أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةصحةالسبق المغربي لوئام الحضارات وحوار الثقافات يعرض في الفاتيكان

السبق المغربي لوئام الحضارات وحوار الثقافات يعرض في الفاتيكان

*العلم الإلكترونية: إيطاليا – عبد اللطيف الباز*

في لقاء، قبل يومين، تألق حضور المملكة المغربية، وتردد تميّزالنموذج المغربي على ألسن كل المتدخلين والمعقبين في الفاتيكان.

وكان من أبرز المشاركين في المحاضرة والنقاش الكاردينال كريستوبال لوبيز روميرو أسقف الرباط وطنجة ورئيس أساقفة شمال أفريقيا، وعالم الأنثروبولوجيا الدكتور فوزي الصقلي، الحاصل على وسام ذهبي من جمعية النهضة الفرنسية كعربون اعتراف بالتزامه بحوار الثقافات والأديان، وحضر أيضا صديق المغرب رئيس جمعية النهضة الفرنسية البروفسور دينيس فضة، والدكتورة “رجاء ناجي مكاوي” سفير جلالة الملك لدى الكرسي الرسولي والهيأة السيادية لمالطا.

ومن جهته، حرص الكاردينال روميرو، على إبراز الجوانب المشرقة من تجربة معيشه اليومي بين المسلمين ومعهم، ما ينيف عن 20 عاما، كلها مودة وتعامل يومي كله عطاء وبدل، سواء مع تلامذة مغاربة شارك في تكوينهم والقرب منهم ومن حاجاتهم وشجونهم وتدريبهم على المهارات المختلفة وحب المطالعة والقراءة، كمؤطر ومشرف على مدرسة بالقنيطرة، ثم كرئيس لأسقفية طنجة ثم الرباط وطنجة.

ولأن المناسبة شرط، فقد عرج الكاردينال روميرو على “رسالة تبحرين والحوار الإسلامي المسيحي” التي كتبها الراهب شوماخر، مستشهدا بمواقف من أناس بسطاء أبهرت رهبان ديرالأطلس وعرّفتهم بمعدن الإنسان المغربي ومقدار ما استزرعه فيه الإسلام من قيم الوئام والود والحفاوة وكرم الضيافة والترحاب..، وكلها تجارب أحيت في شوماخر جذوة الاعتقاد في القدرة على الحوار بين أهل الإسلام والمسيحية.


كما أكد الدكتور الصقلي على رسالة تبحرين لشوماخر، واستخلص منها كثيرا من العبر والمواقف والمقاطع، قبل أن يعرج على تجربة وإنجازات عاشق الحلاج، العالم لويس ماسينيون، الذي لقبه البابا بـ”الكاثوليكي المسلم”، وما قام به من جهود حثيثة للتعريف بالإسلام ومبادئه وقيمه وسماحته، والذي أرسى روحانيته (الحلاجية) على مفهوم الضيافة، من منطلق أنه كي “تفهم الآخر، لا يجب أن تضمَّه إليك، بل أن تكون ضيفَه”.

هذا قبل أن يعرّج المحاضر على مكانة الحوار في المملكة الشريفة، وعلى دور الروحانية والتصوف في بناء الجسور بين أهل الأديان واستزراع السماحة والألفة وخلق فرص التواصل الصادق والاحترام بين المؤمنين من مختلف الأديان. مستشهدا بالمكانة التي أضحى مهرجان فاس للموسيقى الروحية العالمية، الذي ينظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة، وبأبعاده الثقافية الفنية الفكرية الروحية، واستقطابه لشخصيات من جميع أنحاء العالم لتبادل القضايا الروحية في حوار نموذجي. ما يبرز قوة ودور الفن في التواصل والتقارب والشراكة، ويبرز الحاجة لفتح مزيد من القنوات لحوار حقيقي محترم، للتغلب على الأحكام المسبقة وسوء الفهم وتعزيز السلام والتفاهم المتبادل، ويبرز الحاجة إلى التحدث مع المسلمين عوض الانهماك في الحديث عنهم، بشكل مغلوط وبأحكام مسبقة.

ومن جانبها، استحضرت الدكتورة “رجاء ناجي” سفير المملكة لدى الفاتيكان، قيم الوئام والعيش المشترك العريقة عراقة المملكة الشريفة، والتي تنبع من دستور المدينة المنورة (عهدا المدينة) أول دستور مكتوب في تاريخ البشرية، والذي لازال يتفوق على أكثر الدساتير تقدما إلى اليوم، ويتفرد عنها جميعها من حيث إفراده مكانة للآخر المختلف، بحيث كرّس 25 مبدأ وحقا وقاعدة للمسلمين و27 لفائدة غيرالمسلمين (اليهود والنصارى، وأهل كل العقائد). وأمعن في بيان حرمات غير المسلمين: البِيَع والكنائس والرهبان والدماء والأموال والممتلكات والعقائد والشرائع والعبادات… ومن حيث كونه أول دستور كرّس الحرية الدينية وحرية الضمير (لا إكراه في الدين)، وأول دستور نقل الناس من القبلية إلى الأمة الواحدة الموحّدة الجامعة (اليهود مع المسلمين أمة والنصارى مع المسلمين أمة) والوطن الحاضن للجميع، وجعل بين أهل كل الأديان التناصر والنصرة ضد العدو. ونقل الناس من العرقية والحمية والتمييز العرقي وغيره إلى التآخي في ظلال الإسلام وتحت لوائه، وكرّس مبدأ الاحترام المتبادل التعايش السلمي واحترام حرية الناس لممارسة طقوسهم وفقا لمعتقداتهم. هذه القيم هي التي تسكن عقل ووعي كل مسلم، وهي حاضرة بدون انقطاع في الضمير الجمعي، وهي التي أطرت الخيار الدستوري القانوني للمملكة الشريفة، وعمرها فاق 12 قرنا، وهي التي قيّضت ملوك المغرب صفة أمير المؤمنين، أي حامي كل الملل وأهل كافة الأديان والطوائف.

وحرصت الدكتورة السفيرة على توضيح السياق الذي كتب فيه الراهب شوماخر رسالة “تبحرين”. مبرزة أنه أحد الناجييْن من مجزرة تبحرين بولاية المدية بالجزائر، التي أودت بسبعة رهبان آمنين، في فورة الحرب الأهلية (26 مارس 1996)، كتبها شوماخر من قلب دير سيدة الأطلس (Notre Dame de l’Atlas) بميدلت، حيث وجد وزميلَه مأوى آمنا. وعكس في رسالته فن العيش المغربي وبساطة وحفاوة أهل القرية، منبهرا من ردود امرأة أفحمته بجواب فلسفي عميق عن قضية فكرية كبيرة، بإعطاء أمثلة من حياتها البسيطة..، ما مكنه من إيقاد شمعة الأمل من جديد وتصحيح نظرته للإسلام وأهله، وما ثبّتته فيهم العقيدة من تعايش سلمي ومودة مع أهل الأديان الأخرى.


وأثارت السيدة السفيرة سبق المملكة إلى فسح فضاءات للحوار بين أهل الأديان، منذ قيام الدولة وتأسيس جامعة القرويين التي تتلمذ فيها أهل كل الأديان وعلى رأسهم البابا سلفستر والطبيب والفيلسوف والحِبر موسى بن ميمون، مؤلف أعظم الأسفار المرجعية في العبرية. وفي العصرالحديث، وقبل أن يتنبّه أي أحد إلى مسألة الحوار، بفعل انهماك العالم في الاستعمارات والنهب، أسّس المرحوم محمد الخامس (1958)، بدير تومليلين بأزرو، منارة للحوار، التأم فيها كبار مفكري العصر، وعلى رأسهم الملك العالم الحسن الثاني (وهو ولي للعهد) والأميرة للا عائشة والفيلسوف الحبابي وماسينيون… ولما أقفل الدير في 1968، كانت الدوافع أمنية بحتة، بفعل الاشتجار الحزبي المستعر آنذاك.

ولعل هذه الإشارات الخفيفة تبرز أسرار تفرد النموذج المغربي وسليله النموذج الأندلسي في التساكن والوئام وفي الحوار الفكري البناء بين منتسبي كل الأديان.

وردا على سؤال حول منع غير المسلمين من دخول المساجد  في المغرب، أوضحت السيدة السفيرة أن قرار المنع قرار من المقيم العام الفرنسي، فتحولت الى عرف وعادات في المخيال الجمعي. أما الاسلام فلا يمنع ذلك، بل لطالما صلى أهل الأديان الى جوار بعضهم البعض.

وفي ختام هذا اللقاء الفريد من نوعه، والمتميز أيضاً، تلت المداخلاتِ تعقيباتٌ من رهبان وطلبة كاثوليكيين زاروا المغرب فقدموا شهادات أجمعت بكاملها عن انبهارهم بمناخ السماحة والحفاوة والضيافة والسلام والود الذي تلاقيه في كل مكان بالمملكة، في المدينة أو البادية.

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة