أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةمجتمعالسويني: مشروع القانون التنظيمي للإضراب يخدم العقلنة وتدبير الاختلاف

السويني: مشروع القانون التنظيمي للإضراب يخدم العقلنة وتدبير الاختلاف


هسبريس من الرباط

اعتبر منتصر السويني، باحث في العلوم السياسية والمالية العامة، أن الطبقة السياسية المغربية تأخرت كثيرا في التوافق حول مساحة للالتقاء بين المشروعية الشعبية والمشروعية الاجتماعية، وأن غياب هذا التوافق فتح الباب أمام الإضرابات المتتالية والمستمرة في الزمن، حيث كثرة الإضرابات تعطي صورة مغايرة عن الديمقراطية، إذ ترسخ مفهوما جديدا للديمقراطية باعتبارها تستهدف عرقلة الحكم بدل أن يكون الهدف منها الوصول إلى الحكم.

وقال السويني، في دردشة مع جريدة هسبريس الإلكترونية، إن كثرة الإضرابات تعمل على عرقلة اشتغال وعمل المشروعية الشعبية والمؤسسات المنبثقة عنها، وتجعل مرحلة حكمها صعبة ومتقطعة من خلال الإضرابات المستمرة، خصوصا في ظل وجود جزء من القوى السياسية لا يؤمن بالمشاركة السياسية، ولا تهمه كراسي الحكم، ويركز اشتغاله على قيادة الفعل الاجتماعي الاحتجاجي، ويعمل في بعض الأحيان على تحويل الفعل الاحتجاجي الاجتماعي إلى فعل احتجاجي سياسي، ما يعمل على ترسيخ ما يطلق عليه “الديمقراطية السلبية” التي لا يستهدف أصحابها الوصول إلى الحكم، بل عرقلة الحكم ومنعه من الفعل، مما دفع مجموعة من السياسيين، ومنهم رئيس الحكومة الفرنسية السابق ميشيل روكار، إلى القول إن “الحكم صار مهنة مستحيلة”.

وعلاقة بذلك، يرى الخبير نفسه أن المطلوب من مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب العمل على جعل الحكم في المغرب ممكنا من خلال شرعنة الإضراب المقنن، ومن خلال ذلك شرعنة ديمقراطية العمل عبر القدرة على إخراج نص ينتمي للمنظومة الدستورية، ويعتبر مهما في تدبير الاختلاف وعقلنة ممارسة الإضراب، وتعبيد الطريق نحو شرعنة الفعل وشرعنة العمل.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;}

وأضاف منتصر السويني أن “مميزات الديمقراطية الإيجابية، التي يرسخها مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب، تتمثل في كونها تفتح المجال لأصحاب المشروعية الشعبية من أجل الفعل والعمل وخلق الفائض، وبعد ذلك الحساب السياسي عبر صناديق الاقتراع”، ثم زاد أن “المشرع الدستوري المغربي، منذ الاستقلال، عمل على تعبيد الطريق للمشروعية الشعبية كي تشتغل من داخل مربع الفعل والعمل، وفي هذا السياق وجب التذكير بأن المشرع الدستوري، الذي صاغ دستور 62 ودستور 70، رسخ اشتغال الحكومة تحت سقف السهر (من خلال صيغة تسهر الحكومة…)، والمعروف أن السهر لغويا هو العمل المتواصل ليل نهار، بينما المشرع الدستوري الذي صاغ دستور 72، وما تلاه، استعمل عبارة العمل (تعمل الحكومة على …)، فالمشرع الدستوري من خلال استعماله عبارة (تعمل) كان يؤكد أن المشروعية الشعبية والمؤسسات المنبثقة عنها مطلوب منها الاشتغال تحت مربع العمل، وترسيخ الدستور لأولوية وأساسية العمل كان يعني، ضمنيا، أن الانتخابات والمؤسسات المنبثقة عنها ينتظر منها المواطنون أن تخلق الثروة، وأن توزع الثروة، وأن تحسن ظروفهم المعيشية والخدماتية، وكل هذا لن يتم إلا من داخل مربع العمل ومربع الفعل، لهذا كان الكل ينتظر أن تعمل الحكومة، من خلال إخراج القانون التنظيمي للإضراب، على نقل الدولة، عمليا، من مربع العمل والإضراب غير المقنن والعشوائي والفوضوي إلى مربع دولة العمل والإضراب المقنن، مما يساهم في ترسيخ ديمقراطية العمل، التي تعتمد على ثنائية مؤسسات منتخبة عليها العمل وخلق الثروة وخلق الفائض من أجل اقتسامه والرفع من القدرة الشرائية للمواطنين، والرفع السنوي للمؤشر الملك المدعو (الناتج الداخلي الخام)، ومضربين يلتزمون بفتح المجال للحكومة من أجل العمل من خلال ممارسة الإضراب تحت سقف القانون”.

كما ذكر المتخصص القانوني والمالي عينه أن القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب يعتبر نصا مهما وأساسيا لاستمرارية الدولة، ولترسيخ حرية المبادرة، مع الحق في ممارسة الإضراب المقنن (سواء في القطاع العام أو في القطاع الخاص). وكخلاصة، فإن مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب يعتبر، بالتالي، نصا يوازي في أهميته النص المتعلق بتنظيم العمل الحكومي، والنص المتعلق بالدستور المالي، ومن خلال العمل على إصداره تكون الحكومة قد استكملت الضلع الثالث للمثلث الأساسي الذي يرسخ دولة الفعل العمومي (الدستور المالي – النص المتعلق بالعمل الحكومي – النص المتعلق بالقانون التنظيمي للإضراب) من خلال ترسيخ دولة الفعل والإضراب المقنن”.

وبشأن الإضافة المنتظرة من ترسيخ مفهوم “المضرب القانوني”، قال السويني إن دستور 2011 هو “دستور السياسات العمومية”، وميزة هذا الأخير أنه دستور يركز على الفعل العمومي وأثر هذا الفعل العمومي وفعاليته على المواطن والمرتفق ودافع الضرائب، وبالتالي هو دستور ينقل الفعل السياسي من أولوية الصراع على السلطة إلى أولوية الفعل العمومي الفعال”، مضيفا أن “الميزة الأساسية للقانون التنظيمي المتعلق بالإضراب في أنه يعمل على خلق مساحة للتوافق ما بين المواطن القانوني (المواطن الذي يشارك في الانتخابات) والمواطن الأغلبي (المواطن الذي صوت على الأغلبية) والمواطن المرتفق (المواطن الذي يستعمل المرافق والخدمات العمومية) والمواطن دافع الضرائب (المواطن الذي يمول استمرارية الدولة) والمواطن المضرب، حيث هذا الالتقاء يتحقق من خلال جعل الجميع يخضع لسقف القانون، وهو ما يتحقق من خلال كون كثرة الإضرابات لا تعمل فقط على توقيف الخدمات المقدمة للمواطنين، بل ترسخ كذلك ما سبق وأكد عليه الاقتصادي ارتير لافير من أن كثرة الضريبة تقتل الضريبة، أي إن ممارسة الإضراب بشكل مستمر تقتل الإضراب، ونقل المواطن المضرب من مربع ممارسة الإضراب بشكل عشوائي وفوضوي (من خلال الدخول في مواجهة مع المواطن القانوني والمواطن الأغلبي والمواطن المرتفق والمواطن دافع الضرائب) إلى مربع المواطن الذي يمارس الإضراب من داخل مربع القانون، مما يرسخ ثقافة التوافق والحوار بدل ثقافة الاحتجاج والمواجهة والتوقف العشوائي للعمل بشكل جماعي، سواء في القطاع الخاص أو في القطاع العام”.

وعن الإجراءات التي يشرعنها مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب لترسيخ هذه المصلحة، ذكر السويني أن “المصالحة بين المواطن القانوني والمواطن الأغلبي والمواطن المضرب تترسخ من خلال منع الإضراب السياسي (المادة الخامسة من مشروع القانون التنظيمي)، وبالتالي احترام نتائج صناديق الاقتراع، واحترام المشروعية الشعبية وحق الأغلبية في الحكم، من خلال ترسيخ حق المواطن المضرب في ممارسة الإضراب ولكن في إطار القانون، كما أن المصالحة بين المواطن القانوني والمواطن الأغلبي والمواطن المرتفق والمواطن دافع الضرائب مع المواطن المضرب تتم من خلال ترسيخ ما يطلق عليه (ممارسة الإضراب تحت سقف الضرورة)، وكذلك ممارسة الإضراب تحت سقف استمرارية المرفق من خلال شرعنة الحد الأدنى من الخدمة بالنسبة للقطاعات الأساسية، ومنع الإضراب في بعض القطاعات، وكذلك شرعنة مرحلة قبلية من خلال ترسيخ آجال معينة للإخبار القبلي بالإضراب، وشرعنة اتفاقيات الشغل الجماعية بالنسبة للقطاع الخاص، والعمل كذلك على شرعنة مبدأ الأجر مقابل العمل سواء في القطاع الخاص أو القطاع العام، وبالتالي إقرار المصالحة بين المواطن المضرب تحت سقف القانون والمواطن دافع الضرائب، الذي لن يدفع أجرا مقابل عمل غير منجز، والشيء نفسه بالنسبة لأصحاب رؤوس الأموال الذين لن يدفعوا للمضربين أجرا دون خدمة”.

وشدد الخبير على أن المادة الرابعة عشرة من مشروع القانون التنظيمي ذاته تنص على أنه “يعتبر الأجراء المشاركون في الإضراب في حالة توقف مؤقت عن العمل خلال مدة إضرابهم”، وهي مادة أدرجها مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب ضمن الباب الثاني الخاص بشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب في القطاع الخاص، ولكن استعمال المشرع مصطلح “الأجراء” (جمع أجير) يعني كل شخص التزم ببذل نشاطه المهني، ويعمل تحت إمرة مشغل، يكون تابعا له مقابل أجر، أيا كان نوعه أو طريقة أدائه، سواء كان يعمل في القطاع الخاص أو القطاع العام (المادة الثالثة من مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب)، مما يعني أن مبدأ الأجر مقابل العمل يخص أجراء القطاع الخاص أو القطاع العام، كما أن المادة الثلاثين من الباب الثالث، المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب في القطاع العام، شرعنت العمل بالمادة الرابعة عشرة من القانون التنظيمي نفسه المتعلق بممارسة الحق في الإضراب لتسري على جميع المضربين.

وأضاف السويني: “هنا وجب التأكيد أن ترسيخ مبدأ الأجر مقابل العمل إجراء مرتبط بترسيخ المبدأ الدستوري الذي ينص على شرعنة مربع العمل ومربع الفعل، وبالتالي ثنائية العمل-الأجر، وبذلك لا تعتبر عدم استفادة المضرب من راتبه عقابا له، كما يعتقد البعض، لأن العقاب مرتبط بالمساس بالوضعية النظامية أو الوظيفية للأجير، سواء في القطاع الخاص أو في القطاع العام، من خلال المساس بالترقية أو التقاعد أو ممارسة المسطرة التأديبية”.

وختم منتصر السويني الدردشة مع هسبريس بالقول: “في غياب القانون التنظيمي للإضراب، كان المضرب يتمتع بميزة أنه مواطن مضرب، وبالتالي يخضع أحيانا، وليس في كل الحالات، للاقتطاع من الأجر دون إخضاعه للمسطرة التأديبية، ودون أي تأثير على وضعيته وترقيته وتقاعده، ولكن مع دخول القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب حيز التنفيذ سنكون أمام حالتين؛ حالة المضرب القانوني، وهو الذي اعتبره مشروع القانون التنظيمي في وضعية التوقف المؤقت عن العمل، أي المضرب الذي يتقيد بالإجراءات المنصوص عليها في مشروع النص، والمضرب غير القانوني، أي الأجير الذي اعتبره مشروع القانون التنظيمي المتعلق بممارسة حق الإضراب في وضعية التغيب غير المشروع عن العمل، أي المضرب الذي لا يتقيد بالإجراءات المنصوص عليها في مشروع النص، فالمضرب القانوني لا يخضع لأي عقوبات، بل يخضع فقط للحرمان من الأجر الذي يطابق مدة التوقف عن العمل، وبعكس ذلك فإن المضرب الذي لا يحترم الإجراءات الواردة في مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب سيتم اعتباره في حالة التغيب عن العمل بصفة غير مشروعة، وليس التوقف المؤقت عن العمل، خصوصا وأن المادة الخامسة من مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب تعتبر كل دعوة للإضراب خلافا لأحكام القانون التنظيمي باطلة، مما يعني أن هذه المادة تنزع صفة المضرب عن المضربين خارج الشروط والإجراءات التي يحددها النص التنظيمي، وهو ما يجعل المضرب خارج النص ليس مضربا، بل في وضعية التغيب عن العمل بصفة غير مشروعة، وبالتالي يخضع إلى العقوبات التأديبية المنصوص عليها في النصوص التشريعية والأنظمة الخاصة بالأجراء الجاري بها العمل”.

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة