أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةسياسةالفساد بالمغرب.. داءٌ ينخر المؤسسات ويمتحن استراتيجيات عقد من الزمن

الفساد بالمغرب.. داءٌ ينخر المؤسسات ويمتحن استراتيجيات عقد من الزمن

على بعد قرابة سنة على إكمال الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد (2015/2025) للمدة المرسومة لها لبلوغ أهدافها وغاياتها، أعادت الأرقام والمؤشرات “المقلقة” التي رصدتها الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها في تقريرها برسم سنة 2023، سؤال فعالية برامج الاستراتيجيات الـ124 المشكلة للاستراتيجية الوطنية لتطويق انتشار الفساد في الإدارات والمؤسسات العمومية المغربية، والذي يكلف ما يناهز 50 مليار درهم سنوبا.

وفي الوقت الذي كانت تنتظر فيه هيئات وفعاليات مدنية أن تكشف الهيئة، في تقريرها السنوي، عن معطيات “مطمئنة” تُرقِّي المغرب في سلم الدول التي استطاعت تقليص “نخر” الفساد لمؤسساتها وإداراتها، جاءت مؤشرات مدركات الفساد بالمغرب “سلبية” إن لم نقل “محبطة”، حيث أشارت إلى “حصول المغرب على الدرجة 38 على 100 في مؤشر مدركات الفساد برسم سنة 2023”.

هذه الدرجة “المتدنية” أرجعت المغرب خمس نقط خلال السنوات الخمس الأخيرة (2018/2023)؛ وهي معطيات، حسب الهيئة، التي تكرس مسلسل التراجع في هذا المؤشر الذي انطلق منذ 2018، مشيرةً إلى أن 43/100 هي أعلى نقطة حصل عيلها المغرب منذ أزيد من عشرين سنة.

“الفشل” في محاربة الحكومة للفساد لا تعكسه الأرقام والمؤشرات الواردة في التقرير السنوي للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها حول التصنيف “غير المرضي” للمغرب، إقليميا ووطنيا، في مكافحة الرشوة والفساد فقط، وإنما يجسد “إخفاق” القطاعات الحكومية في تحقيق معظم الأهداف الاستراتيجية المرسومة للاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد التي “لم تتحقق بل وتكاد تكون بعيدة المنال”، حسب تقرير الهيئة.

“الفشل مسؤولية الحكومة”

وينطلق منتقدو سياسات الحكومة في مجال مكافحة الفساد ومحاصرة الرشوة والممارسات المنافية للنزاهة والشفافية من “غياب” رئيسها عزيز أخنوش عن المشهد، مبرزين أنه “لم يدع إلى عقد ولو جلسة واحدة للجنة الوطنية لمكافحة الفساد منذ تولي الحكومة مسؤولية تدبير الشأن العام قبل قرابة 3 سنوات، ونفس الشيء بالنسة للحكومتين السابقتين اللتين لم تعقدا سوى لقاءين خلال قرابة 6 سنوات”.

محمد المسكاوي، رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام، قال إن “الهيئة لا علاقة لها بتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد”، مبرزا أنها “قامت بدورها عندما ساهمت، إلى جانب هيئات المجتمع المدني في بلوروة خطوطها العريضة وأهدافها، في العهد الذي كان فيه محمد مبدع وزيرا منتدبا لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة”، مشددا على أن “مسؤولية تنفيذ مشاريع الاستراتيجية البالغة 124 مشروعا يقع على عاتق الحكومة أولا”.

وأضاف المسكاوي، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أنه “كان على رئيس الحكومة، بصفته رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، والتي يناط لها تتبع تنزيل هذه الاستراتيجية، أن يجمع هذه اللجنة لو كانت بالفعل هناك إرادة جدية في تجفيف منابع الفساد في الإدارة والمجتمع المغربي”، مستدركا أنه “منذ بداية الولاية الحكومية إلى اليوم لم ينعقد أي لقاء لهذه اللجنة”.

وتعليقا على الأرقام والمعطيات الواردة في التقرير السنوي للهيئة، أورد الفاعل المدني أن “تواتر صدور هذا التقرير بشكل سنوي أمر مهم”، مسجلا أنه “وقف مجددا على واقع الفساد في المغرب على مستوى جميع المؤشرات الدولية التي لم يتحرك فيها المغرب منذ سنوات، بل رجعنا رتبا إلى الخلف مع الأسف”.

وأجاب المسكاوي الذين يشككون في المؤشرات الدولية كمؤشر النزاهة أو العدالة أو شفافية الصفقات والأعمال، أن “هذه المؤشرات، وإن لم تكن مثالية، فإنها تظل الأفضل حاليا على المستوى العالمي”.

مشاريع معلقة

ولأن أهم المشاريع المهيكلة المبرمجة في الاستراتيجية هي ذات طبيعة تشريعية، أبرز التقرير ذاته أن “بعض هذه النصوص التشريعية ما تزال في مرحلة الإعداد والبعض الآخر، وإن تمت المصادقة عليه وصدوره في الجريدة الرسمية، ما يزال في بداية تنفيذه أو رهينا بصدور نصوصه التطبيقية”.

وفي ما يتصل بباقي المشاريع ذات الطبيعة الإجرائية، لفتت الوثيقة ذاتها إلى أن “الكثير منها عبارة عن تجارب نموذجية في بعض القطاعات وتنتظر التعميم”، مشددةً على أن “كل هذا يجعل هذه المنجزات، وعلى أهميتها، لا ترقى بعد إلى المستوى الذي يجعلها تثمر وقعا ملموسا على معيش وإدراك المواطنين والفاعلين الاقتصاديين”.

وأمام هذا التأخر في إقرار البرامج الموازية للاستراتيجية الوطنية، تشريعيا وإجرائيا، اعتبر المسكاوي أن “المغرب راهن من خلال هذه الاستراتيجية على أن يتقدم في عدد من مؤشرات النزاهة والشفافية وإصلاح الإدارة”، مبرزا أن “الرهان الحقيقي يكمن في تثمين تنزيل المشاريع خاصةً وضع قوانين تلائم الاتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد ومراجعة قانون التصريح بالممتلكات الذي يرجع إلى سنة 2008 وتجريم الإثراء غير المشروع ومواجهة تضارب المصالح”.

وسجل المتحدث ذاته أن “مجموعة من القوانين كان لابد من أن تكون جاهزة اليوم لنجاح جزء من أهداف هذه الاستراتيجية الوطنية”، مبرزا في هذا الجانب، وعلى سبيل المثال “أننا اقترحنا في الشبكة أن نُقر تشريعات في المجال الانتخابي تحد من تعدد المسؤوليات وتشديد قواعد تضارب المصالح لتطويق إمكانية استغلال المناصب في الممارسات المنافية للنزاهة والشفافية”.

وتساءل المسكاوي في السياق نفسه: “كيف يمكن أن تنجح الحكومة في تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في وقت ما تزال فيه الصفقات العمومية تمر عبر مراسيم؟”، معتبرا أنه “حان الوقت لتدبير مسطرة منح الصفقات العمومية عبر قوانين تناقش في قبة البرلمان بين ممثلي الأمة والفاعلين الاقتصاديين وفعاليات المجتمع المدني”.

وأوضح المصرح نفسه أن “الحكومة فشلت في تنفيذ هذه الاستراتيجية الوطنية والدليل هو عدم التئام اللجنة الوطنية التي يترأسها رئيس الحكومة وعدم تسريع إخراج قوانين جديدة في مجال مكافحة الفساد، بل وسحبها تشريعات مهمة في هذا المجال وعلى رأسها مشروع قانون محاربة الإثراء غير المشروع”.

وأورد الفاعل المدني أنه “باستثناء مبادرات المجلس الأعلى للحسابات، في حدود اختصاصاته، والقضاء والرقم الأخضر للتبليغ عن الرشوة والجرائم المالية، يتبين أن الحكومة تحسب نفسها غير معنية بهذا الملف، لا في تحركاتها أو على مستوى الإجراءات التي تناط بها كسلطة تنفيذية”.

“الفساد ليس أزمة آليات”

ولم يؤثر إقرار آليات التبليغ عن الرشوة وفضح الفساد خلال السنوات الماضية، وعلى رأسها آلية الخط المباشر الذي وضعته رئاسة النيابة العامة منذ ماي 2018 (تاريخ بداية انطلاق العمل بالخط المباشر)، في تقدم المغرب على مستوى مؤشرات مدركات الفساد على الغم من ملامسة المكالمات الواردة عليه لـ79 ألف تبليغ خلال خمس سنوات (2018/2025)، بمعدل 100 مكالمة يوميا.

وفي هذا الصدد، اعتبر رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام أن “المشكل في محاربة الفساد بالمغرب ليس مشكل آليات وإنما هي إشكالية غياب الإرادة السياسية الحقيقية لمكافحة تفشي الفساد في المجتمع”، مشددا على أن “رئيس الحكومة يتوفر على آلية قانونية مهمة هي اللجنة الوطنية وبالتالي فإن عدم جمع أعضائها لتتبع مسار تنزيل هذه الاستراتيجية هو مؤشر على غياب إرادة حكومية في تجفيف جميع منابع الفساد”.

وسجل المسكاوي أنه “لا يعقل اليوم، وعلى بعد سنة على إكمال الاستراتيجية للمدة المحددة لها، أن نبقى في منحى تراجعي، وإلا فلماذا هدر الزمن السياسي دون تحقيق الأهداف المرجوة وتجفيف المجتمع من منابع الفساد؟”.

وتابع المتحدث ذاته أن “المنطق يقتضي أن نكون اليوم في طور التفكير في الاستراتيجية الجديدة التي سنعتمدها خلال السنوات المقبلة وتقييم بلوغ الاستراتيجية السابقة للأهداف المرسومة لها، والتي اعترف تقرير الهيئة الوطنية، أنها (لم تتحقق إن لم نقل أنها بعيدة المنال)”، مشددا على أنه “لا يجب أن نترك الفراغ في مثل هذه الأوراش الكبرى”.

ورفض المهتم بقضايا المال العام “منطق وضع استراتيجية جديدة لمكافحة الفساد في اللحظات الأخيرة للاستراتيجية الحالية دون إشراك المعنيين بهذا الموضوع ودون تقييم نقائص المشاريع السابقة وبناء تصور مشترك حول محاربة الفساد في المجتمع”.

اعتقال مسؤولين.. مجهود مؤسسات مستقلة

وعرفت الأشهر القليلة الماضية جملة من الاعتقالات التي شملت شخصيات ومسؤولين سياسيين في مؤسسات الدولة؛ وهي الخطوة التي اعتبرها عدد من المتتبعين للشأن السياسي والحقوقي ثمرة جهود المؤسسات المعنية بالحد من انتشار الفساد في تسيير الشأن العام، ما ينفيه فاعلون آخرون في مجال حماية المال العام، والذين يعتبرون أن “هذه الموجه لا علاقة لها باستراتيجية الحكومة في محاربة الفساد وإنما هي مجهود مؤسسات مستقلة عن الحكومة”.

وعلى هذا النحو سار تدخل المسكاوي، الذي لم يتفق مع من يعتبر حملة الاعتقالات الواسعة في صفوف شخصيات سياسية معروفة خلال الفترة الأخيرة على أنها “ثمرة عمل حكومي في مجال محاربة الفساد”، مستدركا أن “هذا عمل مؤسسات أخرى بحيث أن أغلب المتابعين اليوم جاءت في شأن قضاياهم تقارير رسمية إما من المجلس الأعلى للحسابات أو المفتشية العامة لوزارة الداخلية”.

وتابع المتحدث ذاته أن “هذه المؤسسات مستقلة عن العمل التنفيذي وعن سياسات الحكومة في مجال محاربة الفساد”، مسجلا أن “غياب فعالية إجراءات وبرامج الحكومة لمكافحة الفساد يثقل هذه المؤسسات بمهام مراقبة عدد كبير من المؤسسات بموارد بشرية محدودة”.

ولم يستبعد الفاعل المدني أن “تساهم إجراءات الحكومة في مراقبة الإجراءات التدبيرية والمالية ورصد الأخطاء التي تعرفها هذه العملية لتخفيف الضغط عن قضاة المجلس الأعلى للحسابات الذين لا يتجاوز عددهم 200 قاضي”.

وأورد الفاعل المدني نفسه أن “الفساد يتطور وكلما وضعت له قوانين لا بد أن يجد له مخارج وبالتالي لابد من مواكبته بتطوير التشريعات بنفس السرعة التي يتطور بها الفساد في المجتمع”، مشيرا إلى أنه “السؤال الذي يطرح اليوم هو لماذا يستمر الفساد في الوقت الذي نتوفر فيه على استراتيجية وطنية وخطب ملكية مؤطرة لهذا الموضوع وقضاء وقوانين رادعة للفساد”.

وتابع المسكاوي أن “القضاء على الفساد يقتضي تغيير عدة قوانين وسد ثغرات تشريعات أخرى وإقرار قوانين جديدة تطوق الممارسات الفاسدة في التدبير العمومي بالإضافة إلى ضرورة توفر الإرادة الحقيقية لمحاربة الفساد”.

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة