي وتشريعي هو في صلب العملية السياسية”، مضيفا أن “حضور أفراد المجتمع في الدخول السياسي أو غيره مرتبط أشد الارتباط بالتحشيد الاجتماعي”.

ويربط أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية نفسه التحشيد الاجتماعي بالفاعلين السياسيين، لافتا إلى أنه “في حالة المغرب، نعيش حالة من الجمود السياسي أو الستاتيكو سياسي يحتاج لدخول فاعلين جدد لخلخلة مسلمات الأغلبية والمعارضة”.

حرب المواقع تستعر!

يبدو الدخول السياسي الحالي مشوبا بالهدوء الحذر الذي يسبق العاصفة، ذلك أن الأحزاب السياسية ستسعى إلى تعزيز موقعها خلال الانتخابات القادمة، التي يجري التحضير لها من الآن، مما يرجح تصاعد حدة التنافس السياسي خلال هذه السنة، سواء بين الأغلبية والمعارضة، أو داخل كل منهما على حدة.

هذا الأمر لا يستغربه عبد الحفيظ اليونسي، إذ يرى أن “الأحزاب السياسية، بحكم الهوية والتعريف، دورها هو العمل السياسي المشروع للوصول والمساهمة في تدبير السلطة وهو أمر مطلوب وليس قدحا في الأحزاب”.

واعتبر أستاذ العلوم السياسية نفسه أن الاستعداد للانتخابات القادمة من “صميم عمل الأحزاب السياسية”، مشددا بالمقابل على أن “الخطاب الشعبوي يضعف الأحزاب السياسية ويترك الساحة للفراغ ليتم ملؤها بالعدمية أو التفاهة”.

في السياق ذاته، يرى بنيونس المرزوقي من جهته أن “السنة القادمة ستكون مرحلة الصراعات الحقيقية، خاصة وأن التحضير للانتخابات يتحكم فيه هاجس التنافس على رئاسة الحكومة القادمة”.

هذا الأمر يدفع، وفق المرزوقي، إلى إثارة مطالب عديدة في الوقت الحالي “بعدم تأجيل النقاش حول المنظومة الانتخابية إلى آخر سنة من عمر الحكومة”، مؤكدا أن “القانون التنظيمي لانتخاب أعضاء مجلس النواب والمستشارين والقانون التنظيمي للأحزاب السياسية والقانون التنظيمي لانتخاب أعضاء الجماعات الترابية ثم القوانين المتعلقة بالغرف المهنية وغيرها، كلها يجب أن تأخذ الوقت الكافي وذلك بالشروع في دراستها انطلاقا من هذه السنة، وأعتقد أن المعارضة ستركز بشكل كبير على هذا الموضوع”.

تعديل حكومي “مُعلَّق”

رغم تواتر النقاش بشكل كبير حول التعديل الحكومي طيلة السنة الماضية واستمراره مع الدخول السياسي الحالي، إلا أن الآراء منقسمة اليوم بين من يرى أنه لا جدوى من تعديل حكومي في الأمتار الأخيرة من عمر الحكومة، ومن يرى ضرورة خلخلة المشهد الحكومي في ضوء المُنجَز خلال ما تقدم من هذه الولاية الحكومية.

وفي هذا الصدد، يورد المرزوقي أن “التعديل الحكومي، إذا ما كانت له من أهمية، فهي تتمثل فقط في إعادة هيكلة بعض القطاعات الوزارية، إما بإضافة وزراء منتدبين أو كتاب دولة”.

مرد ذلك، وفق الباحث في قضايا القانون الدستوري والعلوم السياسية، إلى أنه “الآن مرت ثلاث سنوات والتعديلات التي قد تطال قطاعات وزارية استراتيجية هي مضيعة للوقت بالنسبة للحكومة”.

واسترسل المرزوقي: “بما أن الأغلبية البرلمانية المساندة للحكومة منسجمة ومتكاملة ومريحة فأعتقد أنه لا أهمية للتعديل الحكومي لأنه لن يسفر عن أي مفاجآت”، مؤكدا أن “هناك ثلاثي أغلبي برلماني يشكل حكومة منسجمة إذن لا حاجة له للدخول في معارك جديدة للبحث عن حزب من خارج الأغلبية لإدماجه أو عن حزب من داخل الأغلبية لإخراجه”، مرجحا أن “يبقى الوضع على ما هو عليه إلا إذا تعلق الأمر بإعادة هيكلة جزئية للتركيبة الحكومية”.

من جهته، يذهب عبد الحفيظ اليونسي إلى عكس هذا الطرح مفيدا بأن إلحاحية التعديل الحكومي ما تزال قائمة، لافتا إلى أن “مسطرته الدستورية واضحة من حيث الاقتراح والتعيين ومباشرته، وهو يدخل في مجال السياسة، حيث تقدير الفاعلين لإنجاز التعديل من عدمه”.

ويشدد اليونسي “بالنظر للعرف السياسي ببلادنا وضعف منجز الحكومة الحالية أظن أن التعديل مطلوب، وإلا فثمة مشكلة على مستوى فعالية عمل النظام السياسي ببلادنا”، موضحا أن ذلك “يكرس صورة نمطية وغير صحيحة أن الفاعلين الحقيقيين في مكان آخر في مستويات اتخاذ القرار في الدولة”.

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة