أخر المستجدات

الأكثر قراءة

الرئيسيةمجتمعفيضانات طاطا تُعرّي هشاشة البنى التحتية وتسائل تنمية “المغرب العميق”

فيضانات طاطا تُعرّي هشاشة البنى التحتية وتسائل تنمية “المغرب العميق”

شهدت منطقة طاطا فيضانات دمرت جزءا كبيرا من بنيتها التحتية وعمّقت عزلة العديد من الجماعات والدواوير وسط تضاريسها الوعرة، ليأتي التدخل الملكي السريع ويخفف من وطأة الكارثة.

وارتفعت الأصوات المطالبة بتوضيح مصير الملايين المستثمَرة بعد إلغاء استراتيجية تنمية الواحات، واتخاذ تدابير عاجلة لإنقاذ المنطقة ومنع تكرار هذه المآسي.

فيضانات طاطا، أعادت إلى الأذهان مشاهد كلميم عام 2014، حينما تكررت الفاجعة من عزل المناطق وقطع الطرق.

آن ذاك، جرفت سيول عارمة الطرق والمنازل وتسببت في عزل العديد من القرى، تاركة السكان محاصَرين وسط تضاريس وعرة وصعبةِ الوصول، كما تسببت الأمطار الغزيرة في ارتفاع منسوب الأودية، مما أدى إلى قطع الطرق المؤدية إلى مدن مجاورة كسيدي إفني وورزازات.

وكانت 10 سنوات كافية لتتكرر نفس المآسي، إذ أدت الفيضانات التي ضربت إقليم طاطا في شهر شتنبر الماضي إلى معاناة عدد من الدواوير التي شهدت ليلة بيضاء بسبب السيول الجارفة.

وخلال هذه الفيضانات، انقلبت حافلة كانت تعبر قنطرة “واوغروط”، ما أسفر عن مقتل أكثر من عشرة أشخاص بالإضافة إلى عدد من الركاب المفقودين.

أضرار مادية كبيرة خلفتها فيضانات طاطا، إذ تسببت في تدمير العديد من الممتلكات وتعرض البنية التحتية لأضرار جسيمة، مما زاد من معاناة السكان وأثر سلبًا على حياتهم اليومية.

هشاشة البنى التحتية تضاعف المحن

تكرار مثل هذه المآسي على مدى العقد الماضي، فتح تساؤلات حول الأسباب الجذرية وراء الأضرار الكبيرة التي تلحَق بالبنية التحتية والخسائر البشرية.

وفي هذا الصدد، أرجع منسق المبادرة التضامنية “لجنة نداء طاطا”، رشيد البلغيتي، سبب ذلك إلى هشاشة البنيات التحتية قائلاً: “عندما تنظر إلى الأضرار على مستوى الطرق والجسور وعدد من المنشآت الفنية، تجد أنها لم تكن تستوفي المعايير المعمول بها ودفاتر التحملات”.

وتابع رشيد البلغيتي، في تصريح لجريدة “مدار21” قائلاً: “يُعد المغرب من الدول التي شهدت كوارث في بداية دولته الحديثة بعد الاستقلال، ولعل أكبر كارثة تمثلت في زلزال أكادير، الذي رغم تأثيره العميق في ذاكرة المملكة، لم ينجح في التأثير على سياساتها”، على حد تعبيره.

وأشار المتحدث ذاته إلى فشل المغرب في تبني سياسة عامة ملائمة للتعامل مع الكوارث ومحاولة الحد منها، وذلك منذ ستينيات القرن الماضي.

أبعاد بيئية واجتماعية للفاجعة

وتسببت الفيضانات الأخيرة التي ضربت الجنوب الشرقي عموما، وكلا من طاطا وزاكورة على وجه الخصوص، في آثار مدمرة على البيئة من قبيل تآكل التربة وتدمير المحاصيل، مما زاد من معاناة السكان وأثر على سبل عيشهم التقليدية.

لذا، فإن تقييم تأثير هذه الفيضانات يتطلب فهمًا شاملًا للأبعاد البيئية والاجتماعية، وما يترتب عنها من تحديات وآفاق مستقبلية.

وفي هذا الخصوص، أكد رئيس جمعية أصدقاء البيئة بزاكورة، جمال أقشباب، أن الأضرار الناجمة عن الفيضانات الأخيرة في المنطقة شملت المنازل والبنية التحتية، حيث تعرضت شبكة الطرق والماء الصالح للشرب والكهرباء وشبكة الاتصالات لتصدعات خطيرة.

وتابع جمال أقشباب في تصريح لجريدة “مدار21″، أن هذه الكارثة لم تقتصر على البنية التحتية فقط، بل كان لها تأثير كبير على الإنسان، حيث شُرّدت العديد من العائلات في عدد من الجماعات الترابية المتضررة في هذه الأقاليم.

وأضاف المتحدث عينه أن “هذه الفيضانات أثرت أيضاً على الحيوانات، حيث فقدت العديد من العائلات التي تعتمد على الرعي والترحال وتربية المواشي موارد رزقها، مما زاد من معاناة السكان في تلك المناطق”.

إلغاء استراتيجية تنمية الواحات

ومرت 6 أشهر على إطلاق استراتيجية جديدة لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان حتى عام 2030، قبل أن تقدم وزارة الفلاحة والوِكالة الوطنية لتنمية هذه المناطق على إلغائها، وذلك دون تقديم مبررات مقنعة، مما أثار تساؤلات حول تأثير هذا القرار على جهود إعادة الإعمار والتنمية في المنطقة.

ولذلك، تساءل رشيد البلغيتي عن الغاية وراء إلغاء استراتيجية تنمية الواحات من قبل وكالة تنمية الواحات ومناطق الأركان في أفق 2030، مجيبا في الآن ذاته بقوله: “أتى هذا الإلغاء لأن هذه الوكالة فشلت على جميع المستويات في تحقيق أهدافها، دون نسيان الأسئلة التي تطرح بخصوص الطريقة التي دبرت بها ميزانياتها وعلى جدول المشاريع المنجزة من خلال برامجها”.

وتابع البلغيتي أن “ما قام به وزير الفلاحة بصفته رئيسا للمجلس الإداري للوكالة، ما هو في واقع الأمر إلا محاولة منه لقطع النزيف وإيقافه، لأنه موجود ومسجل” على حد قوله.

كما طالب رشيد البلغيتي بضرورة حل الوكالة، “بسبب سوء تدبيرها للميزانية المخصصة لمشاريع بعيدة كل البعد عن أولوياتها” على حد تعبيره.

وفي ظل الفشل المتكرر لوزارة الفلاحة والوكالة الوطنية لتنمية الواحات في تحقيق أهداف استراتيجياتهما، أكد رئيس جمعية أصدقاء البيئة بزاكورة أنه رغم ضخ الوكالة لميزانيات مهمة طيلة 10 سنوات بهدف تطوير مناطق الجنوب الشرقي، إلا أنها ما تزال تعاني التهميش والإقصاء.

وكان أقشباب، قد اعتبر في تصريح سابق لجريدة “مدار21 الالكترونية، أن “هذه الميزانية التي توازي 12.5 مليار دولار بمعدل قرابة مليار درهم سنويا، خلال 10 سنوات (2022 إلى 2012)، هي ميزانية ضخمة”، مشددا على أنه “لا يمكن أن يقبل عاقل أن تستثمر كل هذه الأموال في وقت ترزح فيه الواحات المغربية تحت وطأة الجفاف الحاد والتنمية المعطلة”.

المجتمع المدني يعوّض غياب الاستراتيجيات

المبادرات المجتمعية، تلعب دورًا حيويًا في سد الفجوة الناتجة عن غياب استراتيجيات تنموية واضحة، خاصة بعد إلغاء الخطة الوطنية لتنمية الواحات، وذلك ما أقر به رشيد البلغيتي بقوله: “هل كل التدخلات التي تم القيام بها ما بعد الفيضانات أتت من مؤسسات عمومية أو أعوان سلطة؟ لا.. لأنها لا تتوفر على الإمكانيات اللازمة لذلك، ولم يكن لها الوعي الكافي لكي تقول وتعترف بأن هذا الإقليم يحتاج إلى تدخل أوسع”.

وأضاف أن المجتمع المدني سواء في تمظهراته الأولى، حينما أشرف المواطنون على حل الطرقات بشكل يدوي وبوسائل عادية، دون وجود ولا حضور للدولة حتى وزارة التجهيز.

تدخل ملكي لتخفيف المأساة

بتعليمات من الملك محمد السادس، تدخلت القوات المسلحة الملكية، لفك العزلة وتقديم المساعدة للساكنة المتضررة من الفيضانات الناجمة عن الأمطار الغزيرة، بالإضافة إلى تقديم مساعدات مالية لإعادة تأهيل أزيد من ألف منزل انهار جزئيًا أو كليًا بفعل الفيضانات.

وأثارت هذه المساعدات المقدمة تنفيذا لتعليمات ملكية، تساؤلات حول مدى كفايتها في مواجهة تداعيات الكارثة.

وفي هذا الصدد، أشاد أقشباب بهذه المبادرة قائلا: “دائما ما يقف الملك محمد السادس مع شعبه في كل المحن، وكما وقع في زلزال الحوز، هاهو الآن يقوم بمبادرة إنسانية ويخصص 2,5 مليار درهم للتعويض عن أضرار هذه الفيضانات”.

إقرأ الخبر من مصدره

مقالات ذات صلة